إن التعتيم الممنهج عما يحدث بالفعل في البلاد من قبل نظام الجزائر لم يصمد طويلا. هذه المرة عن جزء آخر من البلاد تعاني هي الأخرى من أزمة عطش مزمن، فضلا عن القمع الوحشي الذي تتعرض له. فبعد وهران، أكبر منطقة حضرية جزائرية يبلغ عدد سكانها 1.7 مليون نسمة، وتيارت، وهي مدينة مهمة ولكنها منسية في شمال غرب الجزائر، جاء دور سكان ولاية بجاية، حيث تقع المدينة التي تحمل اسمها، وهي المدينة الأكثر أهمية في منطقة القبائل، ليعانوا بدورهم من أزمة العطش.
هكذا فإن بلديات مثل تازمالت وإغيل علي وبوجليل وآيت ارزين وإغرام وبني مليكش محرومة تماما من المياه، وذلك باعتراف الصحافة الجزائرية نفسها التابعة للنظام. وأشارت صحيفة « Le Jeune Indépendant » اليومية إلى أنه « منذ بداية الشهر الحالي، لا تتدفق المياه من الصنابير إلا مرة واحدة في الأسبوع وأحيانا مرة واحدة كل 15 يوما ». في حين أنه في كل صيف، « منذ سنوات عديدة »، اعتاد سكان هذه المناطق على التزود بالمياه باستخدام الشاحنات الصهريجية، التي أصبحت حاليا محدودة.
لتبرير هذه الوضعية، في منطقة متوسطية وجبلية ذات مناخ معتدل، التي من المفترض أن تكون محمية إلى حد ما، تتعلل السلطات، بطبيعة الحال، بالجفاف الذي أصاب المنطقة بعد النقص الصارخ في هطول الأمطار على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
ما لا تقوله هو أن هذه المأساة أيضا، وقبل كل شيء، ناجمة عن التدبير الكارثي. وكتبت اليومية الجزائرية قائلة: « تسجل أعطاب متكررة على مستوى التجهيرات »، إضافة إلى « تدهور شبكات إمداد وتوزيع مياه الشرب التي تمت إقامتها منذ حوالي 40 عاما، والتي تتطلب عملية تجديد ».
مرتفعات ويذرنغ
وكرد فعل، يضاعف نظام الجزائر الشعارات الرنانة والوعود الكاذبة. وقد تألق والي بجاية بالفعل في هذين السجلين. فعلى صعيد الشعارات، قال كمال الدين كربوش إنه بأمر من الرئيس تبون « تم إعطاء تعليمات لمدير المياه ومدير الجزائرية للمياه من أجل ضمان عدم انقطاع إمدادات وتوزيع المياه الصالحة للشرب خلال فصل الصيف ». نعم، ولكن من الناحية العملية الملموسة؟ علمنا أنه « تم توفير رقمين هاتفيين للمواطنين الذين يمكنهم تقديم شكاواهم ». نحن نتحدث عن تجمع يضم أكثر من مليون شخص يعانون من العطش حسب آخر الأرقام المتوفرة...والتي يعود تاريخها إلى عام 2008.
وفيما يتعلق بالتدابير، فإن النظام يفعل ما يجيده: مضاعفة الإعلانات الكاذبة. هناك حديث عن محطة افتراضية لتحلية مياه البحر والتي ستنتج إن شاء الله 300.000 متر مكعب من مياه الشرب يوميا والتي ستزود « على الأقل » أربع أو خمس ولايات (ولماذا ليس عشرة). وذلك بداية من عام 2025. إن شاء الله. كما سيتم حفر 25 بئرا جديدة ستضاف إلى 100 بئر أخرى. كل ذلك من أجل القضاء نهائيا عما تبقى من المياه الجوفية بالمنطقة.
إقرأ أيضا : حملة دعاية سابقة لأوانها: وسائل الإعلام الجزائرية توجه الناخبين للتصويت على «عمي تبون»
لكن هناك ما هو أفضل بل وأغرب: معالجة مياه الصرف الصحي لإنتاج مياه الشرب. فقد تفقد الوالي كربوش أشغال إنشاء محطة معالجة المياه العادمة ببلدية أقبو. حتى أنه أبدى « انزعاجه » من تأخر سير الأشغال، واتصل « في عين المكان » بالشركة المسؤولة عن الورش، مطالبا إياها بتسليم هذه البنية التحتية في أسرع وقت ممكن، والتي ستعالج 16 ألف م3 في اليوم. رائع.
هدوء، نحن نقمع!
في بجاية دائما حيث يعرف النظام الجزائري كيف يظهر جديته من خلال القمع الذي يسلطه لاسيما على الأصوات النادرة التي لا تزال تجرؤ على التحدث علنًا لإدانة « النظام » أو المطالبة بالحقوق. وبدلا من إيجاد حلول لعطش السكان، يعمل النظام على إطفاء عطشه للعنف والقمع. في هذا المجال، يمكن القول إن التدابير عظيمة.
وهذا هو حال الجامعية والناشطة القبايلية الشهيرة ميرا مكناش التي توجد في مخافر الشرطة لليوم العاشر على التوالي. كما أن المحامي سفيان والي، عضو تجمع الدفاع عن سجناء الرأي، بالإضافة إلى حوالي عشرة نشطاء محتجزون منذ 9 و10 يوليوز في مركز الشرطة ببجاية، حسبما ذكرت يومية « Le Matin d’Algérie ». ونقلت الصحيفة ذلك عن اللجنة الوطنية الجزائرية لتحرير السجناء، وهي جمعية أنشئت في 26 غشت 2019، أثناء الحراك الشعبي، من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين وسجناء الرأي.
كتبت الصحيفة ذاتها التي تتحدث عن أكثر من 200 سجين رأي يقبعون في السجون الجزائرية قائلة: « في « الجزائر الجديدة » العزيزة على تبون وأبواقه الدعائية، لم يضعف القمع أيضا ». وأضافت « لم يسبق أن شهد السجون الجزائرية هذا العدد من السجناء السياسيين كما حدث منذ وصول عبد المجيد تبون إلى السلطة ». وقد نددت الجمعية غير الحكومية « Riposte Internationale »، ومقرها باريس، بهذه الوضعية. ففي بيان صدر يوم الأحد 14 يوليوز، أشارت هذه المنظمة غير الحكومية إلى « تصعيد خطير » وأدانت « التكالب القضائي من خلال هذه الاعتقالات والاحتجازات والتفتيشات المبررة بالاستحقاقات السياسية التي حددها النظام الجزائري ».
ومن الواضح، وقبل شهر تقريبا من مهزلة الانتخابات الرئاسية، أن تبون (78 عاما) وسعيد شنقريحة (79 عاما) لا يريدان سماع أدنى صوت معارض. وخلصت الصحيفة إلى أنه « بالنسبة للبقية، ليس هناك ما يمكن توقعه من النظام ». عندما نعلم أن منطقة بجاية نفسها التي تدفع في كل مرة الثمن الباهظ لحرائق الغابات المشتعلة في الصيف، والتي يتحملها نظام الجزائر، على الأقل بسبب الإهمال، فإن الأسوأ لا يزال يخشى حدوثه في منطقة القبائل الشهيدة.