يبدو أن تبون مستريح. قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الجزائرية، كل شيء مباح لإخفاء حصيلة سلبية لولايته الرئاسية. للقيام بذلك، لم يجد أفضل من دعوة أحد رئيسي البلدين الوحيدين الذين لا يزال لديهما علاقات جيدة مع الجزائر، ويتعلق الأمر بالرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني، الذي تولى مؤخرا رئاسة الاتحاد الأفريقي لسنة 2024. ودشن الرئيسان مركزا حدوديا ووضعا الحجر الأساس لمشروعين وصفا بـ« الاستراتيجيين »: منطقة حرة بتندوف لتعزيز التبادل التجاري والصناعي، وإنشاء طريق لربط تندوف في الجزائر بمدينة الزويرات الموريتانية على مسافة 840 كلم.
وإذا كانت الصحافة الجزائرية قد وصفت هذه المشاريع بالاستراتيجية، فإن الواقع مختلف.
أولا، فيما يتعلق بافتتاح المعبر الحدودي، هناك حقيقة واحدة تفسر هذا اللاحدث. كيف يمكن أن نفهم أن البلدين الحدوديين يمكن أن يظلا أكثر من 60 عاما بعد استقلالهما دون وجود نقاط حدودية ثابتة على حدودهما المشتركة؟ وهذه بالتأكيد حالة فريدة من نوعها في القارة، والتي تثبت، إذا لزم الأمر، أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين غير ذات أهمية.
ولا بد من القول إن التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا ضعيفة، إذ لا تتجاوز 200 مليون دولار سنويا. حاليا، يعتبر الميزان التجاري في صالح موريتانيا التي تصدر بشكل خاص الحديد، مما يساهم في تزويد صناعة الصلب الجزائرية بهذه المادة الأولية. وهذا المنتوج يتم نقله عن طريق البحر.
أما بالنسبة للجزائر، فهي تصدر بعض المنتجات الغذائية (التمور والخضر وغيرها)، والإسمنت وغيرها، وهي منتجات لا تعتبر تنافسية إلا بفضل الإعانات الممنوحة لشركات النقل التي تضمن إيصال هذه المنتجات إلى أسواق الجارة الجنوبية. ومن هنا نفهم لماذا لم يكن هذا المعبر الحدودي أولوية على الإطلاق. خاصة وأن الجزائر، على عكس المغرب، ليست وجهة للموريتانيين. ولذلك، أصبحت حركة الأشخاص شبه منعدمة، خاصة وأن هذه المنطقة ليست آمنة. وفضلا عن ذلك، اعتبرت موريتانيا منذ عدة سنوات هذه المنطقة الحدودية « منطقة عسكرية » محظورة على السكان. ولا بد من القول إن هذه المنطقة التي تمارس فيها جميع أنواع التهريب، بعضها مرتبط بميليشيات البوليساريو والبعض الآخر بالجماعات الإرهابية في الساحل.
ومع ذلك، بالنسبة للجزائر، يعتبر تدشين هذا المركز ضروريا، لأنه من المفترض أن ينافس المركز الحدودي الكركرات الذي لا يزال يثير قلق قمة القادة الجزائريين بسبب نجاحه الكبير، سواء على مستوى التجارة بين المغرب وموريتانيا، وكذلك بين المملكة وغرب أفريقيا.
وإلى جانب المنافذ الحدودية، تم إطلاق مشروع آخر يتعلق بمنطقة التجارة الحرة بتندوف. ومن المناطق الحرة الخمس التي أعلن عنها الرئيس تبون قبل أيام، والتي ستقع على حدود خمس دول مجاورة -موريتانيا ومالي والنيجر وليبيا وتونس-، تهدف المنطقة الحرة بتندوف إلى تعزيز التجارة بين الجزائر وموريتانيا.
ولإطلاق هذا المشروع، أعلن الرئيس تبون أنه سيخصص غلاف مالي بقيمة 29,5 مليار دينار، أي حوالي 200 مليون أورو. وبحسب السلطات الجزائرية، من المقرر أن تكون هذه المنطقة الحرة جاهزة للعمل خلال العام الحالي.
ومع ذلك، لا يكفي إنشاء منطقة حرة لجذب المستثمرين. ومن الصعب رؤية فاعل اقتصادي عاقل أن يستثمر موارده في منطقة نائية وتتوفر على البنية التحتية الأساسية والمواد الخام ومعزولة مثل منطقة تندوف. خاصة وأنه لا يوجد سوق محتمل في محيط هذه المنطقة الحرة. باستثناء الشركات العمومية الجزائرية وبعض الفاعلين الخواص الخاضعين للأوامر، من الصعب رؤية شركات أخرى تنضم إلى هذه المنطقة الحرة بسبب تكاليف الاستغلال الكبيرة التي يفرضها الاستقرار في هذه المنطقة والتي من شأنها أن تقلل من أي قدرة تنافسية مفترضة، على الرغم من المزايا الضريبية التي وعد بها الرئيس الجزائري الفاعلين الاقتصاديين.
وفضلا عن ذلك، ووعيا بصعوبة جذب المستثمرين إلى تندوف، تودد تبون للفاعلين الموريتانيين، ودعاهم إلى « الاستثمار في المنطقة الحرة والاستفادة من الإعفاءات الضريبية والجمركية ». وهي دعوة ستبقى حبرا على ورق عندما نعلم أن نواذيبو، المدينة الواقعة في أقصى الشمال على الساحل الأطلسي الموريتاني، تتوفر منذ عدة سنوات بمنطقة حرة، تتمتع بكل المزايا، بما في ذلك الوصول إلى الطرق البحرية الدولية وإلى المحور الطرقي الذي يربط المغرب بغرب أفريقيا عبر موريتانيا.
ما هو المنطق الاقتصادي الذي قد يدفع المستثمر الموريتاني للاستقرار في تندوف؟ وهذا يعني أن هذا المشروع لا معنى له. إنه مجرد هدر للمال العام. ولهذا السبب يرى العديد من المراقبين أن الأمر مجرد إعلان نوايا، كما يفعل النظام الجزائري دائما. وفي نهاية المطاف، حتى قبل إطلاق هذه المنطقة الحرة، فمن المؤكد أن مصير هذه المنطقة الفشل، هذا إذا ما رأت فعلا النور.
وينطبق الشيء نفسه على مشروع طريق تندوف-الزويرات. وبالنسبة للجزائر، يعتبر بناء هذا الطريق بطول 840 كلم استراتيجيا لتعزيز التجارة بين البلدين وفتح الطرق الدولية أمام الفاعلين الجزائريين حتى يتمكنوا من الوصول إلى أسواق دول غرب إفريقيا عبر موريتانيا. يشار إلى أنه من أصل هذه المسافة البالغة 840 كلم، يوجد 77 كلم فقط في الأراضي الجزائرية والـ 763 المتبقية في الأراضي الموريتانية. تم إعادة إطلاق هذا المشروع القديم في دجنبر 2021. وهو حاليا في مرحلة الدراسات وإنشاء البنى التحتية اللوجستيكية. وتم تحديد الوقت المقدر لإنجاز هذا الطريق بـ36 شهرا.
يتعلق الأمر بطريق طويل، يمر منطقة رملية، وسيتطلب تكلفة استثمارية ضخمة، مع العلم أن المواد اللازمة لبنائه يجب أن تأتي من مناطق بعيدة عن تندوف. وفضلا عن ذلك، لم يتم ذكر أي كلمة حول تكلفة هذا المشروع. الأمر الوحيد المؤكد هو أنه سيتم تمويله بالكامل من قبل الجزائر، وبالتالي من قبل دافعي الضرائب الجزائريين.
وبغض النظر عن إنجازه، ستظل تكلفة صيانته مرتفعة للغاية. وهكذا، في هذه المنطقة الصحراوية، ستشكل الرياح الرملية المتكررة، العنيفة في كثير من الأحيان والتي تجعل الرؤية معدومة، عائقا من أجل صيانة هذا الطريق الذي سيتعين تنظيفه باستمرار من الرمال. وهذا يعني أنه يجب تعبئة آلات إزالة الرمال باستمرار على طول هذا الطريق الطويل. وهو ما يمثل تحديا من حيث الخدمات اللوجستيكية والأمن.
أسباب كثيرة جعلت موريتانيا غير راغبة حقا في إنجاز الجزء الممتد من الحدود مع الجزائر إلى مدينة الزويرات، أي 763 كلم. لماذا إذن استثمار عشرات المليارات من الأوقية في طريق يمر بمنطقة غير مأهولة تقريبا، والتي لن تجلب شيئا لموريتانيا؟ وهكذا، بعد تأخير المشروع والتأكد من أن موريتانيا لن تنفذ هذا الشطر بمواردها الخاصة ولن تستدين لبناء طريق لن تكون له أية أثار اجتماعية واقتصادية بالنسبة إليها، قررت الجزائر التكفل بالتكلفة الإجمالية للمشروع. وهي طريقة لدفع موريتانيا للقبول ببناء الطريق.
لكن ما تعلنه الصحافة الجزائرية عن أول مشروع كبير تنفذه الجزائر خارج حدودها منذ استقلالها لصالح دولة شقيقة، أبعد ما يكون عن أن يكون هدية لموريتانيا. أولا، سيتم منح بناء الطريق، الذي سيتم إنجاز 90 % منه على الأراضي الموريتانية، للشركات الجزائرية فقط. وستشارك العشرات منها في هذا المشروع. وبعد ذلك، بمجرد الانتهاء من المشروع، سيتم استغلال الطريق، بحسب وسائل إعلام جزائرية، « في شكل امتياز لمدة 10 سنوات مع تجديد ضمني. وهذا يعني أن استغلال هذا الطريق يمكن أن يعود إلى الجزائر لمدة 20 سنة على الأقل. وفضلا عن ذلك هو أن محطات الوقود العديدة التي ستقام على طول الطريق على الأراضي الموريتانية سيتم بناؤها واستغلالها من قبل شركة نفطال، الشركة الجزائرية المتخصصة في توزيع المنتوجات البترولية.
وبالتالي، لا يتعلق الأمر بهدية من الجزائر، بل باستثمار طويل الأمد. المشكلة هي ما إذا كانت ستكون مربحة. وهو أمر ليس مؤكدا بالنظر إلى حجم التجارة بين البلدين الذي لا يتجاوز 200 مليون دولار سنويا، جزء كبير منها يتكون من خام الحديد الموريتاني المصدر إلى الجزائر عبر الطريق البحري.
وبعد ذلك، فإن طول الرحلة يشكل مشكلة، مع العلم أن غالبية الصادرات الجزائرية إلى موريتانيا تأتي من شمال البلاد (الجزائر ووهران...). ويشكل الوصول إلى مدينة نواكشوط، التي تبعد حوالي 4000 كيلومتر برا، عائقا كبيرا أمام الفاعلين الجزائريين. حاليا، على الرغم من الإعانات، تواجه المنتجات التي ينقلها سائقو الشاحنات صعوبة في المنافسة من حيث الأسعار، مع العلم أنها من وجهة نظر الجودة لا تضاهي المنتجات المستوردة من مناطق أخرى.
وفضلا عن ذلك، وبعد إدراكها لصعوبة نقل البضائع عبر البر، فتحت الجزائر خطا بحريا مع موريتانيا وتخطط لفعل الشيء نفسه مع دول غرب إفريقيا الأخرى.
ولذلك، تحاول الجزائر، لضمان قدر معين من التنافسية لمنتجاتها، فرض اتفاقية التجارة الحرة على موريتانيا. وهو ما كانت دائما تقابله موريتانيا بالتجاهل.
وباختصار، كل هذه المشاريع غير القابلة للحياة يمكن تفسيرها بشيء واحد فقط، وهو الإحراج الذي تعيشه الجزائر في مواجهة النجاح الباهر الذي حققه معبر الكركرات على الحدود المشتركة بين المملكة المغربية وموريتانيا. معبر تمر عبره التجارة بين المغرب وموريتانيا، وأيضا بين المملكة وغرب إفريقيا. وهذا النجاح جعل هذا المبعر أحد نقاط الدخول الرئيسية للبضائع إلى موريتانيا.
وهذه الوضعية تغضب القادة الجزائريين، الذين يحاولون بكل الوسائل تقليد هذا النجاح، وتعمل على إفشاله. لكن من خلال ممارسة الكثير من الضغوط على موريتانيا، التي تنوي إبعادها عن المغرب، تخاطر الجزائر مرة أخرى بخسارة هذا البلد المجاور، في الوقت الذي ترى فيه حدودها مع جيرانها الآخرين تغلق الواحدة تلو الأخرى بسبب دبلوماسية قادتها الذين أدخلوا الجزائر في أزمة مع كل من النظام المالي ونظام النيجر. مع العلم أن الحدود مع المغرب مغلقة منذ عقود وأن العلاقة مع ليبيا ليست جيدة، لا يمكن للنظام الجزائري الاعتماد إلا على تونس التي ينقذ سياحتها بحوالي 3.5 مليون جزائري زاروا هذا البلد في عام 2023، وموريتانيا التي تسعى بكل الوسائل لجعلها تحت هيمنة الجزائر، في الوقت الذي انتهت فيه مالي، بعد سنوات من التلاعب، إلى التحرر منها بعد أن أدركت اللعبة الخبيثة التي تلعبها في الصراع بين نظام باماكو ومتمردي الطوارق الذين وجد قادتهم ملجأ وغطاء في الأراضي الجزائرية.