الجزائر: ديون علاج كبار المسؤولين في مستشفيات فرنسا تفضح أكذوبة «المنظومة الصحية الأفضل في إفريقيا»

عبد المجيد تبون الرئيس الجزائري

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال قضائه لأشهر في أحد مستشفيات ألمانيا بعد إصابته بفيروس كورونا عام 2020. DR

في 31/01/2025 على الساعة 07:00

فيديوبينما لا يكف النظام الجزائري عن ادعاء امتلاكه «أحسن منظومة صحية في إفريقيا»، يأبى الواقع إلا أن يفضح زيف هذا الادعاء بالدليل والبرهان. أحدث هذه الفضائح ما كشفته وسائل إعلام فرنسية عن تراكم ديون الجزائر لدى المستشفيات الفرنسية، والتي بلغت 45 مليون يورو خلال عام 2023. فرغم التفاخر الرسمي بقطاع الصحة الوطني، لا يتردد كبار المسؤولين الجزائريين، مدنيين وعسكريين، في شد الرحال إلى مستشفيات باريس عند أول وعكة صحية تصيبهم، تاركين وراءهم الشعب في مواجهة نظام صحي معطوب، يعاني من التدهور ونقص التجهيزات.

أزاحت وسائل إعلام فرنسية الستار عما وصفته بـ«فضيحة طبية»، حين كشفت أن الجزائر تركت ديونا ضخمة لمستشفيات باريس، تقدر بنحو 45 مليون يورو، وذلك بسبب الاتفاقيات القائمة بين البلدين التي تسمح للمرضى الجزائريين بالعلاج في فرنسا دون دفع الفواتير مباشرة. وتشمل هذه الديون فواتير علاج كبار المسؤولين الجزائريين الذين يحملون جوازات سفر دبلوماسية، بالإضافة إلى مواطنين عاديين يستغلون زيارة عائلية إلى فرنسا لتلقي العلاج.

ووفقا لتحقيق نشرته إذاعة «أوروبا 1»، فإن الجزائر غالبا ما تعترض على هذه التكاليف الطبية ولا تدفع سوى جزء من المبلغ المستحق لفرنسا، مما يخلق عجزا في ميزانيات المستشفيات الفرنسية.

وأضاف التحقيق أن بعض المواطنين الجزائريين الأقل ثراء يستغلون زيارة عائلية لفرنسا لتلقي العلاج في المستشفيات. ولتجنب الدفع، يستعير بعضهم بطاقة التأمين الصحي لأحد أقاربهم الفرنسيين، أو ببساطة لا يدفعون الفواتير التي تُرسل إلى منازلهم.

وجاءت هاته الفضيحة الطبية، التي عرت ما تبقى من سوءة النظام الجزائري، لتصب المزيد من الزيت على نار الأزمة الدبلوماسية المشتعلة بين الجزائر وفرنسا، منذ إعلان هذه الأخيرة دعمها لمغربية الصحراء.

صحة النخبة على حساب الشعب

لا تقتصر فضيحة ديون الجزائر لمستشفيات باريس على مجرد أرقام مالية، بل تكشف عن أولوية النخبة الحاكمة على حساب الشعب والاقتصاد الوطني. ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن الجزائري من نقص في الأدوية والخدمات الطبية الأساسية، وتدهور البنية التحتية الصحية في الداخل، يهرع كبار المسؤولين، مدنيين وعسكريين، إلى مستشفيات باريس الفاخرة لتلقي العلاج.

هذه الممارسات لا تُثقل كاهل الميزانية العامة بالديون الضخمة فحسب، بل تُظهر أيضا انفصالا صارخا بين النخبة الحاكمة والواقع الذي يعيشه المواطن العادي. فبينما تُخصص مبالغ طائلة لعلاج المسؤولين في الخارج، تُهمل المستشفيات الجزائرية التي تعاني من نقص في التجهيزات والأطباء، وتُترك لتعالج المواطنين بأدوات بدائية وخدمات متدنية.

هذا السلوك يُظهر بوضوح أن أولوية النظام الجزائري ليست تحسين الخدمات الصحية للمواطنين، بل ضمان راحة النخبة الحاكمة، حتى لو كان ذلك على حساب الاقتصاد الوطني وسمعة البلاد. فبدلا من استثمار هذه الأموال في تطوير المنظومة الصحية المحلية، يتم إنفاقها على فواتير استشفاء المسؤولين في الخارج، مما يعمق الفجوة بين الحكام والمحكومين، ويُزيد من استياء الشعب الذي يدفع ثمن هذه الأولويات المشوهة.

رد رسمي متناقض وسخرية شعبية

كالعادة، لم يتأخر النظام الجزائري في مهاجمة التقارير الفرنسية، حيث نشرت وكالة الأنباء الجزائرية بيانا ينفي صحة الأرقام ويصفها بـ«الروايات المفبركة»، مدعيا أن الجزائر تحترم التزاماتها المالية.

وأشارت الوكالة إلى أن الجزائر قد دفعت جميع الفواتير المستحقة وفقا لاتفاقية الضمان الاجتماعي بين البلدين، وأنها تطالب بعقد اجتماع للجنة المشتركة لتسوية أي ديون محددة.

بدورها شنت بقية وسائل الإعلام المسخرة من طرف سدنة نظام العسكر حملة شعواء ضد فرنسا، مدعية (زورا) أن باريس لم تعد الوجهة المفضلة لاستشفاء الجزائريين وإنما غيروا القبلة نحو مستشفيات ألمانيا... في إشارة إلى الرئيس عبد المجيد تبون الذي قضى عدة أشهر في أحد مستشفيات ألمانيا حين أصيب بفيروس كورونا عام 2020.

بيد أن المفارقة تكمن في أن الرد الرسمي لم ينفِ استفادة كبار المسؤولين من العلاج في فرنسا، ولم يوضح لماذا يحتاج كبار المسؤولين إلى مستشفيات باريس إذا كانت الجزائر تمتلك فعلا «أفضل نظام صحي في إفريقيا».

هذا الرد لم ينجح في إسكات الانتقادات، حيث انهالت التعليقات الساخرة من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، مستنكرين المفارقة بين تصريحات النظام حول تفوق المنظومة الصحية في البلاد، وبين لجوء كبار المسؤولين إلى العلاج في باريس، بينما يواجه المواطنون صعوبات في الحصول على رعاية صحية محلية لائقة، حيث علق أحد المستخدمين قائلا: « إذا كان نظامنا الصحي هو الأفضل في إفريقيا، فلماذا يهرع مسؤولونا إلى باريس عند أول عطسة؟ ».

كما انتقد البعض « جشع » النخبة الحاكمة التي لم تكتفِ بنهب موارد البلاد داخليا، بل أصبحت تثقل كاهل الاقتصاد بديون الاستشفاء في الخارج.

ديون متراكمة منذ سنوات

ليست هذه المرة الأولى التي تُكشف فيها ديون الجزائر لمستشفيات فرنسا. ففي عام 2017، أشار تقرير صادر عن مجلس الشيوخ الفرنسي إلى أن ديون الجزائر بلغت 27 مليون يورو لمستشفيات باريس وحدها، و38 مليون يورو لجميع أنحاء الأراضي الفرنسية. وفي عام 2015، تصدرت الجزائر قائمة الدول المدينة للمستشفيات الفرنسية بمبلغ تجاوز 31 مليون يورو.

وتعود هذه الديون إلى الكم الهائل من السياح الجزائريين الذين يأتون لزيارة فرنسا، بالإضافة إلى المقيمين غير الشرعيين الذين يترددون على أقسام الطوارئ في المستشفيات الفرنسية. ولكن القسط الأكبر من هذه الكلفة ينجم عن علاج كبار المسؤولين الجزائريين، الذين يُنقلون على جناح السرعة إلى باريس عند أدنى مشكلة صحية.

منظومة صحية للنخبة فقط

بعيدا عن مزاعم النظام الجزائري، يواجه القطاع الصحي في الجزائر انهيارا مستمرا، حيث تعاني المستشفيات من نقص في الأدوية، والاكتظاظ، وغياب التجهيزات، وهجرة الكفاءات الطبية إلى الخارج بسبب ضعف الرواتب وظروف العمل السيئة.

وبسبب هذه الأوضاع، يجد المواطن الجزائري نفسه مضطرا لمواجهة المرض بأبسط الإمكانيات، في حين يحظى المسؤولون بعلاج فاخر في باريس على حساب المال العام.

وبينما تعاني المستشفيات الجزائرية من الإهمال، يبقى المواطن هو الضحية الحقيقية لهذه السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة في ظل حكم العسكر، حيث لا يجد حتى أبسط الأدوية، بينما تذهب أموال بلاده لعلاج نخبة ترفض حتى الاستشفاء في « أفضل منظومة صحية في إفريقيا »!

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 31/01/2025 على الساعة 07:00

مرحبا بكم في فضاء التعليق

نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.

اقرأ ميثاقنا

تعليقاتكم

0/800