التعديل الجديد يمنح الدولة صلاحيات واسعة لنزع الجنسية على أساس مفاهيم فضفاضة، من قبيل المساس بأمن الدولة ووحدتها، أو إظهار الولاء لدولة أجنبية، أو التعامل مع جهات معادية، أو الانخراط في جماعات مصنفة إرهابية أو تخريبية، أو حتى الدعاية لها.
وهي صياغات، بحسب فاعلين حقوقيين، تفتقر إلى الدقة القانونية، وتفتح المجال أمام تأويلات أمنية واسعة قد تطال المعارضين السياسيين والناشطين السلميين، خصوصا في صفوف الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج.
تشريع «مطاطي» يستهدف الخارج
الجدل لم يقتصر على الأوساط الحقوقية، بل امتد إلى شخصيات سياسية ودبلوماسية وازنة. فقد عبّر الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي عن رفضه الصريح لهذا التوجه، متسائلا عن مشروعيته القانونية وتوقيته السياسي.
وأبرز الوزير، في تصريح صحفي لجريدة جزائرية، أن هذا القانون يعاني من غياب منهجية قانونية واضحة، ولا يوفر أي ضمانات قضائية جدية أو مستقلة، كما يتناقض مع القواعد الدولية المستقرة التي تصنف الجنسية الأصلية ضمن الحقوق الطبيعية غير القابلة للمساس إلا في حالات استثنائية ومحددة بدقة.
ويرى رحابي أن خلفيات هذا التعديل تبدو مرتبطة بظرفية وقضايا بعينها، مثل قضيتي بوعلام صنصال وفرحات مهني، أكثر من كونها ثمرة معالجة هادئة ومسؤولة لمسألة وطنية سيادية.
تعارض مع الدستور والمواثيق الدولية
من جهتها، دقت منظمة شعاع لحقوق الإنسان ناقوس الخطر، واعتبرت أن مصادقة البرلمان على القانون المعدل والمتمم لقانون الجنسية الصادر سنة 1970، تشكل تراجعا خطيرا عن أبسط ضمانات دولة القانون، وتهديدا مباشرا لمنظومة الحقوق والحريات الأساسية.
وأكدت المنظمة -الكائن مقرها في لندن- في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، أن هذا التعديل يندرج في سياق سياسي وقضائي يتسم بتوسع مقلق في استعمال القوانين الزجرية لتكميم حرية التعبير، لا سيما ضد المعارضين، وبوجه خاص الجزائريين المقيمين في الخارج، في محاولة لإسكات آخر فضاءات التعبير الحر وقطع الصلة القانونية بين المواطن ووطنه.
وترى منظمة «شعاع» أن التعديل لا يندرج ضمن إصلاح تشريعي مشروع، بل يمثل سابقة خطيرة تحوّل الحق في المواطنة إلى أداة للعقاب السياسي، وتفتح الباب أمام نزع الانتماء القانوني عن المواطنين بناء على تقديرات سياسية وأمنية غير مضبوطة، بما يقوض مبدأ المواطنة المتساوية والأمن القانوني.
كما اعتبرت أن توسيع نطاق التجريد ليشمل الجنسية الأصلية يشكل انتهاكا جسيما لمبدأ استقرار المركز القانوني للفرد، وخروجا عن المعايير الدستورية والحقوقية المستقرة.
سلاح سياسي ضد المعارضين
حذرت منظمة «شعاع» من أن القانون، بصيغته الحالية، يسمح بمعاقبة الأفراد ليس على أفعال ثابتة بموجب أحكام قضائية نهائية، بل على آرائهم السياسية أو أنشطتهم السلمية، في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة. فالسماح بتجريد الجنسية دون حكم قضائي نهائي، وبناء على تقدير إداري غير مضبوط، يشكل خرقا فاضحا لمبادئ العدالة، وإلغاء فعليا للرقابة القضائية، وانحرافا خطيرا عن دولة القانون.
كما نبهت منظمة شعاع إلى أن الصياغات الغامضة ذات الطابع الأمني الواردة في القانون تمثل أدوات جاهزة لتجريم حرية التعبير والمعارضة السلمية، وتحويل الاختلاف السياسي إلى تهديد أمني يعاقب عليه بأقصى جزاء ممكن، وهو نزع الجنسية.
واعتبرت أن ضعف الضمانات القضائية ليس خللا عرضيا، بل خيارا تشريعيا مقصودا، يتجلى في إقصاء القضاء من مسطرة التجريد، وحرمان المعنيين من حق الدفاع، وغياب أي نص صريح يضمن حق الطعن القضائي ذي الأثر الوقفي، فضلا عن ترك تحديد تشكيلة اللجنة المكلفة بملفات التجريد لنص تنظيمي حكومي، بما يمس مبدأ الشرعية واستقلال القرار.
وتؤكد المنظمة أن القانون المصادق عليه يتعارض مع الدستور الجزائري، وينتهك التزامات الدولة الدولية، خاصة المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادتين 19 و24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ما قد يعرض الجزائر لمسؤولية قانونية دولية.
وفي هذا السياق، عبرت «شعاع» عن رفضها بشكل قاطع تحويل المواطنة إلى أداة للإقصاء أو العقاب السياسي، مؤكدة أن مواجهة أي أفعال مجرمة يجب أن تتم حصريا عبر القضاء المستقل وضمانات المحاكمة العادلة.
إن مصادقة البرلمان على هذا التعديل، بالإجماع، لا تعكس فقط انسداد أفق النقاش التشريعي، بل تكشف أيضا عن مناخ سياسي يتجه نحو مزيد من التضييق على الحقوق والحريات، في وقت تتكدس فيه زنازين البلاد بمئات معتقلي الرأي والناشطين والصحفيين.
وبهذا التشريع، تدخل الجزائر منعرجا حاسما يهدد منظومة الحقوق والحريات الأساسية، حيث لم تعد الجنسية حصنا يحميه القانون، بل أداة عقابية قد تشهر في وجه كل من يتبنى رأيا مخالفا للنظام العسكري الدكتاتوري.






