الجزائر: رفع المنحة السياحية.. حل ترقيعي أم تغطية على أزمة انهيار الدينار؟

صورة مركبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وخلفه عملة الدينار الجزائري

في 10/10/2024 على الساعة 08:00, تحديث بتاريخ 10/10/2024 على الساعة 08:00

فيديوأمام الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي تعصف بالجزائر، وعلى رأسها الانهيار المستمر لقيمة الدينار الجزائري مقابل الأورو والدولار في السوق الموازية المعروفة بـ« السكوار »، فاجأ الرئيس عبد المجيد تبون المواطنين بإجراء وُصف بالسخيف وغير الفعّال. فبدلا من البحث عن حلول جذرية لأزمة العملة المحلية التي وصلت إلى مستويات قياسية من التدني، اختار تبون زيادة قيمة المنحة السياحية التي بقيت ثابتة منذ ربع قرن عند 15 ألف دينار جزائري. هذا الإجراء قوبل بسخرية عارمة وانتقادات واسعة من قبل الجزائريين، الذين يرون فيه حلا غير ذي جدوى في ظل تدهور الوضع الاقتصادي الشامل.


كان يمكن اعتبار هذا القرار منطقيا، في ظل التدهور الاقتصادي، لو تم اتخاذه قبل الآن، إلا أن توقيته وطبيعته جعلا الكثير من المواطنين يرونه غير ذي جدوى، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجههم يوميا. منذ عام 1997، يعمل الجزائريون بتعليمة بنك الجزائر (08-97) التي تحدد مبلغ المنحة السياحية بـ15 ألف دينار (ما يعادل حوالي 90 أورو). هذه القيمة الهزيلة لم تواكب ارتفاع تكاليف السفر أو التغيرات الاقتصادية العالمية، ومع ذلك، لم يجد الرئيس المعاد انتخابه لعهدة ثانية إلا الآن ليقرر الزيادة التي وصفها الإعلام بـ« المعتبرة » ولم يُعلن بعد عن حجمها النهائي.

وفي الوقت الذي قوبلت هذه الخطوة بسخرية واسعة من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبروا أنه لا يتناسب مع الأزمة الحقيقية التي تواجهها العملة المحلية، انبرى الإعلام الرسمي التابع للنظام الجزائري إلى تضخيم هذا القرار حتى بدا كأنه « إنجاز عظيم »، إذ سوّقه على أنه « حل سيخفف من معاناة المواطنين أثناء سفرهم إلى الخارج ».

إجراء غير ذي جدوى

ما زاد من الجدل حول القرار هو ردود أفعال الجزائريين الذين عبروا عن استيائهم من هذه الخطوة عبر منصات التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، كتبت إحدى المواطنات الجزائريات تحت لقب أم لميس: « وماذا عساها تنفعنا هذه المنحة يا عمي تبون.. نحن بالكاد نستطيع تأمين المعيشة لأن أسعار المواد الأساسية كلها ملتهبة ». وزكت كلامها مواطنة أخرى تدعى وردة حورية، حيث كتبت موجهة كلامها إلى تبون وحاشيته: « لا طاقة لنا بالسفر إلى الخارج، نريد منكم أن ترخصوا لنا الأسعار لكي نعيش فقط ».

وتساءلت أخرى تدعى خديجة مستهجنة: « وما فائدة رفع قيمة منحة السفر؟ الشعب لا يجد ما يأكله بسبب غلاء الأسعار.. هاتوا المفيد ». بينما اعتبر كريم مراحي أن القرار يصب في مصلحة المسؤولين فقط، حيث كتب تعليقا يقول فيه بحرقة: « ومن يستفيد من المنحة السياحية غير أصحاب الجوازات الدبلوماسية؟ أما الشعب المسكين فإنه يجري وراء البطاطا والدجاج.. عليكم من الله ما تستحقون ».

أما المواطن لطفي بوحزة فقد اختصر الموقف بسخرية مريرة من خلال هذا التعليق: « نحن نشتكي من مرارة الطعام وهو يغير لنا المعالق »، معبرا بذلك عن فقدان الثقة في جدوى هذه القرارات التي لا تراعي مصلحة الشعب.

الدينار في الحضيض

لم يسبق للدينار الجزائري أن تدهور إلى هذا الحد، حيث بلغ سعر اليورو الواحد في السوق الموازية 260 دينارا، والدولار 225 دينارا، في حين أن الأسعار الرسمية في البنوك الجزائرية لم تشهد تغييرات كبيرة، حيث استقر اليورو عند 146 دينارا، والدولار عند 132 دينارا.

هذا التباين الكبير بين السوق الرسمية والموازية يعكس حالة الشلل الاقتصادي التي تعاني منها البلاد الغنية بالنفط والغاز، حيث يتعذر على المواطنين الحصول على العملة الصعبة من البنوك، ما يضطرهم إلى اللجوء إلى السوق السوداء لتغطية حاجياتهم من الأموال، في ظل هزالة المنحة السياحية التي لا تكاد تمثل شيئا من تكاليف السفر.

ومع غياب مكاتب الصرف الرسمية التي يديرها بنك الجزائر، تضاعف نشاط السوق السوداء، ما جعل الحصول على العملات الأجنبية صعبا للغاية بالنسبة للمواطن العادي.

استمرار هيمنة السكوار

لم تفلح محاولات الحكومة في ضبط السوق الموازية، إذ أن هذه الأخيرة ما تزال تسيطر على تداول العملات الأجنبية في الجزائر. « السكوار »، السوق الموازية الشهيرة في الجزائر العاصمة، تشهد نشاطا مكثفا في ظل غياب مكاتب صرف رسمية، والتي لم يتم تفعيلها حتى الآن رغم إصدار الحكومة في شتنبر 2023 نصا قانونيا يسمح بتأسيس مكاتب للصرف. هذه الفجوة في تنظيم السوق المالية تستمر في إغراق الدينار في أزمة قد تتفاقم أكثر مع الوقت.

وفي ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والانهيار المتواصل للدينار الجزائري، تأكد للمواطنين أن الإجراءات السطحية مثل رفع المنحة السياحية لا تكفي لحل المشاكل الأساسية.

وبينما ينتظر المواطنون حلولا حقيقية تنقذهم من التضخم وغلاء الأسعار، يظهر أن عليهم تحمّل المزيد من الصبر والمعاناة في انتظار أن تتحقق الوعود التبونية بشأن « الجزائر الجديدة »، ففي ظل الأزمة المتفاقمة تبدو وعوده فعلا بعيدة المنال، بل مستحيلة التحقق!

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 10/10/2024 على الساعة 08:00, تحديث بتاريخ 10/10/2024 على الساعة 08:00