« لقد رأيت الموت بعيني. عصبوا عينياه وأغلقوا فمي بشريط لاصق وأوثقوا معصماي بشدة ثم أمسكني اثنان من رجلاي وآخران من ذراعاي واقتادوني شبه عار صوب نهر في قرية لابريخا. فقدت آنذاك كل أمل في الهرب بعدما تأكدت بأنهم سيقذفون بي داخل يخت لنقلي إلى الجزائر.. فجأة أحسست بحركة غير عادية عندما أطلقني الأربعة فسقطت أرضا، وبسرعة نزعت العصابة عن عيني لأجد أمامي عناصر من الحرس المدني يطمئنونني.. بينما آخرون يتعقبون عناصر العصابة الفارين »، بهاته الكلمات استهل المعارض الجزائري هشام عبود روايته لتفاصيل محاولة اختطافه من طرف عصابة مسخرة من النظام الجزائري، خلال لقاء مباشر عبر قناة صديقه المقرب الحقوقي الجزائري أنور مالك، ليلة الاثنين الثلاثاء، حيث كشف عن تفاصيل ما وقع له خلال عملية اختطافه واحتجازه بضواحي برشلونة.
عبود في قبضة العصابة
كان عبود، الصحفي والمعارض الجزائري الذي يعيش منذ سنوات في منفاه في باريس، قد وصل إلى برشلونة قادما من بروكسل، حيث كان يُنتظر أن يقيم لبضعة أيام. على بعد أمتار قليلة من مكان إقامته، هاجمه أربعة رجال مسلحين وملثمين، انتزعوا منه بالعنف هواتفه وحقيبته ورموها بعد أن أخذوا منها وثائقه الثبوتية، ثم دفعوه بعنف إلى المقعد الخلفي لسيارة انطلقت بسرعة كبيرة باتجاه مالقة، بينما أحدهم كان يبتهج عبر الهاتف بإبلاغ رؤسائه: « لقد حصلنا عليه».
خلال تلك الرحلة التي امتدت لأكثر من 24 ساعة، حاول عبود، البالغ من العمر 69 عاما، الهرب من قبضة مختطفيه عدة مرات. كانت مخاوفه تتزايد من الترحيل القسري إلى الجزائر، حيث كان يعلم جيدا، من خلال المحادثات التي كانت تتم بين العصابة ومسؤولين في الجزائر، أنه سيواجه مصيرا مظلما تحت أيدي جلادي النظام، الذين طالما فضح انتهاكاتهم من خلال أعماله الصحفية.
إقرأ أيضا : هكذا أحبطت إسبانيا محاولة «خشقجة» الصحفي والمعارض هشام عبود من طرف مخابرات الجزائر
تم نقل عبود إلى بناية معزولة في ضواحي برشلونة، حيث أوهموه بلقاء « الشاف » الذي سيعرض عليه التعاون معهم. في تلك اللحظات، لم يكن أمام عبود سوى الصلاة والدعاء لإنقاذه من المصير المحتوم.
ورغم خطورة القصة التي يرويها، لم يفقد عبود حس الفكاهة المعروف به. ففي واحدة من لحظات فقدان الأمل خلال سرده للواقعة، أطلق قهقهته الشهيرة التي لا تخلو منها فيديوهاته التي يفضح فيها ما يجري داخل « مافيا الجنرالات »: « أنا لم أكن أخشى التعذيب أو حتى الموت.. ولكني لا أحتمل أن يمسك بي نظام العرايا بهاته السهولة ويعروني ويمثلوا بي أمام الإعلام الجزائري.. ».
خير صدفة
خلال الساعات الأولى من صبيحة السبت، كانت العصابة تخطط لنقل عبود إلى الجزائر، حيث كان الرهينة مغطى الرأس ومعصوب العينين ومقيد المعصمين.
على بعد حوالي خمسين كيلومترا من مدينة إشبيلية، قرب ضفة نهر في قرية لابريخا، جاءت اللحظة الحاسمة. بينما كانت العصابة تستعد لنقل عبود على متن قارب نهري إلى يخت تمهيدا لنقله إلى الجزائر، باغتتهم مجموعة من الحرس المدني الإسباني، الذين كانوا في عملية منفصلة لإحباط تهريب مخدرات.
إقرأ أيضا : اختفاء الصحفي والمعارض الجزائري هشام عبود في ظروف غامضة.. وأصابع الاتهام تشير إلى المخابرات الجزائرية
أصيب أفراد العصابة بالذعر فتركوا رهينتهم وهربوا، بيد أن عناصر الحرس المدني تمكنوا من القبض على اثنين منهم بينما لاذ الآخرون بالفرار. جرى إنقاذ عبود عن طريق الصدفة، قبل نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج من العنف الجسدي والنفسي الذي تعرض له خلال تلك الساعات المروعة.
من يقف وراء عملية اختطاف عبود؟
من منطلق معرفته الدقيقة بأسلوب عمل « مافيا الجنرالات »، أكد هشام عبود الصحفي السابق في المخابرات الجزائرية، أن الجهة المسؤولة عن اختطافه ومحاولة تهجيره قسرا إلى الجزائر لم تكن المخابرات الخارجية الجزائرية، بل تم التخطيط لها من قبل الجنرال عبد القادر حداد، رئيس المخابرات الداخلية المعروف بلقب « ناصر الجن ».
وقال عبود إن هذا الجلاد الملقب بالجن بسبب قسوته التي تميز بها من خلال المجازر البشعة التي ارتكبها في حق الجزائريين طيلة العشرية السوداء، « أقنع الرئيس عبد المجيد تبون بقدرته على إحضار المعارض الشرس هشام عبود حيا بين يديه من أجل الانتقام منه ».
إقرأ أيضا : قلق كبير بشأن مصير الصحفي الجزائري هشام عبود المفقود منذ أربعة أيام
وأضاف أن ناصر الجن دفع مليون يورو من أموال دافعي الضرائب لهذه العصابة لتنفيذ عملية الاختطاف، وعمل ما في وسعه لكي يبقى النظام بعيدا، غير أن عدم احترافية ما يسميه عبود بـ »نظام العرايا » فضح تورط الجنرالات في هاته العملية الفاشلة.
وأبدى عبود، بعد نجاته، امتنانه العميق لقوات الحرس المدني الإسباني، حيث قال بتأثر شديد: « لا أجد الكلمات لأعبر عن امتناني العميق للحرس المدني الإسباني، وخاصة أعضاء فرقة لابريخا ».
وأضاف أن محاميه، دليل الصقالي مولاي عبد الجليل « لن يتأخر في مطالبة رئيس الحكومة الإسبانية لإدانة هذا العمل العدائي للنظام الجزائري، الذي لجأ إلى خدمات منظمة إرهابية على الأراضي الإيبيرية لتنظيم اختطاف صحفي سلمي. »