« تعجز الكلمات عن وصف الفظائع والرعب اليومي الذي يعانيه الفلسطينيون لا سيما منهم النساء (…)، إننا نجدد دعوتنا من اجل وقف فوري ودائم لإطلاق النار بغزة وكذلك في لبنان من أجل السهر على أن نضمن الحماية لجميع المدنيين سيما منهم الأكثر ضعفا، أي النساء، بمقتضى القانون الدولي »، هذا الكلام المؤثر صدر عن السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، خلال جلسة مجلس الأمن التي ناقشت موضوع « النساء، السلام والأمن ».
وتابع السفير الجزائري خطابه المؤثر قائلا إن « المجتمع الدولي مطالب بالتحرك من أجل حماية النساء والأطفال المتضررين من النزاعات المسلحة »، قبل أن يستطرد كاشفا بالأرقام عن عدد الأطفال والنساء الذين يتعرضون لـ »انتهاكات صارخة » في مناطق الحرب...
لكن هذا الخطاب المليء بالمشاعر لم يتطرق أبدا إلى وضع آلاف النساء والأطفال الصحراويين المحتجزين في تندوف، حيث يواجهون واقعا مريرا يشمل الاحتجاز القسري، واستغلال المساعدات الدولية، وحتى الاتجار بوجودهم كوسيلة لجذب المزيد من التمويل.
نظام يتاجر بالمآسي
من يسمع هذا المسؤول الجزائري يتحدث بـ« حرقة » عن معاناة النساء والأطفال في غزة ولبنان قد يظن أن مواطنيه يعيشون في رخاء وازدهار، لكن الواقع مخالف تماما. فالنظام الجزائري، الذي يتحدث بلسان مدافع عن حقوق الشعوب، يغض الطرف عن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة التي تثقل كاهل الجزائريين. فبينما يعاني المواطن الجزائري من سوء الأوضاع المعيشية، ونقص الخدمات الأساسية، وتدهور البنية التحتية، يواصل النظام إنفاق موارده على دعم حركات انفصالية وتبني مواقف خارجية ذات طابع استعراضي، متجاهلا أوضاع شعبه المتردية.
ويبرز التناقض بشكل أكبر حين يتجاهل النظام معاناة النساء والأطفال المحتجزين في مخيمات تندوف، حيث يتعرضون للاستغلال والعنف في ظروف قاسية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
إقرأ أيضا : جمعية نساء صحراويات يطالبن من روما بإنهاء معاناة المحتجزين في تندوف
هؤلاء المحتجزون، الذين يستخدمون كأدوات لتحقيق مكاسب سياسية، محرومون من حقوقهم الأساسية في ظل صمت جزائري وتواطؤ يخفي معاناتهم عن أنظار العالم.
إن هذا التناقض الصارخ يثير استياء المواطنين الجزائريين، الذين يرون أن النظام يستخدم قضايا خارجية لتلميع صورته دوليا، بينما تتفاقم معاناتهم في الداخل دون حلول أو اهتمام حقيقي.
تضخيم أعداد المحتجزين في تندوف
بينما لا تفتأ المملكة المغربية تطالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بضرورة إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف، تستمر الجزائر وصنيعتها بوليساريو في رفض الإحصاء مكتفية بإعلان « إحصائيات ضخمة » حول المحتجزين في مخيمات تندوف، بهدف إظهار أزمة إنسانية تتطلب دعما دوليا. بيد أن إحصائيات المنظمات الحقوقية الدولية تكشف عن تناقض صارخ بين هذه الأرقام وبين الواقع.
ففي حين تصر الجزائر وجبهة البوليساريو على أن سكان المخيمات يناهزون الـ90 ألفا، فإن إحصائيات مدعومة بالأدلة من السلطات الإسبانية ومنظمات دولية تؤكد أن العدد الحقيقي للصحراويين المحتجزين في المخيمات لا يتجاوز 2000 شخص، بينما تتشكل الأغلبية من جنسيات إفريقية مختلفة، أُقحِموا عمدا لنفخ أعداد المحتجزين.
ويهدف هذا التلاعب إلى استقطاب المزيد من المساعدات الدولية، التي غالبا ما تتعرض للاختلاس من طرف زعماء الانفصاليين، وفقا لتقارير أممية وثلاثة تقارير دولية وثقت هذه الانتهاكات بشكل خاص، مما يحول المحتجزين في تندوف إلى ورقة تجارية تستغلها الجزائر لتحقيق مكاسب سياسية ومالية.
وتجدد منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلى جانب تقارير أممية، إدانتها لانتهاكات حقوق الإنسان داخل المخيمات، من بينها تجنيد الأطفال واستعباد النساء، وهي ممارسات تُصنف على أنها جرائم ضد الإنسانية.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن أكد في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن تدهور أوضاع حقوق الإنسان هناك، مشيرا إلى تجنيد الأطفال في تلك المخيمات.
أصل تجاري
كشفت عدة تقارير دولية، من بينها تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن الجزائر تستغل وضع المحتجزين في تندوف وتغذي أرقاما مضللة بشأن أعدادهم بهدف الحصول على دعم مالي متزايد، بينما في المقابل، يتعرض سكان هذه المخيمات لانتهاكات تتمثل في تقييد حرية التنقل، وإجبارهم على الحياة في ظروف شبيهة بالعبودية.
إقرأ أيضا : إدانة شديدة بالأمم المتحدة لانتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف
وتعد شهادات العائدين من تندوف دليلا حيا على المأساة المستمرة هناك في المخيمات. فقد سبق أن روى حمادة البيهي، الذي عاش لأكثر من 40 عاما في هذه المخيمات قبل أن يعود إلى المغرب، أن أقل من 20% من سكان المخيمات هم من أصول صحراوية مغربية، بينما الآخرون هم من جنسيات أخرى.
وأكد البيهي أن البوليساريو استغلت هؤلاء المحتجزين وجعلتهم « أصلا تجاريا » لجذب الدعم الدولي، مما يفسر رفض الجزائر والبوليساريو إحصاء سكان المخيمات بشكل رسمي.
ازدواجية النظام الجزائري
تبدو ازدواجية المواقف الجزائرية واضحة. ففي الوقت الذي تتبنى فيه خطابا إنسانيا عن حماية المدنيين في مناطق النزاع، تتجاهل معاناة المدنيين على أراضيها وتتركهم عرضة لاستغلال ميليشيات مسلحة.
إن النظام الجزائري بإصراره على هذا التناقض، يبدو كمن يتخذ من التضامن مع غزة ولبنان ستارا يخفي وراءه تعاميه عن معاناة ضحايا مخيمات تندوف. تضامن لا يغدو سوى شعارا يفتقد للمصداقية، حيث يظهر أن حقوق الإنسان ليست إلا ورقة يستخدمها النظام الجزائري متى وحيثما شاء لخدمة أهدافه السياسية الضيقة، على حساب حقوق وكرامة هؤلاء المحتجزين المنسيين.