رغم محدودية الإمكانيات المتاحة لمنافسيه عبد العالي حساني شريف (حركة مجتمع السلم) ويوسف أوشيش (حزب جبهة القوى الاشتراكية)، واللذين يجوبان ولايات الجزائر صباح مساء لمحاولة كسب دعم الناخبين، يبدو أن « المرشح الحر » تبون يتبع استراتيجية مختلفة تماما.
وفي الواقع، لماذا على تبون أن يكابد العناء وهو باستطاعته أن يدير حملته عن بعد، مادام النظام العسكري بأجهزته ومؤسساته الإعلامية والحزبية (بما فيها مديرية حملته الانتخابية التي يتكلف بها وزير الداخلية إبراهيم مراد)، سيتولى استغلال الأنشطة التي يقوم بها كرئيس منتهية ولايته وتوظيفها في الحملة الانتخابية للتأثير على الناخبين.
وهكذا، منذ انطلاق الحملة الانتخابية، لم يغادر تبون قصر المرادية إلا مرتين فقط، مستعيضا عن ذلك بالاعتماد على النظام العسكري وأجهزة الدولة والائتلاف الحزبي الضخم الذي سخر كل إمكانياته وشمر عن سواعده وانتشر في شتى بقاع البلاد، حتى تلك التي لا يزورها أحد سوى في الحملات الانتخابية، من أجل حشد الدعم لمرشح العسكر.. وهذا « الإجماع الوطني » يثير الكثير من التساؤلات حول نزاهة العملية الانتخابية برمتها
استغلال رموز النجاح الوطني
أحد أبرز الأمثلة على هذا الاستغلال تمثل في إيمان خليف، الملاكمة الجزائرية التي أحرزت الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأولمبية الأخيرة بباريس. فبعد فوزها، سارع الرئيس تبون إلى استدعائها من أجل التقاط صور معها.. بعد ذلك ظهرت الملاكمة فجأة في التجمع الخطابي للمرشح تبون في وهران حيث أعلنت دعمها العلني لـ »عمي تبون ».
وقالت خليف: « الرئيس تبون دائما ما ساندني ودعمني والآن جاء اليوم الذي يجب أن أكون حاضرة لمساندته بدوري ».
وقد أثار هذا التصرف موجة انتقادات واسعة، إذ دعا الكثير من الجزائريين الملاكمة إيمان إلى التركيز على مسارها الرياضي والابتعاد عن السياسة، خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي يعيشها الشعب الجزائري.
توظيف المؤسسات الدينية والسياسية في الخارج
لم يتوقف استغلال تبون لمؤسسات الدولة عند حدود الجزائر، بل امتد إلى الخارج أيضا. فقد أثار تعيين شمس الدين محمد حافظ، عميد المسجد الكبير بباريس، مديرا لحملته الانتخابية جدلا كبيرا في فرنسا. فحافظ، الذي يشغل منصبا دينيا يفترض فيه أن ينآى بنفسه عن الشبهات، أصبح الآن في قلب الترويج لتبون وتنظيم الاجتماعات الانتخابية في العديد من المدن الفرنسية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن سامية غالي، نائبة عمدة مرسيليا، ستتولى إجراءات حملة تبون في المدينة، بمساعدة علي الدهماني، إضافة إلى الصحفي مهدي غزار المعروف بمعاداته للمغرب. بينما سيتولى عبد القادر أوسدج، من اتحاد المسجد الكبير بباريس، حملة تبون في مدينة ليل.
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: العطش يباغت تبون وهو يعِد الجزائريين بالقضاء على أزمة الماء
وكان الرئيس الجزائري المنتهية ولايته قد استقبل عميد مسجد باريس يوم 10 يونيو (قبل انطلاق حملته الانتخابية)، دون الكشف عن تفاصيل اللقاء.
وسبق أن انخرطت المؤسسة الدينية بالعاصمة الفرنسية في الدعاية الانتخابية، بالدعوة للتصويت ضد أحزاب اليمين لمنع وصولها إلى الحكم خلال الانتخابات التشريعية الفرنسية الأخيرة، وهو ما يثير التساؤلات حول أهدافه السياسية الخفية خدمة لأجندات السلطة الجزائرية وتنفيذ مخططاتها.
وحتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية، كان النظام قد شرع فعلا في تلميع صورة « عمي تبون » والنفخ في « الإنجازات » التي قام بها خلال العهدة الأولى، وتم تقديمه تحت اسم « مرشح الشعب » وحاول أذناب النظام بكل ما أوتوا من جهد أن يرسخوا في أذهان الجزائريين بأن مصلحة البلاد مرتبطة بمرشح العسكر هذا.
هذا الاستغلال لمؤسسات الدولة والمناصب الدينية في الحملة الانتخابية يعكس مدى تشبث النظام الجزائري بالحفاظ على السلطة بأي ثمن، ما يزيد من القلق بين الجالية الجزائرية في فرنسا والداخل على حد سواء، ويثير تساؤلات حول نزاهة الانتخابات المقبلة ومدى تأثير هذه التلاعبات على نتائجها.
طريق مفتوح نحو عهدة ثانية
في ظل هذه الظروف، يمضي تبون بثقة مطلقة نحو الفوز بولاية رئاسية ثانية، مستندًا إلى دعم الأحزاب الموالية، والجيش، وشخصيات بارزة تدور في فلك السلطة. ويعتمد النظام في هذا السياق على شعارات مثل « رجل المرحلة المقبلة »، التي تروج لفكرة أن استمرار تبون في الحكم ضروري لاستكمال تنفيذ برنامج « الجزائر الجديدة ».
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: العسكر يقدم تبون باسم «مرشح الشعب» ومنافساه يشتكيان من «تحيز» الإعلام
في المقابل، يؤمن العديد من الجزائريين بأن نتائج الانتخابات محسومة سلفا، وسط حالة من الإحباط من المعارضة السياسية التي لم تظهر أية نية حقيقية في تحدي النظام القائم، بل استمرت في مربع الولاء للسلطة.
في نهاية المطاف، يجد تبون نفسه في وضعية مريحة تمكنه من الترشح لولاية جديدة دون الحاجة لمواجهة التحديات الصعبة التي يواجهها منافساه في الميدان. لكن التساؤلات حول نزاهة هذه الانتخابات ومصداقيتها تبقى قائمة، في ظل استغلال واضح لمقدرات الدولة والمؤسسات الرسمية في دعم حملة الرئيس المدعوم من طرف نظام الجنرالات الحالمين بالاستمرار في السلطة.