قبل أكثر من عامين فقط، كان تبون يتباهى باستضافة قمة الجزائر العربية في نوفمبر 2022، التي أقيمت في مركز المؤتمرات الدولي عبد اللطيف رحال، وهو مجمع ضخم أنشأته الصين مقابل 688 مليون دولار.
كان العشاء في فندق شيراتون، لكن محور الحديث كان القضية الفلسطينية، حيث صرّح قائلا: « أنا من يتكفل بها شخصيا ». لم تخدم هذه العبارات المغرورة القضية الفلسطينية بشيء، لكن ذلك لم يكن مهما بالنسبة له، فقد كانت قمة الجزائر العربية في نوفمبر 2022 قمة شخصية له. انتهى الحدث إلى فشل، إذ قاطعته أبرز القيادات العربية، إلا أن تبون استمتع بلحظات مجده القصيرة. ومع ذلك، لم تستمر رئاسة الجزائر للجامعة العربية سوى أربعة أشهر نظريا، وأقل من أربعة أيام فعليا قبل أن تنتزعها السعودية.
لكن ما الذي دفع تبون إلى مقاطعة القمة العربية الطارئة المقررة غدا، الثلاثاء 4 مارس، في القاهرة، والتي تتناول القضية الفلسطينية نفسها؟
أمس الأحد، أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية، عبر « مصدر مطّلع »، أن تبون لن يشارك « شخصيا » في القمة، وسيتم تمثيله بوزير الخارجية أحمد عطاف. استخدام وكالة رسمية لمصدر غير رسمي يكشف عن إحباط تبون بسبب استبعاده من القرارات المهمة داخل الجامعة العربية، ما يعكس تهميش النظام الجزائري.
وأوضحت الوكالة أن « هذا القرار يأتي في سياق الاختلالات والنقائص التي شابت عملية التحضير لهذه القمة، حيث احتكرتها مجموعة محدودة من الدول العربية دون تنسيق مع بقية الدول ».
وأضافت أن تبون يشعر بـ »عدم الرضا » عن هذا الأسلوب الذي « يستبعد دولًا ويشرك أخرى، وكأن دعم القضية الفلسطينية أصبح حكرًا على البعض دون غيرهم ».
من الواضح أن ردة فعل تبون الغاضبة ليست سوى محاولة لحفظ ماء الوجه بعد صفعة تلقاها من الجامعة العربية، والتي ذكّرته بحجم الجزائر الحقيقي في الساحة الدولية. هذه الصفعة تبدو أكثر إيلاما مع كون الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن، حيث كانت تأمل أن تكون صوت الجامعة العربية هناك.
رغم ذلك، فإن هذا الدور الميكانيكي لم يحظَ بأي تقدير من الدول العربية، بل إن رد فعل تبون الغاضب قوبل بتجاهل تام في العواصم العربية، التي اعتادت على انفعالات الجزائر المتكررة.
عزلة متزايدة في المشهد الإقليمي والدولي
لم تكن الجامعة العربية سوى أحدث كيان تنضم الجزائر إلى قائمة خلافاتها معه. ففي العالم العربي، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، لم يتبقَ للجزائر سوى تونس كحليف، وهي دولة باتت تحت وصايتها، إذ يتعامل النظام الجزائري معها وكأنها « مقاطعة ». ولم يكن مفاجئا أن الرئيس التونسي قيس سعيد قرر تقليد تبون ومقاطعة القمة العربية أيضا.
أما المغرب، فقد ظل العدو التقليدي للجزائر، التي أعلنت في 24 غشت 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية معه من جانب واحد، ثم أغلقت مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية في 22 شتنبر 2021، بحجة « أعمال عدائية » لم تستطع تحديدها بوضوح سوى العودة إلى حرب الرمال في الستينيات.
إلى جانب المغرب، دخلت الجزائر في أزمة غير مسبوقة مع فرنسا، المستعمر السابق، بسبب دعم باريس لمغربية الصحراء، واعتقال الكاتب بوعلام صنصال، ورفض الجزائر استقبال مواطنيها غير المرغوب فيهم في فرنسا. وبعد التصعيد الحاد، يبدو أن الجزائر تسعى الآن لمصالحة مع باريس، في مشهد يذكر بتراجعها عن الأزمة التي أثارتها مع إسبانيا بعد دعم مدريد لمغربية الصحراء.
في أوروبا، لم يبقَ للجزائر سوى علاقة « طبيعية نسبيا » مع إيطاليا، رغم أن الأخيرة يقودها حاليًا أكثر الحكومات يمينية في تاريخها، برئاسة جورجيا ميلوني من حزب « إخوة إيطاليا » اليميني المتطرف، وهو نفس التيار الذي تنتقده الجزائر في فرنسا.
فشل دبلوماسي ذريع
أما الحلفاء القدامى، فلم يعودوا بنفس الولاء. روسيا، التي كانت تُعتبر « الشقيق الأكبر »، باتت تأخذ مسافة من نظام الجزائر، حتى أنها رفضت انضمامها إلى مجموعة « بريكس » في القمة الخامسة عشرة للدول الناشئة في أغسطس 2023 بجنوب إفريقيا.
إقليميا، الجزائر تعاني من علاقات متوترة مع مالي، وبرود في العلاقات مع النيجر وبوركينا فاسو، وحرب باردة مع ليبيا بقيادة المشير خليفة حفتر.
إن النهج العدائي للنظام الجزائري، الذي يعتمد على ردود الفعل الغاضبة وقطع العلاقات دون حساب العواقب، يعكس فشلا دبلوماسيا واضحا. في ظل قيادة شائخة غير قادرة على مواكبة التحولات الدولية، تجد الجزائر نفسها معزولة أكثر من أي وقت مضى، في انتظار أن تدرك أن العالم قد تغير منذ سقوط جدار برلين. لكن حتى هذا، لا يبدو أنهم قادرون على استيعابه.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا