المواطنون الذين يشعرون بالخديعة وجدوا في منصات التواصل الاجتماعي الملاذ الوحيد للتنفيس عن الغضب والإحباط مما وصفوه بـ »المسرحية الانتخابية »، في بلد يفرض فيه النظام قيودا صارمة على الحريات ويعتقل كل من يعارض أو ينتقد السلطة.
فالانتخابات التي كان من المفترض أن تكون فرصة للتغيير والإصلاح، تحولت في نظر العديد من المواطنين إلى مجرد وسيلة لإعادة إنتاج النظام نفسه، مع قليل من التعديلات الشكلية التي لا تمس جوهر الحكم.
سخط شعبي عارم
على الرغم من أنه لم يكن مفاجئا، إلا أن « الفوز الساحق » لمرشح العسكر عبد المجيد تبون أثار الكثير من الجدل والسخط في أوساط المواطنين، الذين عبروا عن استنكارهم للنتيجة المشوبة بالكثير من الغموض واللبس.
وفي هذا السياق، كتب المواطن محمد صالح في منشور له على منصة فيسبوك: « عدد الناخبين 24 مليون، والمصوتين 5 ملايين. كيف تم حساب نسبة المشاركة بـ48%؟ إنه تزوير واضح ونتائج مفبركة ». ويظهر هنا الشك العميق في الطريقة التي يتم بها حساب النسب، حيث يعتقد الكثيرون أن النتائج تم تضخيمها بشكل كبير لخدمة مصالح النظام، ليرد عليه المواطن عمر صالحي بتعليق يؤكد فيه أن « النظام يدرك جيدا رفض الشعب له، ولذلك يتصرف بحرية دون خشية من معارضة حقيقية ».
من جانبه، كتب سليم صالحي معلقا: « لو أرادوا أن يُرتّبوا لهُ (يقصد مرشح النظام) نتائج ‘مُشرّفة’ لفعلوا، لكنهم أرادوه رئيسًا ضعيفا وقزما! ». بينما تساءل وسام زاهية: « كيف يمكن لخمس ملايين مواطن فقط أن يحددوا مصير أمة كاملة تعدادها 40 مليون نسمة؟ »
أما عبد النبي بوزيدي فقد كتب تعليقا يجزم فيه بأن انتخابات 7 شتنبر 2024 هي « الأسوأ في الجزائر منذ الاستقلال »، ليزكي كلامه صلاح بناني، الذي دعا إلى ضرورة « إعادة الانتخابات الرئاسية واستدعاء لجان مراقبة دولية ».
هذا الغضب الشعبي لم يكن محصورا في دائرة واحدة، بل امتد ليشمل قطاعا واسعا من المواطنين الذين عبروا عن استيائهم مما وصفوه بـ »التزوير الفاضح ».
زلزال سياسي
في حين أبدى المواطن عبد الرزاق سعدودي استياءه من « رداءة » تنظيم الانتخابات حتى على مستوى التزوير، حيث كتب معلقا: « المشكل هو الرداءة وانعدام الكفاءة حتى في تزوير الانتخابات. »
التلاعب بالأرقام ونسب المشاركة شكل أحد أبرز مواضيع الانتقادات، حيث أكد محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة الجزائر، في منشور على حسابه الشخصي بمنصة فيسبوك، أن « ما حدث يعد زلزالا سياسيا غير مسبوق، وعلى تبون أن يخاطب الشعب بسرعة لتفادي مصير مجهول للبلاد ».
إقرأ أيضا : تبون مُرشّح النظام يخلف نفسه لولاية رئاسية ثانية في انتخابات قاطعها الجزائريون
وأشار هناد إلى أن النظام الجزائري يعتمد على حيل غير مهنية لحساب نسبة المشاركة، حيث يتم –حسبه- تجميع النسب من الولايات وقسمتها على عددها، ما يؤدي إلى تضخيم الأرقام بشكل غير منطقي.
يقول هناد موضحا: « عوض الإدلاء بنسبة المشاركة من خلال مقارنة عدد المصوتين بعدد الناخبين وطنيا، يلجأ الشياطين إلى هذه الحيلة بحساب معدل نسب المشاركة عبر الولايات حيث يتم جمع كافة النسب ثم تقسيمها على عدد الولايات ».
وضرب أستاذ العلوم السياسية مثالا على ذلك بقوله: « مثلا، لو احتسبنا معدل نسبة المشاركة لثلاث ولايات كانت فيها النسب كالآتي: الأولى 15%؛ الثانية 35% والثالثة 90% فسيكون المعدل نحو 47%. المشكل يكمن هنا في كون الولاية الثالثة لا تمثل إلا عددا قليلا من مجموع الناخبين (ولايات الجنوب)، عكس الولاية الأولى التي يبلغ فيها هذا العدد الملايين. ومع ذلك، «معدل نسبة المشاركة» لا يمكن أن يغطي الشمس بالغربال لأن ما يهم هو عدد المصوتين مقارنة بعدد الناخبين على مستوى الوطن. (نسبة المشاركة العامة المعلنة رسميا بلغت 23,12%) ».
ومضى هناد مستطردا في فضحه لما وصفها بـ »الحيلة البائخة لإخفاء تدني نسبة المشاركة العامة »، قائلا: « تم الإعلان عن أن «معدل نسبة المشاركة» بلغ 48%، علما أن نسبة المشاركة لم تتعدَّ 26 على الساعة الخامسة، أي الرقم النهائي تقريبا، حيث يبلغ التصويت، في هذا الوقت، مستوى الحضيض بحيث لا يبقى إلا بعض المتأخرين القلائل. هذا المعدّل يوحي وكأن نحو نصف الناخبين صوتوا، أي حوالي 12 مليون ناخب؛ بينما عدد الناخبين الفعلي هو أقل بكثير، ربما في حدود 3 ملايين. ناهيك عن الأصوات الملغاة التي صار المواطنون يلجأون إليها، أكثر فأكثر، منذ انتخابات 2019 تحسّبا لشر الإدارة ».
هذا الاستياء الشعبي يعكس -من جهة- مدى وعي الجزائريين تجاه التلاعبات التي يمارسها النظام للحفاظ على السلطة، كما يكشف – من جهة أخرى- عمق الفجوة بين النظام والشعب. فبينما يحاول النظام تلميع صورته بمزاعم الفوز الساحق، يدرك الجزائريون أن هذه الانتخابات لم تكن سوى فصلا جديدا من مسرحية سياسية تستهدف تكريس الوضع القائم.
وهكذا فإن النظام وجد نفسه في مواجهة حقيقية مع إرادة شعب يطالب بالتغيير والمحاسبة، فهل سيستمر كعادته في نهج سياسة الهروب إلى الأمام والاختباء وراء نظرية المؤامرة، وسط تساؤلات شعبية متزايدة حول مصير البلاد تحت قيادة نظام يفتقد إلى الشرعية؟