روزا موساوي.. «مدام بوليساريو» أو زيف مناضلة تحوّلت إلى بوق مأجور

الصحفية الفرنسية - الجزائرية روزا موسوي

في 24/08/2025 على الساعة 09:00

في فرنسا، تُعد روزا موساوي الصحفية الأقرب إلى جبهة البوليساريو، بل الوحيدة التي حصلت على إذن دخول إلى مخيمات تندوف الانفصالية. هي أيضا الأشد عداء للمغرب، سواء في مقالاتها أو عبر ظهورها في البرامج التلفزيونية، حيث لا تحيد عن خط واضح: الصحراء «مستعمَرة»، تقرير المصير «حق مؤجل»، والمغرب «دكتاتور». إنها سيرة حياة صيغت على مقاس إيديولوجيا جاهزة.

منذ ذروة الأزمة الجزائرية–الفرنسية، على خلفية قضيتي بوعلام صنصال وكريستوف غليز، باتت موساوي تمشي على استحياء في شوارع باريس. « عرّافة » ما تسميه بـ« حركات التحرر » أطفأت حضورها على شبكات التواصل، وأصبحت تتجنب المشاركة في اللقاءات المؤيدة للجزائر أو البوليساريو بفرنسا. في مقر صحيفة لومانيتي (L’Humanité)، تمر موساوي كظل عابر بالكاد يُلقى عليها السلام. لقبها داخل الجريدة معروف: "مدام بوليساريو« ، إذ ظلت طوال 25 عاما تتولى قسم المغرب العربي، حارسة متشددة لخط تحريري تعتبر فيه الجزائر قضية مركزية، وما عداها مجرد تفاصيل قابلة للتعديل. فالصحراء « محتلة »، والريف المغربي «خريطة قابلة للتقطيع»، والبوليساريو «شرط ضمني في العقد».

لكن من تكون صاحبة هذا « الصوت » الذي جرّ واحدة من أعرق الصحف الفرنسية إلى أحضان الجزائر؟ بقلمها، اعتادت لومانيتي على معاداة مَرَضية للمغرب، تردد بلا تردد شعارات الانفصاليين، في جريدة تموَّل بسخاء من المال العام (حوالي 7 ملايين يورو دعماً مباشراً من الدولة سنة 2023). المفارقة الصارخة أن هذه « المدافعة » الشرسة عن « الشعوب المضطهدة »، تلتزم صمتا مريبا حين يتعلق الأمر بـ« الماك » أو « رشاد »، وهما حركتان انفصاليتان حقيقيتان في الجزائر.

إن صلابتها الثورية تتوقف عند حدود ولاءاتها، وبوصلتها الأخلاقية تصاب بالارتباك حين يدخل النفوذ الجزائري على الخط. لقد نجحت موساوي في تحويل « لومانيتي » إلى منبر دعائي متساهل مع جنرالات الجزائر، متغاضٍ عن قمعهم الممنهج الذي يزج بالمواطنين في السجون بالمئات، تحت غطاء « وطنية رومانسية » زائفة تحمي الدكتاتورية القائمة.

أيقونة الأب

روز موساوي، الفرنسية المولد، التي توجهها بوصلة داخلية مضطربة، جعلت من الجزائر أسطورة مؤسسة لحياتها، حيث تمحورت حياتها حول: الأب، النضال، والنقاء، ومغفرة الخطايا. لقد قُسمت حياتها إلى نصفين، وداوت جروحاً قديمةً تشبه شرخاً أصيلاً بآثار الماضي التي تطارد الحاضر: أبطال مناهضون للاستعمار، وأسلاف مجدّون، وأعلام مُخاطة كضمادات. كل ما تكتبه في مقالاتها الصحفية يعود إلى نفس المعبد، وهو أيقونة الأب التي أقيمت كحصن نُقشت فيه قصة مزيفة ضمن السردية الوطنية الكبرى.

كانت لدراستها الجامعية ونشاطها العام هدف واحد: الترويج للجزائر. خيالها - بل حياتها اليومية - مليء بالمستعمرين الفرنسيين والمجاهدين، والأرشيفات، والشعارات؛ إنها طقوس التحرير التي يصعب فيها إيجاد أي اختلاف أو رأي آخر. إن « الوطن » يمتصها ويوجه نضالاتها. وبما أن الرمز يحتاج إلى خصوم، يتم توسيع النطاق ليشمل « القمع »، و« الشعب المضطهد« ، و« جرائم فرنسا« . كل شيء مسموح به، طالما أن السردية متماسكة. في فرنسا، تتحرك تحت شعار الجزائر.

منذ عام 2017، أصبحت هذه الشيوعية تحب أن تصف نفسها بأنها مثقفة ملتزمة بمناهضة الاستعمار « المغربي ». في هيئة التحرير، تنسق مواضيعها حول البوليساريو والريف والمغرب، بينما تقوم في باريس بتنظيم أمسيات تمجد الجزائر، وتلعب دور المروجة السياسية. شيئا فشيئا، ذابت الصحفية في شخصية الناشطة، حتى لم تعد فرنسا بالنسبة لها سوى ديكور مطبعة، بينما وطنها الحقيقي في مكان آخر، في ماض مقدّس.

حياتها الأخرى (المتخيلة) كجاسوسة

لقد وصل بها الحال إلى أنها استبدلت هويتها العادية بحياة جاسوسة، تماما كما يفعل الكاتب مع شخصية في رواية، واخترعت لنفسها دورا مدهشا في مسلسل « برنامج بيغاسوس للتجسس ». في ذلك الوقت، وتحديدا في عام 2021، قدّمت نفسها كإحدى الضحايا الذين زُعم أنهم تعرضوا للتجسس من قبل أحد البلدان الـ15، وهو المغرب. وسرعان ما اختارت إضفاء الطابع القضائي على القضية ورفعت دعوى قضائية في فرنسا ضد مجهول (ضد الدولة المغربية بشكل ضمني).

ثم ظهرت في وسائل الإعلام الجزائرية وأعلنت أنها « صحفية تعرّضت للصدمة » من التجسس المغربي، لتصبح بطلة خارقة في قصر المرادية. وصفّق لها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. مع سلسلة من المقالات واللقاءات، تحوّلت الصحفية إلى شخصية في فرنسا، وأصبح ملفها رواية متسلسلة.

لكن دراميتها كشفت عن تزييفها. لم يؤكد أي خبير مستقل إصابة هاتفها، بل زعمت أنها « أعادت تهيئته » - لتخفي الدليل. والاتحاد الذي روّج لقائمة الأرقام لم يضمن أبدا أنها دليل على الاختراق، والجميع يعلم أنه بدون تحليل جنائي رقمي، يبقى الشك مجرد شك. لكن موساوي تفضل حماسة السرد على دقة التحقق: الاستعارة تنتصر، والظن يكفي. في الحقيقة، عاشت روزا موساوي خلال هذه الفترة لحظة مبهجة، خففت من عصابها الهوياتي، ومنحت الاعتراف بانتمائها « الحقيقي » كجزائرية ضائعة في فرنسا عانت طوال حياتها.

بوليساريو: « لومانيتي » أصبح صوت الجزائر

تكشف تصريحاتها عن قرب إيديولوجي من البوليساريو. ففي مداخلاتها العامة، تتحدث عن الصحراء بأنها « آخر مستعمرة في إفريقيا »، مرددةً العبارات التي يستخدمها دعاة النظام الجزائري. منذ عام 2021، تشارك بانتظام في لقاءات للمناضلين إلى جانب أنصار البوليساريو في فرنسا؛ وتستجوب الدبلوماسيين المغاربة بشأن تقرير مصير الصحراويين بحماس مدّعية عامة وليس صحفية.

في معسكر البوليساريو والجزائر، تُعدّ حليفاً ثميناً. وبفضل أصدقائها في الجبهة، حصلت في ذلك العام على تذكرة إلى تندوف. قضت بضعة أيام في مخيمات الانفصاليين، في مكان بعيد عن هذه الكاتبة المستقلة لوكالة الأنباء الفرنسية، التي كافحت طويلا لتصل إلى منصب « كبيرة مراسلين » في « لومانيتي » في أواخر حياتها. عادت من هذه الرحلة التحولية متغيرة.

في تقريرها المتواضع من « الأراضي المحررة »، كما وصفتها - وفقا لطقوس البوليساريو - تصف المقاتلين كأبطال، وشعبا معذبا يتطلع إلى التحرير، وقوائم انتخابية « جاهزة » كما تزعم. تقول إن النساء « يصنعن المعجزات من الحياة اليومية »؛ يسعى هذا الرسم إلى خلق ملحمة.

صمت على قضية صنصال

عندما يتعلق الأمر بالنظر إلى الجزائر، فإنها تتجنب ذلك. القمع بعد « الحراك »، وسجن الآلاف من سجناء الرأي، وتطهير الجنرالات والضباط، وأحكام الإعدام ضد الصحفيين المنفيين، والمؤامرات في السفارات الفرنسية التي تقترب من الإجرام، والمعارضون لتبون المنسيون في زنازين بائسة، والمداهمات بسبب منشور واحد حاد، والتجريم المنهجي للجمعيات المستقلة، والانتخابات المفصّلة على المقاس، والحقائب الدبلوماسية التي تتحول إلى أداة لتهريب الأموال القذرة لطبقة فاسدة: كل هذه المواضيع تتجنبها روزا موساوي في قسم المغرب العربي، وكأنها تتجنب عشاً للأفاعي.

يجب أن نضيف إلى ذلك هذا الصمت القاتل: قضية الكاتب بوعلام صنصال، صديق المغرب، التي تم التغاضي عنها ببرود كاتب في محكمة؛ وقضية كريستوف غليز، الصحفي المسجون، الذي تم استخدامه كرهينة لأنه أقام في الجزائر في وقت خاطئ. لآخرين، تطلق العنان لسيل من الاستياء؛ ولهؤلاء، تخصص تعابير اللامبالاة.

في النهاية، تتشكّل الصورة من تلقاء نفسها: خطيبة ضد المغرب، وصوت خادم للجزائر. إنها تتجنب الأضواء الآن بخطوات خفية، وتشمّ الأركان، مثل حيوان أعمته الإضاءة التي أشعلها بنفسه. منذ أن تشققت الواجهة الجزائرية، تتعثر الشعارات؛ وتكشفت القضية الكبرى بأنها مجرد ستار: حياة تمثيلية جاهزة، ونضالات خطابية، وأعداء مناسبون. هي التي تدين بالكثير لفرنسا - اللغة، المدرسة، الانطلاق - أصرّت على إدارة ظهرها لوطنها الذي رعاها، مفضلة نشوة السرد على دقة الحقائق. لقد انتهت هرولتها إلى الأمام بخطوات إلى الوراء، في جحر مليء بالتناقضات.

ويبقى ظل « الجريمة الفكرية » - مجازيا، ولكنه ثقيل - حيث يُستخدم الشعار كدليل، واللعن كحجة. عندما يطالب الواقع بالمساءلة، تختفي الشخصية؛ ولا يبقى سوى قناع، وخلفه صمت الممثل.

تحرير من طرف كريم سراج
في 24/08/2025 على الساعة 09:00