ويشن النظام العسكري المستولي على الحكم في الجزائر، تزامنا مع الحملة الانتخابية للرئاسيات المرتقبة يوم السبت المقبل (7 شتنبر)، حملة اعتقالات واسعة ضد المعارضين السياسيين والنشطاء، في محاولة لاستعطاف المواطنين عبر خلق حالة من الهلع والخوف من « المؤامرات الخارجية » المزعومة، وهو نهج يكشف أن النظام الذي يؤمن بنظرية المؤامرة إلى حد الهوس، قد تبنى هذه الاستراتيجية القمعية كوسيلة أخيرة لتأمين بقاء الجنرالات في السلطة.
مزاعم التجسس والتآمر ضد الدولة
آخر الأساليب التي تفتقت عنها عبقرية النظام العسكري، في محاولة منه إقناع الشعب بأن الدولة تتعرض للتآمر والتربص من الخارج.. هي ادعاء تفكيك شبكة تجسس يسيرها مغاربة.
فقد أعلنت النيابة العامة بمدينة تلمسان عن توقيف عدة أشخاص، بينهم أربعة مغاربة، متهمين بالانتماء إلى « شبكة تجسس »، وذلك على بعد أسبوع من الانتخابات الرئاسية المقررة يوم 7 شتنبر.
وقالت النيابة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية: « إن قاضي التحقيق لدى محكمة تلمسان أصدر اليوم الأحد أمرا بإيداع سبعة أشخاص من بينهم أربعة مغاربة رهن الحبس المؤقت إثر تفكيك شبكة للتجسس والتخابر بغرض المساس بأمن الدولة ».
وأضافت النيابة العامة أنه جرى فتح تحقيق قضائي بحق الموقوفين « بتهم جناية القيام بالتخابر مع دولة أجنبية أو أحد عملائها » وكذلك « جنحة الدخول بطريقة غير شرعية إلى التراب الجزائري » بالنسبة لثلاثة من المغاربة.
ووفق المصدر ذاته فإن الشبكة قامت بـ »تجنيد رعايا مغاربة وجزائريين من أجل المساس بمؤسسات أمنية وإدارية جزائرية ».
تأتي هذه الاتهامات في وقت حساس، حيث يسعى النظام إلى استغلالها لإظهار أن البلاد تتعرض لمؤامرات خارجية، بهدف دفع المواطنين للاصطفاف خلف الرئيس المترشح، الذي يعدهم بـ »جزائر منتصرة ».
إقرأ أيضا : الجزائر: النظام يختطف معارضا سياسيا لنشر الرعب وعدم اليقين عشية الانتخابات الرئاسية
تضييق على المعارضين السياسيين
شهدت الجزائر حملة اعتقالات واسعة استهدفت شخصيات معارضة بارزة، بينهم علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ونجله عبد الفتاح بلحاج.
وأدانت منظمة « شعاع » لحقوق الإنسان ما وصفته بانتهاكات السلطات الجزائرية للدستور والمواثيق الدولية، عبر ملاحقة أسرة المعارض السياسي علي بلحاج وسجن نجله عبد الفتاح، في محاولة للضغط عليه لإسكاته ومنعه من المشاركة في الشأن العام.
وفي بيان صدر عن المنظمة التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها، أكدت أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكا حقوقيا واضحا، داعية السلطات الجزائرية إلى التوقف عن ممارساتها القمعية ضد المعارضين.
وأشارت « شعاع » إلى أن اعتقال علي بلحاج، نائب رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ونجله عبد الفتاح، جاء في سياق سياسة ممنهجة لتضييق الخناق على المعارضين السياسيين، حيث تم اعتقالهما يوم 26 غشت الجاري ووضعهما تحت النظر في مقر شرطة باب الزوار بالجزائر العاصمة.
وأضاف البيان أنه في 28 غشت، تم تقديم علي بلحاج ونجله عبد الفتاح أمام نيابة محكمة حسين داي، حيث أمر قاضي التحقيق بوضع علي بلحاج تحت الرقابة القضائية، وإيداع نجله عبد الفتاح في الحبس المؤقت قيد التحقيق. ووجهت لعلي بلحاج تهمة نشر وترويج أخبار كاذبة والإشادة بأعمال إرهابية، بينما وُجهت لابنه تهمة مشابهة.
وأوضحت المنظمة أن قاضي التحقيق شدد الرقابة على علي بلحاج، حيث مُنع من مغادرة منزله، أو رؤية الأشخاص غير المقيمين معه دون إذن، كما حُظر عليه إلقاء الخطب أو المشاركة في أي نشاط إعلامي أو اجتماعي.
وعلي بن حاج هو الرجل الثاني في « الجبهة الإسلامية للإنقاذ » بعد الراحل عباسي مدني، وهو من الوجوه السياسية المعروفة تاريخياً بخطابها المتشدد ضد السلطة. وعرف حزبه في بداية التسعينات بحضوره القوي في المشهد، حيث فاز بالانتخابات البلدية ثم بالدور الأول من الانتخابات التشريعية سنة 1991، قبل أن يتم توقيف المسار الانتخابي وحل هذا الحزب بعد إلغاء الانتخابات البرلمانية التي فازت بها بتهمة « التحريض على العنف »، وأودع السجن بعدها ليطلق سراحه عام 2003.
ويرفض بلحاج الخضوع للقيود المفروضة عليه بعد خروجه من السجن، مثل عدم ممارسة أي نشاط سياسي أو ديني، ويتعرض في كل مرة للاعتقال ثم يعاد إطلاق سراحه، بعد تحرير محاضر رسمية بأقسام الشرطة، كما أنه يلقي عقب كل صلاة جمعة كلمة أمام أنصاره بمسجد « الوفاء بالعهد » بالقبة في العاصمة، كما بدأ مؤخرا بنشر مواقف سياسية عبر منصات التواصل الاجتماعي، يعبر فيها عن رفضه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
استهداف القيادات الحزبية والنشطاء
لم تقتصر الحملة على بلحاج ونجله، بل شملت أيضا توقيف فتحي غراس، منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية، والذي يعرف بخطابه الراديكالي ضد السلطة. إذ تم توقيفه ووضعه تحت الحجز، بانتظار تقديمه أمام نيابة محكمة باب الوادي. كما تم تحرير محضر ضد زوجته القيادية في الحزب، شبالة مسعودة، واحتجاز هواتفهما.
وكان غراس قد تعرّض للاعتقال في بيته العائلي، يوم الثلاثاء الماضي، حوالي الساعة العاشرة صباحا، وفق ما أفادت زوجته، التي ذكرت أن قوة أمنية اقتادته إلى مركز الشرطة الرئيسي بالعاصمة، قبل أن يتضح أنه موجود في مكان آخر.
وسبق لهذا السياسي أن أمضى نحو 9 أشهر في الحبس، قبل أن يفرج عنه في مارس 2022، بتهم تتعلق بنشاطه السياسي.
ويعرف غراس بخطابه الراديكالي ضد السلطة الحالية، وهو ينشط أساسا على مواقع التواصل، أو من خلال مداخلات مع بعض القنوات، حيث إن حزبه تعرّض نشاطه للتجميد قبل نحو سنتين، إثر دعوى قضائية رفعتها وزارة الداخلية أمام القضاء الإداري تتهمه فيها بتنظيم نشاطات غير مرخصة داخل مقر الحزب.
وتمثل الحركة الديمقراطية الاجتماعية إرث الحركة الشيوعية في الجزائر، وهي من الأحزاب التي رفضت الانخراط في المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي.
وتأتي حملة الاعتقالات هاته، التي شملت ناشطين آخرين، في سياق عام من التضييق على الحريات السياسية في الجزائر، حيث يتعرض النشطاء للاعتقال والمضايقات بسبب مواقفهم المعارضة للنظام.
كريم طابو وأحزاب المعارضة
لا يزال المعارض السياسي الجزائري كريم طابو ينتظر قرار غرفة الاتهام (تم تأجيله إلى ما بعد الرئاسيات) للفصل في مدى قانونية إجراءات الرقابة القضائية الجديدة المفروضة عليه. ويواجه كريم طابو تضييقات مستمرة، حيث تم تشديد الرقابة القضائية عليه، بما في ذلك منعه من النشر أو الكتابة بأي وسيلة، ومنعه من مغادرة إقليم اختصاص محكمة القليعة، ومنعه من المشاركة في الأنشطة السياسية.
طابو، الذي يقود حزبا لم يحصل على الاعتماد، كان قد احتجز لمدة ساعات قبل أسبوع لدى مصالح الأمن، ليتم بعدها إحالته على قاضي التحقيق الذي فرض عليه قيودا جديدة ضمن إطار الرقابة القضائية المفروضة عليه منذ أكثر من عام.
ووفقاً لهيئة الدفاع، فقد أبلغ قاضي التحقيق طابو بتعديل تدابير الرقابة القضائية عبر تشديدها بأربع ممنوعات: منعه من النشر أو الكتابة بأي وسيلة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، ومنعه من مغادرة إقليم اختصاص محكمة القليعة، ومنعه من المشاركة في أي حصة تلفزيونية أو ندوة صحفية، ومنعه من أي نشاط سياسي. وقد رفض طابو التوقيع على هذا الأمر، معتبرا ما حدث « تعديا صارخا على حقوق وحريات المواطن »، بما في ذلك حق الدفاع.
ويعود فرض الرقابة القضائية على طابو إلى ماي 2023، كإجراء احترازي خلال فترة التحقيق قبل المحاكمة، ويتضمن تقييد حريته دون إخضاعه للحبس المؤقت. وتشمل هذه القيود منعه من المشاركة في التجمعات السياسية، والندوات الصحفية، بالإضافة إلى حظر مغادرة التراب الوطني وحجز جواز سفره، مع إلزامه بالتوقيع كل يوم إثنين لدى مصالح الأمن الداخلي.
وتعود القضية الأصلية التي يُتابع فيها طابو إلى تصريحات أدلى بها في برنامج تلفزيوني جمعه بالرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي على قناة « المغاربية » في 7 ماي 2023، حيث يواجه أربع تهم تشمل: « جنحة إهانة رجال القوة العمومية، والإساءة لرئيس الجمهورية، وإهانة هيئة نظامية، وترويج أخبار مغرضة تهدد الأمن العمومي والنظام العام ».
استغلال القضايا الوطنية لحشد التأييد
هذه الإجراءات القمعية تشير إلى أن النظام الجزائري يستخدم كل ما في جعبته من أساليب قمعية لضمان استمرار قبضته على السلطة، حتى وإن كان ذلك على حساب حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ومع تزايد الاعتقالات والتضييق على الحريات، يبدو أن الانتخابات القادمة ستكون محطة أخرى لتعزيز سلطة النظام العسكري، على حساب الحريات السياسية وحقوق الإنسان في البلاد.