فشل جديد سجله للجنرال جبار مهنا، السجين السابق والرئيس الحالي للاستخبارات الخارجية الجزائرية، بعد اختطاف المعارض والمدون الجزائري أمير بوخرص، المعروف باسم أمير دي زاد في قلب باريس. وقد باءت هذه المحاولة التي كان هدفها تسليم هذا المعارض إلى الجزائر بالفشل الذريع. والأدهى من ذلك أن الجهات المتورطة فيها أصبحت الآن في مرمى المحققين في فرنسا.
وأفاد موقع «Africa Intelligence» بأن الشرطة القضائية في مدينة فيلجويف (فال دو مارن)، في منطقة باريس، تحقق حاليا في الخلفيات الكامنة وراء «اختطاف وتعنيف واحتجاز المدون و المعارض الجزائري أمير بوخرص، المعروف باسم أمير دي زاد».
وكان هذا الأخير قد اختطف ليلة 29 إلى 30 أبريل الماضي بالقرب من منزله، على يد رجال ملثمين، الذين قاموا بتخديره وتصفيد يديه واحتجازه لمدة 27 ساعة في مكان منعزل في ضواحي العاصمة الفرنسية. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اختطاف بوخرص تزامن تقريبا مع اعتقال متزامن في فرنسا، قبل ساعات قليلة، للمدون العميل للمخابرات الجزائرية، سعيد بن سديرة، الذي كان في باريس في الوقت نفسه، بينما هو يقيم عادة في لندن. وتم اعتقال بن سديرة ووضعه رهن الحراسة النظرية تم تحت المراقبة القضائية، بينما كان يستعد للسفر بالطائرة إلى إسبانيا، وهو البلد الذي يقول بعض المراقبين إنه من المحتمل أن يتم نقل أمير بوخرص إليه قبل نقله إلى الجزائر.
وما هو مؤكد هو أن الشرطة القضائية الفرنسية أكثر ميلا إلى التحقيق في عملية الاختطاف هذه لأن الخاطفين تنكروا في زي الشرطة من أجل خداع الضحية، وكسب ثقته وبالتالي اختطافه بدون أي مقاومة من جانبه.
والحال، فإن مثل هذه العملية من خلال التنكر في زي الشرطة الفرنسية واختطاف أمير بوخرص، تذكر بأسلوب حواجز الطرق الزائفة في العشرية السوداء التي كان خلال الجيش الجزائري، الذي كان يتنكر في زي «جماعات إسلامية مسلحة» أو «جماعات الموت»، كان لها هدف مزدوج يتمثل في القضاء على بعض المعارضين وارتكاب أعمال همجية تهدف إلى الحفاظ على مناخ الرعب للبقاء في السلطة.
جبار مهنا، أحد أبطال هذه العشرية المظلمة في تاريخ الجزائر، هل يتصرف اليوم في فرنسا وكأنها أراض جزائرية من خلال إعادة استعمال أساليب الإرهاب نفسها التي استخدمها هو والجنرالات الآخرين مثل توفيق مدين، وسعيد شنقريحة، وناصر الجن، وعبد القادر مجاهد... في الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضي والتي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين؟ على أي حال، طالما أنهم لم يقبضوا على أمير بوخرص على وجه الخصوص، فإن الجنرالات الجزائريين سيظلون متعطشين للدماء. لأن أمير بوخرص، هذا المدون والمعارض السياسي الذي يتابعه الملايين من مواطنيه على شبكات التواصل الاجتماعي، هو عدوهم اللدود الذي يتعين التخلص منه. هذا ما يفسر إصدار النظام الجزائري نحو عشر مذكرات اعتقال دولية بحقه، متهماً إياه بارتكاب جرائم «إرهابية» وغيرها، والحكم عليه غيابيا من قبل المحاكم المحلية بعقوبات عديدة ومشددة، بما في ذلك السجن المؤبد والإعدام.
وخلال زيارته للجزائر، من 25 إلى 27 غشت 2022، فوجئ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالإصرار الهستيري لعبد المجيد تبون والجنرالات الجزائريين، الذين طالبوه بتسليم أمير بوخرص والصحافي هشام عبود.
وبعد أن وعد بلباقة ببذل كل ما في وسعه في هذا الشأن، ترك ماكرون أخيرا القانون يقول كلمته الأخيرة، عندما رفض القضاة الفرنسيون تسليم المعارضين الجزائريين، قبل أن يمنحوا، في أكتوبر الماضي، وضع اللاجئ السياسي لأمير بوخرص.
إن فتح الشرطة الفرنسية لتحقيق بشأن «اختطاف وتعنيف واحتجاز» أمير دي زاد له دلالة كبرى، تعني أن العملاء الذين بعثهم جبار مهنا قد تركت الكثير من الأدلة التي لا تترك مجالا للشك حول الجهات التي أمرت بتنفيذ هذه العملية الفاشلة. وهذا أيضا مؤشر على غضب السلطات الفرنسية تجاه نظام الجزائر الذي يقوم بتصدير أساليبه المافيوزية إلى فرنسا.