أطلقت منظمة شعاع لحقوق الإنسان، الكائن مقرها في لندن، حملة واسعة للمطالبة بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي في الجزائر، تحت شعار «#حرّروا_أصوات_ الحرية»، وهي مبادرة تمتدّ من 5 إلى 10 دجنبر 2025 بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، في خطوة تكسر صمتا طال أمده حول تدهور الحريات في البلد الذي يواصل الادعاء رسميا باحترام الحقوق الأساسية، فيما تشير المؤشرات الحقوقية الدولية إلى واقع مغاير.
تزايد الاعتقالات وتراجع الحريات
تأتي هذه الحملة في ظرف سياسي وحقوقي بالغ الحساسية، إذ تشهد الجزائر — بحسب منظمات حقوقية دولية — تراجعا مستمرا في حرية التعبير خلال السنوات الأخيرة، مقابل توسع غير مسبوق في استخدام الملاحقات القضائية ضد النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن السلطات كثّفت جهودها لإسكات الأصوات المستقلة، واعتمدت تهما فضفاضة مثل «نشر أخبار زائفة» و«المساس بالوحدة الوطنية» و«التحريض»، لتجريم التعبير السلمي.
وفي قلب هذا السياق، تذكّر منظمة شعاع بأن عدد معتقلي الرأي تجاوز 230 شخصا يقبعون خلف القضبان بسبب آرائهم أو نشاطهم المدني، في محاكمات تفتقر — وفق المنظمة — إلى شروط العدالة والشفافية، وتستند إلى تهم « خطيرة » لكنها غير مبنية على أي أساس قانوني حقيقي.
صوت النظام أعلى من صوت القانون
تؤكد منظمة شعاع أن الحملة ليست مجرد فعل رمزي، بل ردّ مباشر على التدهور الحاد في الحقوق الأساسية داخل الجزائر، حيث تتوسع الملاحقات لتشمل كل من يجرؤ على التعبير عن رأيه أو الدفاع عن حقه.
خلال السنوات الأخيرة، تحوّلت تهم جاهزة مثل «نشر أخبار زائفة» و«إضعاف الروح المعنوية» و«المساس بالوحدة الوطنية» إلى أدوات جاهزة لإسكات المعارضين، بينما تتوالى الأحكام القاسية في محاكمات توصف بأنها تفتقر لأبسط معايير النزاهة والعدالة.
ومع كل اعتقال جديد، يتضح أن السلطة ماضية في خيار تشديد القبضة على المجتمع، وأن صوت النظام بات أعلى من صوت القانون، رغم مزاعم سدنة الحكم بشأن احترام حرية التعبير وحقوق الإنسان.
مأساة إنسانية ثقيلة.. ودوائر الظلم تتسع
لا تقف المأساة عند حدود السجون. فخلف كل معتقل رأي عائلةٌ منهكة وأسرةٌ تعيش على وقع الخوف والانتظار. تصف منظمة شعاع هذا المشهد بأنه « ظل ثقيل يمتد من زنزانة المعتقل إلى قلب كل بيت تُنتزع منه حرية أبنائه »، مؤكدة أن الاعتقال التعسفي لم يعد مجرد إجراء قمعي، بل أداة لتدمير النسيج الاجتماعي والمعنوي للبلاد.
أمهات ينتظرن، أطفال يكبرون بلا آباء، أسر تكافح للبقاء. هذه الصورة — تقول المنظمة — تكفي وحدها للدلالة على حجم الانتهاكات، وتكشف مدى اتساع دائرة الظلم.
صرخة جماعية لكسر الخوف
تهدف حملة حرّروا أصوات الحرية إلى أكثر من مجرد المطالبة بالإفراج عن المعتقلين؛ إنها محاولة لاستعادة الفضاء العام من يد السلطة، وكسر حاجز الخوف الذي تمدد في المجتمع.
وتؤكد المنظمة أن استمرار اعتقال الأصوات السلمية “ليس فقط انتهاكا قانونيا، بل خيانة صريحة لقيم الدستور وللمواثيق الدولية التي التزمت بها الجزائر”.
وتسعى الحملة إلى فضح سياسات تكميم الأفواه، وتعزيز الوعي الوطني والدولي بخطورة تحويل القانون إلى آلية قمع، وحماية الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من الملاحقات التعسفية التي استهدفت العديد منهم خلال السنوات الماضية.
وتدعو منظمة شعاع جميع الأصوات الحرة — من نشطاء حقوقيين وصحفيين وإعلاميين ومنظمات دولية ومحلية — إلى الانخراط بقوة في هذه الحملة، وإيصال رسالتها لكل منصة وكل مساحة ممكنة، من أجل وضع حد لمعاناة المعتقلين، ووقف نزيف الحريات في بلد يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى صوت مواطنيه.
يمثل اليوم العالمي لحقوق الإنسان (10 دجنبر) مناسبة لقياس درجة احترام الدول لالتزاماتها، لكن بالنسبة للجزائر — وفق المنظمة — سيكون هذا اليوم محكمة مفتوحة تضع ممارسات السلطة أمام الرأي العام العالمي.
فالبلد الذي يعلن نفسه حارسا للحريات يجد نفسه اليوم أمام أسئلة صعبة: كيف يمكن التوفيق بين ادعاء احترام حقوق الإنسان وبين وجود مئات المعتقلين بسبب آرائهم؟








