يوماً بعد يوم، تؤكّد مجمل الأحداث السياسية والقرارات الاقتصادية الصادرة عن نظام العسكر، بأنّ الجزائر دخلت في مستنقع التضليل الكاذب، حيث يُطلّ علينا في كل مرة عبد المجيد تبون ليُروّج لنا سلسلة من الأكاذيب الدبلوماسية والقرارات الاقتصادية الفاشلة، كما حدث في اجتماعه الأخير المُندرج ضمن قطاع النقل مع بعض المسؤولين والجنرالات والقادة الجزائريين، وهو يُموّه العالم بالقفزات التي حققها البلد في مجال النقل، معتبراً أنّ الأمر، يدخل ضمن سياسات الإصلاح التي تنتهجها الدولة من أجل القضاء على الغلاء الفاحش الذي وصلت إليه العجلات. إنّ المُثير للضحك والسخرية في هذا الأمر، كيف اعتبر عبد المجيد تبون أنّ شراء عجلات جديدة للسيارات والحافلات قراراً تاريخياً.
كل هذا في وقتٍ باتت تتلقّى فيه الجزائر صفعات متتالية من فرنسا. إذْ كيف يجوز الحديث عن « قرار تاريخي » ونحن نكاد نشاهد بشكل يومي سقوطاً سياسياً، بعدما أصبح نظام العسكر يبدو وحيداً داخل الجغرافية الدبلوماسية، وهو يحبو على باب المستثمرين والشركات الصغيرة، من أجل الفوز بصفقة صغيرة تافهة وبقبوله لكلّ الشروط التي تقترحها تلك المؤسسات التي لا يعرفها أحد في العالم؟
إن الجزائر توظّف اليوم كافة الحيل الإعلامية الكاذبة من أجل تمويه العالم والترويج لصورة غير صحيحة مطابقة للواقع بالمرّة عن حقيقة ما باتت تتخبّط فيه الجزائر من أهوال وأزمات ومآزق وتصدّعات تنمّ عن العجز السياسي والتراجع الاقتصادي والانتحار الدبلوماسي الذي بات يطبع سياساتها الخارجية وتعاملاتها الاقتصادية المحدودة، لدرجةٍ أصبح فيها رئيس الجمهورية، يعتبر عملية استيراد العجلات المطاطية قراراً يدخل ضمن حدود « التاريخ ».
إقرأ أيضا : أزمة العجلات في الجزائر: هكذا تسبب قرار عشوائي لتبون في كبح عجلة اقتصاد «القوة الثالثة في العالم»
فإذا كان المؤرّخ الفرنسي الكبير فرناند بروديل يحدّد الأحداث التاريخية (سياسية وعسكرية) انطلاقاً من قدرتها على اختراق المجتمعات والتأثير في بنية التاريخ وسيرورته، بما يجعل الناس يفطنون إلى قوّة تلك الأحداث وأثرها وتأثيرها في تغيير النُظم السياسية والنوايا العسكرية والتحوّلات الاقتصادية، فإنّ الحدث التاريخي عند عبد المجيد تبون، هو عبارة عن رغبة بلد في استيراد العجلات والتباهي بها أمام العالم، علماً أنّ رئيس الجمهورية نفسه، كان قبل سنة، قد تسبّب في الأزمة، بعدما تسبّب قراره السياسي العشوائي في إيقاف عملية استيراد العجلات بأزمة كبيرة داخل الجزائر. لكنّه يظهر اليوم، بالطريقة التي يروّج له بها الإعلام الجزائري في كونه « السوبرمان » الذي سينقذ العربات الجزائرية من الضياع والتآكل، بعد تفشي أزمة الغلاء وعدم قدرة السوق المحلية على تلبية حاجات المواطنين.
وكان حدث إيقاف الاستيراد، قد أثّر بشكل كبير على وسائل النقل الخاصة داخل الجزائر، مما أثار في شهر شتنبر من العام الماضي، حراكاً شعبياً وجدلاً سياسياً داخل الأوساط المجتمعية التي وجدت في هذا القرار الأرعن والمُتغطرس سوء تدبير قطاع النقل والطريقة التي بها أصبح نظام العسكر ينظر إلى الشعب.
وقد اغتنم تبون قرار استيراد العجلات ليقوم بالترويج لسلسلة من القرارات الأخرى العادية المُرتبطة باستيراد حوالي 10 آلاف حافلة ووضع تشريعات جديدة خاصة بحركة المرور ورخص السياقة وتشديد المراقبة على السائقين وإصلاح الطرقات والتكثيف من مراكز المراقبة وغيرها من القرارات الصغيرة التي عادة ما تقوم بها الدول في العالم ككل، دون الحاجة الماسة للترويج لها داخل إعلام مدجّن باتت وظيفته في الجزائر الترويج للأكاذيب وخلق صفقات صغيرة وهمية والتطبيل لإصلاحات اجتماعية تتعثّر حتّى قبل أنْ تبدأ.
دخلت الجزائر منذ سنوات، في عملية الاستيراد الأجنبي لمجموعة من المواد التي لم تستطع السوق المحلية إنتاجها بسبب القرارات الاقتصادية المُهلكة التي يصدرها تبون والتي تزيد الحياة الاقتصادية بؤساً داخل الجزائر. وهي قرارات ارتجالية تنّم عن ضعف السلطة السياسية الحاكمة وعدم قدرتها على التفكير في وضع حدّ للنزيف الاقتصادي الذي يعاني منه البلد والذي يؤثّر بشكل كبير على الأفراد ويدفعهم إلى تنظيم حملات داخل وسائل التواصل الاجتماعي خوفاً من الاضطهاد الذي قد يعانون منه داخل الشارع.
لذلك فعلى الرغم ممّا يتبدى عليه الأمر خارجياً من خلال « القرار التاريخي » الذي تروّج له الجزائر في كونها استجابت لشكاوى المواطنين الجزائريين من خلال مواصلة عملية استيراد العجلات من تونس، إلاّ أنّ الأمر يخفي عجزاً كبيراً، بل ويُظهر حقيقة مأساة قطاع النقل في الجزائر وعدم قدرة عبد المجيد تبون في إيجاد حلول ناجعة لأزمة المواصلات التي بات يتخبّط فيها المواطن الجزائري.




