أدان القضاء الجزائري، يوم الاثنين 17 نونبر 2025، الناشطة المغربية (فاطمة – ب)، التي تحمل اسم «الصوت الحر» على منصة «تيك توك»، بتهمة «الإساءة للجزائر والجزائريين لصالح المخزن»، وهو اتهام فضفاض بات المبرر الجاهز لكل من يزعج «الجار الشرقي» بأي شكل.
ومباشرة بعد انتشار هذا الخبر عبر وسائل الإعلام ومختلف منصات التواصل الاجتماعي، سارع بعض النشطاء ممن يوصفون بـ«المؤثرين الجزائريين» إلى بث مقاطع مصورة تظهر فيها مظاهر الرقص والغناء والابتهاج المبالغ فيه، حيث تفنن كل واحد منهم بمنتهى الشماتة الدنيئة في مواطنة قادتها سنوات إقامتها وعلاقتها بزوج جزائري سابق إلى الوقوع بين مطرقة النظام وسندان «الحسد والبغض» لكل ما هو مغربي، ما يكشف عمق «الفراغ المعنوي» الذي يحاول هؤلاء ملأه بهذا النوع من «الانتصارات الوهمية».
إدمان الاحتفال بما يحزن الجيران
يبدو أن شعار «المجد والخلود لـ.. أي شيء يسيء للمغرب» بات هو البوصلة التي توجه بعض الأصوات لدى الجيران في «العالم الآخر»، الذين لا يدخرون جهدا في البحث عن أي مناسبة، مهما كانت حقيرة أو تافهة، ليعلنوا فيها «الانتصار» على «المخزن»، حسب توصيفهم الذي لا يخلو من السخرية المرة.
هذا السلوك لم يعد استثناء، بل بات «علامة مسجلة» لدى هذا التيار الذي يجد في أي إساءة للمغرب مادة احتفالية دسمة. فقبل أسابيع قليلة، تابع العالم ذات المشهد الساخر عندما ابتهج جزائريون بالإصابة القاسية التي تعرض لها نجم المنتخب المغربي أشرف حكيمي في أرضية الملعب. هي ذات القلوب التي امتلأت بالبغض والحسد لكل ما هو مغربي، والتي وجدت في ألم لاعب كرة قدم أو محنة «تيكتوكر» مناسبة موجبة للرقص والغناء.
إقرأ أيضا : الجزائر: حين تتحول دموع حكيمي إلى المُسكّن الوحيد لأوجاع النظام العسكري
ولم يتوقف الأمر عند حدود الشماتة في الحكم. ففي مستوى آخر من التزلف للنظام، لم يتردد ناشط جزائري في مطالبة سلطات بلاده باعتقال أي مغربي لمجرد تواجده على التراب الجزائري.
ووصف المدعو مصطفى بونيف، وهو أحد أبواق النظام المعروف بتزلفه المبالغ فيه لسدنة الحكم، المغاربة المقيمون في الجزائر بـ«الجواسيس»، إذ حسبه «يتجولون في مناحي البلاد ويلتقطون سرا صورا للمنشآت الاستراتيجية ويبعثون بها إلى المخزن»! يا له من منطق يختزل التعقيد السياسي في نظرية المؤامرة الساذجة.
قضاء يصم آذانه عن الحقائق
تكمن المفارقة الكبرى في أن هذا الحكم القاسي صدر رغم انعدام أدلة الإثبات. فالمواطنة المغربية التي عاشت في الجزائر لمدة عشر سنوات رفقة زوجها (الجزائري) الراحل، تشبثت بإنكار كافة التهم المنسوبة إليها، مؤكدة أنها لم تسيء للجزائر بل سعت إلى «تقريب وتحسين العلاقة» بين الشعبين، عبر حسابها على تيك توك «الصوت الحر soyez _ respecté».
وخلال محاكمتها، استمعت المحكمة لشهادات مواطنين جزائريين نفوا عنها كل تهم الإساءة للجزائر والجزائريين. إضافة إلى ذلك، نقلت وسائل الإعلام الرسمية أن تقارير التحقيق التابعة لمصالح الدرك الوطني بالشراقة، والتي تابعت حساب المتهمة عبر عملية مراقبة تقنية، «لم تتوصل لأي تجاوزات أو شبهة».
ورغم كل ذلك، أصر القضاء على إدانة المواطنة المغربية، وصم آذانه عن الحقائق والشهادات، مفضلا مجاراة الرغبة في إدانتها، وكأن صوت «الرغبة السياسية» كان أعلى من صوت «القانون والعدل».
وكان ممثل الحق العام أكثر «سخاء»، إذ التمس إدانة المتهمة بخمس سنوات حبسا نافذا و500 ألف دينار جزائري، قبل أن تصدر المحكمة في حقها عامين حبسا نافذا وغرامة 200 ألف دينار، لتكتمل بذلك فصول قصة «الانتصار الوهمي» الذي يحاول البعض تحقيقه على حساب مواطنة مغربية.
في نهاية المطاف، يظل السؤال معلقا في الأجواء المحمومة للاحتفالات: ما هي القيمة الحقيقية لـ«انتصار» يتحقق فقط داخل قاعة محكمة، على حساب مواطنة لا تملك سوى حسابا بسيطا على «تيك توك»؟
إن هذه «الانتصارات الوهمية»، التي تبنى على الشماتة ضدا على الجيران، لا تزيد عن كونها محاولات يائسة لإلهاء الذات عن التحديات الحقيقية، وتكريس لحالة من الفراغ السياسي والعاطفي يملأها البعض بـ«فرحة البُغض». وهكذا، ستجتاز فاطمة محنتها، ويبقى المغرب في مكانه.. وسيظل «صوت العقل» هو الغائب الأكبر في مسرحية «الانتصار الوهمي».




