كان الإعلان الذي لا ينسى أبدا هو أن الجزائر ستنتج 1.3 مليار متر مكعب من مياه الشرب يوميا بفضل تحلية مياه البحر «بحلول نهاية عام 2024»، والذي صرح به تبون يوم الثلاثاء 19 دجنبر 2023 في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
إذ كان هناك درس حقيقي في مجال الخيال العلمي الذي تلقاه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، عندما تم استقباله بالمرادية، يوم الأربعاء 30 مارس 2022 بالجزائر العاصمة، درس يشير إلى أن الجزائر تمتلك الإمكانيات اللازمة لإطعام القارة الإفريقية بأكملها. وقال: «مع وجود دولة كبيرة جدا، يمكننا مساعدة إفريقيا في ما يتعلق بإمدادات الحبوب. نحن نستطيع فعلها. من الممكن تقنيا الوصول إلى إنتاج 30 مليون طن. نحتاج 9 ملايين طن ويمكننا تصدير 21 مليون طن للمغرب وتونس ومصر دون أي مشكلة».
كما نتغاضي عن «حقيقة» أن قائد إسبانيا الأسبق فرانسيسكو فرانكو كان قد اقترح سنة 1964 على الجزائر التنازل عن الصحراء لها (تصريح يوم 22 مارس 2023 على قناة الجزيرة القطرية)، وأن القيصر نيقولا الثاني سلم الأمير عبد القادر وسام النسر الأبيض. والحال أن القيصر نيقولا الثاني لم يكن قد بدأ حكمه بعد (حكم من 1894 إلى 1917)، بينما توفي عبد القادر عام 1883. كما لا يمكن تجاهل الهدية التي قدمها جورج واشنطن للأمير عبد القادر، بينما توفي الأول عام 1799 والثاني ولد عام 1808، ولم يكن من الممكن أن يتبادل الرجلان الهدايا على هذه الدنيا الفانية.
الرابط بين هذه التصريحات هو طبيعتها المضللة والمستحيلة تماما، وصاحبها الرئيس الجزائري الألمعي عبد المجيد تبون، المرشح البالغ من العمر 78 عاما لخلافة نفسه خلال انتخابات -أو بالأحرى مهزلة- 7 شتنبر. لكن الثقة في الفوز، في ظل غياب منافسين حقيقيين ودعم رئيس الأركان، لا يمنعه من القيام بخرجات أقل ما يقال عنها بأنها سريالية. وذهب تبون بعيدا في هلوساته يوم الأحد الماضي 25 غشت بولاية وهران خلال تجمع انتخابي أمام جمهور كبير وأمام الكاميرات التي خلدت تلك اللحظة.
ما الجديد الذي قاله في هذا التجمع؟ إن الجزائر أصبحت الآن ثالث أكبر اقتصاد في العالم!
وهكذا، خلال 5 سنوات فقط، خرجت الجارة الشرقية من التخلف، ومن نهب قادتها، ومن انقطاع المياه، ومن الطوابير الطويلة على أمل اقتناء كيس من الحليب، ومن ظاهرة الهجرة غير الشرعية لشبابها ومن العديد من العلل الأخرى لتتسلق المراتب وتصبح ضمن الدول الأكثر تقدما، وراء الولايات المتحدة والصين، ولكنها تتقدم بفارق كبير عن ألمانيا أو اليابان أو الهند أو المملكة المتحدة أو فرنسا. إنها بحق المعجزة الجزائرية. ومما يزيد الأمر روعة أن الطريق كان مليئا بالعثرات، كما يؤكد (واحسرتاه) رئيس الدولة.
وأكد قائلا: «في عام 2019، كنا نعيش في يأس تام. انظروا أين نحن اليوم، الجزائر هي الثالثة عالميا على المستوى الاقتصادي. إنها ليست صدفة». الأمر المؤكد هو أنه وفقا لصندوق النقد الدولي، فإن الجزائر، التي يبلغ الناتج الداخلي المتوقع لها 266.7 مليار دولار في عام 2024، تحتل المرتبة 36 في آخر تصنيف... خلف العراق.
الدولة الوحيدة التي تمنح إعانات البطالة
وبالعودة إلى مشكلة التشغيل في بلد تتفشى فيه البطالة، فإن تبون لا يبخل بالوعود. 450 ألف منصب شغل سيتم خلقها قريبا، و500 ألف مقاول ذاتي لا ينتظرون إلا الضوء الأخضر من «عمي تبون»، و8300 مشروع استثماري «مصادق عليه»، وليصل بسرعة إلى 20 ألف مقاولة ناشئة، لتنضاف إلى «7800 مقاولة ناشئة حالية».
سيليكون فالي، الذي يضم 11200 مقاولة ناشئة وشركات تخلق 350 ألف منصب شغل، بما في ذلك 200 ألف مهندس متخصص سيصاب بالذعر. فجزائر تبون تستعد لتحطيم كل الأرقام. خاصة عندما تكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وبالنسبة للآخرين، إذا كان هناك أي شيء متبقي بعد هذه الثورة القادمة، فهناك هذه التفرد العالمي الذي لا تتوفر عليه إلا الجزائر: إعانات البطالة. وصرح المرشح-الرئيس أن «الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تمنحها». ولكنه حاول تدارك الأمر بعد ذلك: «في الحقيقة، الدولة الوحيدة من بين 15 دولة في أوروبا لا نفهم لماذا الجزائر هي «الوحيدة» التي تمنح إعانات البطالة».
20 مليون وحدة سكنية في 5 سنوات
إعلان مهم آخر للرئيس تبون: استراتيجية السكن المقبلة. باعتباره وزيرا للإسكان سابقا، فإنه يعرف ما يتحدث عنه. ولذلك فهو يعلن أن جزائره سوف تبني أكثر من 20 مليون وحدة سكنية إذا أعيد انتخابه. سيتمكن جميع المواطنين الذين يبلغون من العمر 27 عاما فما فوق من الحصول على سكن. لكي لفهم هذا الجنون الجزائري يكفي أن نعرف أن الصين بسكانها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة قامت ببناء ما يقرب من 5.09 مليون وحدة سكنية في عامي 2022 و2023. لكن نعلم أن تبون قادر على صنع المعجزات. علاوة على ذلك، أعلن بفخر أن «العالم كله يحسدنا على مشاريع السكن».
الربط بين السدود: «الجزائر وحدها القادرة على فعل ذلك»
لم يقل أبدا كيف أو بأي وسيلة، لكن إذا كانت هناك أرض خصبة جدا لأكاذيب تبون، فهي الفلاحة. وهكذا، اعتبارا من عام 2026، «لن تستورد الجزائر ولو كيلوغراما واحدا من القمح الصلب. الأمر نفسه ينطبق على الشعير»، يقول تبون. الأمر السيئ هو أنه بالنسبة للذرة، سيتعين الانتظار حتى عام 2027.
كل هذا، في بلد يستورد جميع احتياجاته تقريبا من هذه المواد. وتعهد المرشح الرئاسي قائلا: «سنة 2027 سيكون فيها السكر والزيت، منتوجين جزائريين. وهذا ليس وعدا فارغا. اعتبروا أن الأمر قد تم. إنه مضمون». الحل جاهز وهنا مرة أخرى الاستثناء الجزائري: الربط بين السدود وأحواض المياه الأخرى في البلاد. فالمياه، التي تفتقر إليها حتى في المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة ووهران، حيث تحدث، سوف تتدفق بغزارة وفي كل مكان. وأوضح تبون أن «الجزائر وحدها القادرة على فعل ذلك». ما الذي يمكن أن نقوله عندما ننظر إلى ما يفعله المغرب في هذا المجال؟ لا شيء سوى أنه في هذه العملية سيتم ري 3 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية في الجزائر. الجزائر الجديدة ستكون هذه الأرض الجديدة التي يتدفق منها الحليب والعسل.
إن أوهام العظمة التي يعاني منها تبون وكذلك تكاثر هلوساته تطرح علامة استفهام كبيرة بشأن صحته العقلية. هل الرئيس الجزائري في كامل قواه العقلية؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه على اعتبار أنه يبدو فقد إحساسه بالواقع بشكل نهائي ويعيش في عالم مواز. فهل الرجل الذي على وشك أن يتولى خمس سنوات أخرى طويلة على رأس الجزائر لديه القدرات العقلية اللازمة للقيام بهذه المهمة؟ وإذا كان من الممكن في السابق مقارنة الأكاذيب المتكررة بالرغبة في السلطة أو الدعاية الصرفة، فإن التصريحات الأخيرة والوعود الأخرى تشير إلى فقدان كامل لأي قدرة على التمييز أو الحس السليم. إذا كان نظام الجزائر وقادته يثيرون القلق بشخصيتهم المتهورة والهستيرية، فإن صحة تبون العقلية تمهد الطريق للاعقلانية. وهو ما يشكل خطرا.