ردت الجزائر على قرار النائب العام للاتحاد السويسري بإحالة ملف الجنرال المتقاعد خالد نزار إلى المحكمة الجنائية الاتحادية، تمهيدا لمحاكمته بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك عقب شكاوى عشرات الضحايا الجزائريين المرفوعة منذ عام 2011.
ففي بلاغ صحفي نشرته وكالة أنباء النظام الجزائري، أمس الخميس 31 غشت، هاجمت وزارة الخارجية الجزائرية أحد أفضل الأنظمة القضائية في العالم، متهمة العدالة السويسرية بـ »عدم المسؤولية » من خلال تخويلها الحق المطلق في « الحكم على قرارات سياسية لدولة مستقلة وذات سيادة ».
وأشار هذا البيان الصحفي، بالإضافة إلى تجاهله مبدأ الاختصاص القضائي العالمي للدول في مسائل جرائم الحرب، بشكل غريب إلى « قراءة مشوهة للتاريخ » ويشكو من أن « العدالة السويسرية قدمت باستخفاف شديد، منبرا للإرهابيين وحلفائهم ومؤيديهم بغية محاولة تشويه سمعة الكفاح المشرف الذي خاضته بلادنا ضد الإرهاب، وتلطيخ صورة وذكرى أولئك الذين سقطوا في مجابهته ».
هذه القضية بلغت حدودا غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، وأن الحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية السويسرية
وبوصف خالد نزار بشكل غير مباشر بكونه أحد أعمدة مكافحة الإرهاب خلال الحرب الأهلية الجزائرية، حيث كان الناس يتساءلون « من قتل من؟ »، يرى الوزير الجزائري أن التهمة التي تستهدف وزير الدفاع الجزائري السابق قد « بلغت حدودا غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، وأن الحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية السويسرية ».
فهل ستنفذ الجزائر بالتالي تهديداتها المبطنة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سويسرا، علما أن قرار محاكمة خالد نزار لم يعد قابلا للطعن؟
صفعة قوية جديدة للجزائر
الأمر المؤكد هو أن الاتهام الذي يمهد لمحاكمة خالد نزار هو في حد ذاته ضربة قوية جديدة للجزائر، البلد الذي لا يحترم حقوق الإنسان، والذي لم يتجرع الإذلال الذي وجهته دول بريكس قبل أسبوع برفض طلبها للانضمام إلى هذه المجموعة.
ويبقى أن نرى ما إذا كان خالد نزار، المسؤول الأول عن اندلاع الحرب الأهلية في الجزائر، والتي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل وآلاف المفقودين خلال العشرية السوداء (1991-2001)، سيحاكم أخيرا قبل وفاته، خاصة وأن الشائعات تقول إنه يحتضر.
لذلك فهناك سباق ضد الزمن من قبل العدالة السويسرية، حتى يحاكم بول بوت الجزائري على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد مئات الآلاف من الجزائريين. وقد ارتكبت هذه الجرائم، في معظمها، خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية الجزائرية تحت إشراف جنود جزائريين سابقين خدموا في الجيش الفرنسي.
في العام الماضي، حاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة إعادة الاعتبار للمسؤولين الرئيسيين على العشرية السوداء، الجنرالين خالد نزار ومحمد مدين، المعروف باسم توفيق. وبتوشيحهما وتكريمهما يوم 4 غشت 2022، بمناسبة الاحتفال الأول باليوم الوطني الجديد للجيش الجزائري، تمت إهانة أرواح الجزائريين الذين قتلوا خلال العشرية السوداء وازدراء القانون الدولي الإنساني.
شهادات صادمة
صحيح أن الجنرال سعيد شنقريحة، أحد أتباع الثنائي نزار-توفيق خلال العشرية السوداء، هو الذي هندس عملية إعادة الاعتبار هاته، والتي أراد بها إعادة الاعتبار له نفسه. وهكذا اعتقد شنقريحة أنه قادر على تحسين صورته في أعين الجزائريين، الذين لا يجهلون ماضيه كمجرم حرب ومسؤوليته عن سجن وتعذيب 300 سجين سياسي محتجزين حاليا في الجزائر، ناهيك عن مؤامراته ضد خصومه داخل الجيش نفسه.
وقد ذكرت شهادات الناجين السابقين من العشرية السوداء والضباط الجزائريين المنفيين شنقريحة بكونه أحد الجلادين الرئيسيين خلال الحرب الأهلية الجزائرية.
في كتاب « ربيع الإرهاب في الجزائر.. شهادات وحقائق صادمة عن جرائم دائرة الاستعلام والأمن (المعروفة باسم DRS) » ، يذكر عمر رامي، أحد الناجين من مراكز الإعدام، أسماء المسؤولين الرئيسيين على مجازر سنوات التسعينيات، ويذكر أسماء الجنرالات خالد نزار ومحمد مدين المعروف باسم توفيق، وعبد القادر مجاهد، وجبار مهنا، الرئيس الحالي للاستخبارات الخارجية، وسعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الجزائري، هذا دون الحديث عن أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة.
كما نشر حبيب سويدية، وهو ضابط سابق في الجيش والمنفي حالياً في فرنسا، كتابا عام 2001 بعنوان «الحرب القذرة. شهادة ضابط سابق في القوات الخاصة بالجيش الجزائري ». ويذكر أن سعيد شنقريحة، العقيد في ذلك الوقت والذي كان يعمل تحت أوامره، كان معتادا على تعذيب وإعدام أي رجل يشتبه في أنه إسلامي أو معارض ويستشهد بمثال رجل مدني أعزل وبريء، صادفته ليلا دورية مؤلفة من عشرات الجنود، وأطلق شنقريحة النار على رأسه وسط الشارع، دون أدنى سبب. عندما صدر كتاب حبيب سويدية (2001)، كان سعيد شنقريحة نكرة لا يعرفه أحد. وهو ما لا يترك مجالا للشك بخصوص صحة شهادة مؤلف كتاب « الحرب القذرة ».
وبالتالي فإن فتح ملف محاكمة خالد نزار يعني حتما تشويه سمعة غالبية القيادة الحالية للجيش الجزائري، الذين أصبحت جرائمهم وتعذيبهم ممارسات مألوفة. إن إنقاذ الجندي نزار طريح الفراش هو بمثابة إنقاذ للمؤسسة العسكرية والمسؤولين عن العشرية السوداء، بما في ذلك رئيس الأركان سعيد شنقريحة.
وفضلا عن ذلك، فإن المسؤولين عن العشرية السوداء، الذين ما زالوا على قيد الحياة، يتم إعادتهم اليوم إلى الواجهة ليكونوا بمثابة فزاعة ضد الحراك بشكل خاص ومعارضي النظام العسكري-السياسي بشكل عام.
هذا هو الحال مع عودة ضباط سابقين في دائرة الاستعلام والأمن القوية السابقة إلى الخدمة، مثل عبد القادر آيت وعرابي، المعروف بالجنرال حسن، وعبد الحميد حسين بولحية الملقب بـ »أمير دائرة الاستعلام والأمن »، دون نسيان الجنرال جبار مهنا.
هؤلاء هم بالتحديد الأشخاص المشار إليهم في صك الاتهام الموجه ضد نزار، والذي أحيل إلى المحكمة الجنائية الاتحادية يوم الثلاثاء الماضي. وهكذا، وبحسب بيان النائب العام السويسري، فإن نزار ارتكب جرائمه بعد أن « وضع أشخاصاً محل ثقته في مناصب رئيسية وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى إبادة المعارضة الإسلامية ». لقد ارتكب هؤلاء الأشخاص « جرائم حرب واضطهادا واسع النطاق وممنهجا للمدنيين المتهمين بالتعاطف مع المعارضين ». هذه الإشارة المباشرة إلى أتباع خالد نزار والمتواطئين معه هي التي تجعل الطغمة العسكرية الجزائرية يرتعد فرائصها خوفا.