وزعمت وزارة الاتصال أن « جزائر الغد » نشرت « معلومات مضللة وغير موثقة »، مُخالفة بذلك للقانون المنظم للعمل الصحفي في الجزائر. وتم استدعاء مدير نشر الجريدة ومديرها التنفيذي للاستماع إليهما بخصوص الملف الصحفي المنشور في عدد الجريدة العاشر الصادر بتاريخ 19 سبتمبر 2024.
ولم تقدم الوزارة تفاصيل واضحة حول طبيعة الملف الذي أغضب السلطة إلى هذه الدرجة، مما يعزز الشكوك حول وجود نية سياسية وراء القرار. بيد أن إعدام الصحيفة لم يكن مفاجئا لكثير من المتابعين، الذين يرون أن هذا القرار يشكل جزءا من الفوضى التي تضرب قطاع الإعلام في الجزائر.
فمنذ وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة في 2019، وعد بفتح مساحة أكبر للحريات الإعلامية والتعبير، وهو السياق الذي تأسست فيه صحيفة « جزائر الغد » في العام 2020، ووعدت حينها بمشهد إعلامي جديد. ومع ذلك، يرى كثيرون أن هذه الوعود لم تتحقق، وأن الإعلام الجزائري ظل رهينا لسيطرة العسكر وأهواء النظام.
تضليل ممنهج أم كشف لمؤامرة؟
المقال الذي أودى بالجريدة تناول ما وصفه بـ »مخطط لاغتيال الرئيس تبون »، زاعمًا أن هذا المخطط مصدره أجنحة متصارعة داخل النظام العسكري الحاكم في الجزائر. وقد ربط الملف هذا المخطط بتسريب من داخل المرادية، في أعقاب إعادة انتخاب تبون وسط مقاطعة شعبية واسعة للانتخابات. واعتبر المقال أن هذا التسريب يهدف إلى تبرير تصفية الحسابات بين أجنحة النظام المختلفة، مستغلا دعاية « العدو الخارجي » لتهدئة غضب الشارع الجزائري.
ويرى صحفيون جزائريون أن الجريدة ذهبت بعيدا في نسج سيناريوهات عن « قوى الشر » و »المؤامرات الخارجية »، متماهية بذلك مع الروايات التي اعتاد النظام الجزائري تسويقها منذ بدء الحراك الشعبي في 2019، حينما بدأ يحذر من « مخططات إرهابية » و »مؤامرات خارجية » تستهدف أمن الجزائر واستقرارها.
اجتهاد في التوقيت الخطأ
الإعلامي الجزائري نجيب بلحيمر علق على الأمر في منشور على صفحته بفيسبوك، مشيرا إلى أن « جزائر الغد » لم تخترع شيئا جديدا، بل كانت تتحرك ضمن إطار الدعاية الرسمية للنظام، لكنها أخطأت التوقيت.
وأضاف أن الصحيفة تجاوزت الحدود المرسومة للدعاية التقليدية حينما نشرت ملفا يخص موضوعا « حساسا » في وقت كان النظام يسعى فيه لإرسال رسائل طمأنة للأطراف المختلفة بأن الوضع مستقر.
النظام يعمق أزمة الإعلام الجزائري
إعدام صحيفة « جزائر الغد » ليس إلا مثالا آخر على حالة التخبط والفوضى التي يعاني منها الإعلام في الجزائر. هذا النظام، الذي يسيطر على مفاصل الدولة بما في ذلك الإعلام، يستخدم قوانين وتعليمات صارمة لتوجيه الصحف والجرائد والمنصات الرقمية وفق أجندته، غير أنه يفشل في رسم استراتيجية إعلامية متكاملة.
ويرى محللون أن قرار إعدام صحيفة « جزائر الغد » ليس إلا رسالة موجهة لباقي وسائل الإعلام: إما السير في فلك النظام والدعاية لأجندته، أو مواجهة مصير مشابه. وهكذا يحاول النظام إعادة « تنظيم » القطاع الإعلامي بحيث يخدم أهدافه، ولكن هذه الإجراءات تؤكد مرة أخرى أن الجزائر لا تزال بعيدة كل البعد عن تحقيق الحرية الإعلامية التي وعد بها الرئيس تبون منذ وصوله إلى السلطة.
إن إعدام « جزائر الغد » يعكس مجددا الأسلوب القمعي الذي ينتهجه النظام الجزائري لإسكات الأصوات الناقدة أو حتى تلك التي تتجاوز الحدود المسموح بها في الدعاية للنظام. في حين أن السلطة تبرر قراراتها بحجج قانونية، فإن الحقيقة أن الإعلام في الجزائر يعاني من خنق الحريات وتوجيهه نحو خدمة مصالح النظام على حساب مصلحة الشعب الجزائري وحقه في الحصول على إعلام نزيه وحر.