في أي بلد آخر في العالم، عندما يقع حادث احتجاز رهائن، خاصة إذا كان ذا طابع إرهابي، تكون السلطات المحلية أول من يتفاعل مع هذا الحادث الإجرامي عبر تقديم معلومات فورية عن الواقعة واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنهائه. لكن الجزائر تبدو استثناء في هذا السياق. إذ تُعرف السلطة الحاكمة هناك بتوظيفها للإرهاب كوسيلة لملاحقة وسجن أو إسكات العديد من المعارضين السياسيين. مما يعني أن هناك « إرهابا جيدا » و »إرهابا سيئا » في الجزائر.
تفاصيل الحادث
يوم الثلاثاء 14 يناير 2025، شهدت الجزائر حادثا إرهابيا جديدا استهدف سائحا إسبانيا تم اختطافه جنوب البلاد على يد إرهابيين مسلحين، الذين أطلقوا سراح مرشده والأشخاص الذين كانوا برفقته، قبل أن ينقلوه إلى الأراضي المالية. هذا الحادث الخطير يفضح عدم قدرة الجيش الجزائري على تأمين الأراضي والحدود.
إقرأ أيضا : الجزائر: اختطاف مواطنة إسبانية من طرف مجموعة إرهابية وسط تجاهل السلطات المحلية
تخيلوا مركبة تقل إرهابيين تسير مئات الكيلومترات داخل الجزائر، تعترض طريق مجموعة من السياح، تختطف أحدهم، ثم تستكمل طريقها جنوبا وتعبر الحدود الجزائرية-المالية دون أن يتدخل الجيش. وهذه هي نفس المؤسسة العسكرية التي يعوّل عليها النظام الجزائري في حالة اندلاع نزاع مسلح مع المغرب!
الصمت الرسمي والتعتيم الإعلامي
تُبرز هذه الحادثة الخطيرة سياسة الإنكار والتجاهل التي يتبناها الثنائي تبون-شنقريحة، حيث لم يُصدر أي مسؤول جزائري أو وسيلة إعلام محلية أي تصريح بشأن الاختطاف حتى الآن.
ويبقى السؤال عن المصادر التي وصفتها الحكومة الإسبانية بـ« الموثوقة »، والتي أبلغتها يوم الأربعاء الماضي عن هذا الحادث. من الواضح أن أحد مرافقي السائح هو من أبلغ السفارة الإسبانية في الجزائر، قبل أن يفرض النظام الجزائري تعتيما على الحادث.
في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإسبانية، أُعلن أن الاختطاف وقع في « دولة بشمال إفريقيا »، في إشارة إلى أن النظام الجزائري لا يتعاون ويفضل تجاهل ما يحدث على أراضيه.
وتشير التقارير إلى أن البلاغ الأولي صدر عن مصدر يتحدث بالعربية، واستخدم كلمة « رهينة »، ما تسبب في البداية في اعتقاد خاطئ بأن الضحية امرأة إسبانية، بينما تبين لاحقا أنه رجل في الستينيات من العمر.
تداعيات دولية وأوجه القصور الأمنية
وتم تحديد موقع الاختطاف في منطقة جبلية تدعى « أسكرم » (هضبة عالية في جبال هقار جنوب الجزائر) على مقربة من مدينة تمنراست ذات الطابع العسكري الشديد. وحتى نوع المركبة التي استخدمت في الاختطاف، وهي سيارة ذات دفع رباعي، تم الكشف عنها للسلطات الإسبانية. وبسبب غياب أي معلومات من الجانب الجزائري، أنشأت أجهزة المخابرات الإسبانية خلية أزمة لتحديد هوية الخاطفين والتواصل معهم.
ذكر موقع صحيفة El Confidencial الإسبانية في تقرير له يوم الاثنين 20 يناير، أن المركز الوطني للاستخبارات (CNI) « يجري تحقيقات لتحديد الجماعة الإرهابية التي تحتجز السائح الإسباني، وتقدير قيمة الفدية المحتملة للإفراج عنه ». وبينما تركز إسبانيا اهتمامها حاليا على مالي، فإن النظام الجزائري لا يزال يتحمل المسؤولية الكاملة في ضمان أمن جميع الأجانب الذين يدخلون الجزائر.
ذكريات مؤلمة وخاتمة قاتمة
هذا الحادث أعاد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة تتعلق باختطاف أو قتل رعايا أجانب في الجزائر. ففي أكتوبر 2011، اختُطف عاملان إسبانيان وإيطالية في مخيمات تندوف الجزائرية، حيث تم تسليمهم إلى جماعات إرهابية في شمال مالي. كما أن حادثة احتجاز الرهائن الأكثر دموية وقعت في يناير 2013 في منشأة تيقنتورين الغازية، عندما قتلت القوات الجزائرية 38 رهينة أجنبيا أثناء محاولة تحريرهم.
التعامل الغامض للنظام الجزائري مع هذه الحوادث يدفع الدول الأوروبية إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى الجزائر، مثلما فعلت وزارة الخارجية الفرنسية مؤخرا بنشرها خريطة تُظهر جميع مناطق الجزائر كمناطق خطرة أو محظورة على السياح.