استعرض الرئيس الجزائري أكاذيبه، من على منصة الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حول الوضع العام لبلاده وعلاقاتها مع دول الجوار.
وكان أبرز ما جاء في الخطاب الذي استمر أقل من نصف ساعة، والذي ألقاه يوم الثلاثاء 19 شتنبر في نيويورك، هو إعلانه عن « الإنجاز » الذي حققته بلاده من خلال تحلية مياه البحر.
ودون الخوض في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، حيث تسجل الجزائر نتائج سيئة، أكد عبد المجيد تبون أن بلاده حققت أهداف التنمية المستدامة ليس فقط في هذه المجالات، ولكن أيضا في مجال توفير مياه الشرب، التي يبرز نقصها فيها في العاصمة الجزائر ووهران، ثاني أكبر مدينة في البلاد، ناهيك عن مدن أخرى تنتظر، في مناطق معينة، ستة أيام على أمل رؤية المياه تتدفق من الصنابير.
لكن في هذا الجانب الوحيد الذي اختاره لتوضيح إنجازات الجزائر المزعومة، أطلق تبون كذبة كبيرة عندما أعلن أنه « بحلول نهاية عام 2024″، أي في نهاية الولاية الرئاسية الأولى، « ستنتج الجزائر 1.7 مليار متر مكعب من مياه الشرب يومياً بفضل تحلية مياه البحر ».
هذا الرقم « الجديد »، الذي نبع من الهذيان المعتاد للرئيس الجزائري، أعلى بقليل من الرقم الذي أعلنه في 5 غشت، خلال مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية. وأكد أمامهم أن تحلية مياه البحر ستوفر لبلاده إنتاج 1.4 مليار متر مكعب من مياه الشرب يوميا. المشكلة هي أن هذا الرقم تم الإعلان عنه من قبل وسائل الإعلام وفي الإعلان قبل بث المقابلة بأكملها، مما سمح للتلفزيون العمومي الجزائري بحذف عبارة « يوميا »، مع الاحتفاظ برقم 1.4 مليار متر مكعب.
« ما تم حتى الآن يوفر لنا 1.4 مليار متر مكعب من مياه الشرب، وعندما نصل إلى 2.5 أو 3 مليار متر مكعب نكون قد حللنا مشكلة التزويد بمياه الشرب... وبهذه الطريقة يمكننا ترك المياه الجوفية للزراعة والصناعة »، هذا ما أعلنه تبون في مقابلته بتاريخ 5 غشت 2023.
وعلى الرغم من أن الجزائر تمتلك حاليا 11 محطة لتحلية المياه، تنتج أقل من 700 مليون متر مكعب من مياه الشرب سنويا، فقد تفاخر تبون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بزيادة قدرات البلاد، اعتبارا من عام 2024، من 700 مليون إلى 1.7 مليار متر مكعب. مع ملاحظة مهمة وهي أنه لم يكن يتحدث عن تحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي سنويا، بل يوميا! بمعنى آخر، أكد تبون أمام المؤسسة الأممية أن قدرة تحلية مياه البحر في الجزائر سترتفع من 700 مليون إلى 620.5 مليار متر مكعب في سنة واحدة! كان يجب أن يقال له إنه بهذا الحجم من الماء ستتحول الجزائر إلى أطلانطس.
هذا الرقم المعلن عنه يوم الثلاثاء أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبح بعيد المنال منذ أن وضع تبون حجر الأساس لأول محطة لتحلية مياه البحر تحت ولايته يوم 5 يوليوز 2023 بولاية بومرداس، التي تبعد بـ60. كيلومترا عن الجزائر العاصمة. إن محطة تحلية مياه البحر، التي لا تزال في مراحلها الأولى من البناء، ترفع الإنتاج إلى 1.7 مليار متر مكعب من مياه الشرب يوميا، بعد أشهر قليلة فقط من وضع حجرها الأساس الأول، ليس هناك شك في أن تبون هو الوحيد القادر على تحقيق مثل هذا الإنجاز.
وأوضح فؤاد عمراوي، أستاذ الهيدرولوجيا، في اتصال مع Le360، أن الرقم الذي ذكره تبون غير قابل للتحقيق، وأنه في الواقع إنتاج سنوي وليس يوميا.
ووفقا لهذا الأستاذ، فإن الجزائر، التي لا تملك مجاري مياه سطحية كافية، ولديها عدد محدود من السدود (8 في المجموع)، محكوم عليها بتحلية مياه البحر وإزالة المعادن من المياه الجوفية بهدف تغطية جزء من احتياجاتها المتزايدة باستمرار من الماء الصالح للشرب. وعلى سبيل المقارنة، يوضح عمرواي أنه في المغرب، ستوفر تحلية مياه البحر، والتي سيتم تنفيذها من خلال حوالي عشرين محطة بحلول عام 2030، 1.3مليار متر مكعب من مياه الشرب سنويا.
وهذا يعني أنه رغم التصريحات الخيالية لتبون، الذي لا يفرق بين اليوم والسنة، فإن لا أحد من مستشاريه يجرؤ على تصحيح أخطائه، إلا إذا كانوا يسعون عمدا إلى جعله سخرية أمام المجتمع الدولي.
وفضلا عن ذلك، أصبح هذا الهوس بإطلاق إعلانات خيالية وغريبة سمة مميزة للنظام الجزائري، الذي لديه ميل متزايد إلى تضخيم الأرقام في جميع المجالات. ألم يقم الوزير الأول الجزائري، أيمن بن عبد الرحمن، فجأة بتضخيم الناتج الداخلي الخام الجزائري، حيث زاده من حوالي 180 مليار دولار إلى أكثر من 230 مليار دولار، في حين أن هذا المؤشر الرئيسي لاقتصاد البلاد كان حتى الآن موضوعا باتفاق مشترك مع صندوق النقد الدولي؟ وللوصول إلى هذا الرقم الخيالي، قدر بعض المراقبين الجزائريين أن الحيلة التي استخدمها المسؤول الجزائري تتمثل في احتساب القطاع غير المهيكل.
كما سلك عبد المجيد تبون، في كلمته من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، الطريق الخاطئ من خلال إثارة قضية الصحراء المغربية، حيث أظهر، أمام نفس الهيئة المسؤولة حصرا بالنظر في هذه القضية، إلى أي مدى تجاوزته الأحداث. ولذلك طلب تنظيم استفتاء، متظاهرا بأنه نسي أن الأمم المتحدة دفنت بشكل نهائي، ومنذ عقود من الزمن، خيار الاستفتاء في الصحراء. ولذلك فهو يسبح عكس الدينامية التي أطلقتها قرارات مجلس الأمن الأممي، وهي القرارات التي تدعم باستمرار الحل السياسي والواقعي. وهذا الحل الواقعي لا ينفصل عن مخطط الحكم الذاتي المغربي.