أول ما بدأ به خطابه أمام حشد يتكون أغلبه من مسؤولين كبار في السن وجنرالات وضباط عجزة وشيوخ ومتقاعدين، قدم تبون، الذي يفصله شهر واحد عن بلوغ 79 عاما، « هدايا » للناخبين من فئة ربات البيوت والشباب العاطلين والشيوخ المتقاعدين، الذين منحوه العهدة الثانية بعدما وعدهم بالزيادة في العلاوات والمنح، حيث أكد اليوم أنه سيرفع العلاوات والأجور قبل نهاية العهدة الحالية، لتصل إلى نسبة 100 بالمائة. مضيفا أنه سيتم رفع منحة التقاعد، حتى يتمكن المواطنون من العيش الكريم في آخر أعمارهم.
وبما أن تبون لم يكن يحدد زمنا معينا لوعوده الانتخابية قبل التصويت، فإن هؤلاء الناخبين سيكتشفون اليوم أنهم تعرضوا للخديعة، عندما علموا اليوم بأن تلك الوعود التي من أجلها صوتوا لـ »عمي تبون » لن تتحقق قبل 5 سنوات على الأقل، هذا إن كانت ستتحقق فعلا.
الديمقراطية الحقة؟
في خطوة تهدف لتلميع صورته، تحدث تبون عن إطلاق « حوار وطني » مع كل الفعاليات الوطنية في إطار ما سماه بـ « الديمقراطية الحقة ». لكن هذا المصطلح الجديد لم يكن إلا واجهة لتجميل نظام عسكري لا يؤمن أصلا بالديمقراطية.
ماذا يقصد تبون بهذا المصطلح الجديد؟ « سنقوم خلال العهدة الثانية باتصالات مكثفة واستشارات مع كل الطاقات الحية للوطن، السياسية منها والاقتصادية وكذلك الشبابية »، يقول ممثل النظام العسكري الدكتاتوري الذي لا يؤمن بشيء اسمه الديمقراطية، قبل أن يضيف أنه « سيتم مباشرة حوار وطني مفتوح لتخطيط المسيرة التي ستنتهجها البلاد في إطار الديمقراطية الحقة ».
وبينما كان المواطنون الذين تابعوا خطاب الرئيس المقبل على عهدة ثانية عبر تقنية المباشر بمختلف منصات التواصل الاجتماعي، ينتظرون منه أن يقدم لهم خطة أو استراتيجية تجيب عن تطلعاتهم للخروج من الوضعية المزرية التي تتخبط فيها البلاد على جميع الأصعدة، طفق « عمي تبون » يعدهم بأن يقدم لهم حصيلة عهدته الأولى أمام غرفتي البرلمان قبل نهاية السنة الجارية. « بفففف.. نحن نتطلع إلى المستقبل بينما هو يعيدنا إلى الوراء »، يقول مواطن معلقا على حساب قناة « النهار تيفي » التي كانت تنقل اللقاء مباشرة عبر حسابها على يوتيوب.
وعود اقتصادية باهتة
لم يكن غريبًا أن يستمر تبون في تقديم وعود اقتصادية غير واقعية، مثل تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب بحلول 2025، وفي الشعير والذرة بحلول 2026، وكأن هذه الوعود يمكن أن تتحقق دون أسس اقتصادية حقيقية.
كما واصل ادعاءاته بشأن القضاء على أزمة المياه من خلال تحلية مياه البحر وربط السدود ببعضها عن طريق قنوات مائية، وهي تقنية لا يمل من زعم أنها ابتكار جزائري خالص، في تجاهل تام للحقائق العلمية المعروفة.
مناورة سياسية لإنقاذ ماء الوجه
بدا تبون مثل ممثل فاشل لم يستطع إقناع « الجمهور » بدوره الغارق في الملل فوق الخشبة، فترجل خارجا من القاعة وهو مقتنع بأنه لم يقدم جديدا يثير به استعطاف أنصاره الذين علقوا عليه آمالهم، بيد أن الوزير الأول نذير العرباوي باغته بتقديم هدية ثمينة ستنقذ ماء وجهه، مؤقتا على الأقل.
ففي إجراء عادي يلي تنصيب الرئيس تقديم الوزير الأول استقالة الحكومة، فيقبلها الرئيس ثم يعين وزيرا أول ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة. لكن بالنسبة لتبون الذي لم يجد شيئا ملموسا وحقيقيا في حصيلته يتباهى به، فإنه رفض استقالة نذير العرباوي، بل « أمره بتأجيل القرار نظرا لحساسية الفترة الحالية ».
وحسب بيان لرئاسة الجمهورية فقد « أمر الرئيس الوزير الأول بتأجيل القرار ومواصلة العمل لضمان الدخول المدرسي، الجامعي، المهني والدخول الاجتماعي، وإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2025، قبل عرضه على البرلمان، حيث أكّد السيد الرئيس أن هذه الملفات المستعجلة تطلب دراية الوضع من الوزراء الحاليين ».
هذه الخطوة التي اتخذها تبون لتعزيز مظهره أمام الشعب لا تعدو أن تكون قشة صغيرة يتمسك بها في محاولة لتهدئة الأوضاع وطمأنة الجزائريين على أن الحكومة تهتم بمشاكلهم. لكنها في الواقع تمثل محاولة يائسة للحفاظ على صورته السياسية المتآكلة، بينما يزداد الغضب الشعبي من استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية في البلاد.
وهكذا، يبدو أن تبون، الذي يسير نحو عامه التاسع والسبعين، يعتمد على أساليب قديمة وفاشلة لاحتواء الوضع، لكنه لا يقدم حلولا حقيقية للمشاكل التي تواجه الجزائر. وتبقى الوعود البراقة والحملات الانتخابية التي تعتمد على شعارات فارغة غير كافية لإقناع الشعب الذي يتطلع إلى تغيير حقيقي.