بالنسبة للجزائريين، لم يحمل هذا القرار مفاجأة بقدر ما أكد واقعا معروفا: السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش البالغ من العمر 79 عاما، هو الحاكم الفعلي للبلاد.
شنقريحة: الحاكم الفعلي للجزائر
على مدى سنوات، استحوذ شنقريحة على السلطة تدريجيا، حيث أصبحت صورته مألوفة في الإعلام أكثر من صورة الرئيس نفسه. تعيينه وزيرا منتدبا لدى وزير الدفاع، وهو المنصب الذي يشغله تبون شكليا، كان بالنسبة للكثيرين تعبيرا عن تسليم تبون زمام الأمور بالكامل لصالح شنقريحة.
رغم أن التعيين أُعلن بمرسوم رئاسي، إلا أن التعليقات الشعبية في الجزائر على مواقع التواصل الاجتماعي أشارت إلى أن شنقريحة هو الذي « عيّن نفسه » في هذا المنصب. فالمواطنون يرون أن الجنرال المتقاعد البالغ من العمر 79 عاما قد تجاوز دوره التقليدي كقائد عسكري، ليصبح الحاكم الفعلي للبلاد، مما يضعف مكانة الرئيس تبون ويكشف هشاشة دوره في منظومة حكم تهيمن عليها المؤسسة العسكرية.
التعليقات الساخرة التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي أبرزت استياء الجزائريين من الوضع. فقد علق أحد المستخدمين قائلا في منصة فيسبوك « شنقريحة يعين شنقريحة وزيرًا منتدبًا لدى وزير الدفاع المعين من طرف شنقريحة! » ورد عليه آخر قائلا: « شنقريحة أصلا هو الحاكم الفعلي للبلد، يعين نفسه في المناصب التي يريدها ». في حين تساءل آخر باستنكار: « لماذا لم يتقاعد شنقريحة بعد تجاوزه الثمانين؟ هل أصبح فرعون الجزائر؟ »
حكومة جديدة أم إعادة تدوير؟
رغم وعود تبون بتشكيل حكومة كفاءات بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم تضم التشكيلة الجديدة سوى اسمين جديدين، ما أثار التساؤلات حول جدية الإصلاحات الموعودة.
وفي الوقت الذي وصف فيه الإعلام الرسمي التعديل الحكومي بـ«حكومة الكفاءات»، احتفظ وزراء السيادة في الحكومة السابقة بمناصبهم، مثل أحمد عطاف (الخارجية) ومحمد عرقاب (الطاقة)، ما يعكس استمرار سياسة المكافأة للموالين للنظام العسكري ورئيسه المعين.
ومن التعيينات التي أثارت الجدل، كان تعيين وليد صادي (رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم) وزيرا للرياضة. خطوة اعتبرها البعض محاولة لتقليد النموذج المغربي بتعيين فوزي لقجع (رئيس جامعة كرة القدم المغربية) وزيرا، لكنها لم تسلم من الانتقادات والسخرية.
من جهة أخرى، أثار تقسيم حقيبة التجارة إلى وزارتين (التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية من جهة، والتجارة الخارجية من جهة أخرى) انتقادات حادة، حيث وصفه البعض بالخطوة العبثية التي تعكس التخبط الحكومي.
وماذا بعد؟
بالنسبة للمواطن الجزائري البسيط، فإن ما سمي بـ«التعديل الحكومي» ليس سوى محاولة لتلميع صورة النظام دون تقديم حلول للأزمات العميقة التي تواجهها الجزائر، من طوابير الوقود إلى غياب الإصلاح الاقتصادي الحقيقي. وبذلك لا يتوقع الجزائريون أن تسهم هذه التعيينات في تغيير واقعهم المعيشي أو معالجة الأزمات التي يعانون منها، فالسياسات الحكومية، رغم تغييراتها الشكلية، تبقى أسيرة نظام يضع مصلحة المؤسسة العسكرية فوق أولويات الشعب.
إضافة قبعة سياسية للعسكر
تعيين شنقريحة لم يضف جديدا من الناحية العملية؛ فقد بسط سيطرته على جميع مؤسسات الدولة منذ توليه رئاسة الأركان في ديسمبر 2019. مع ذلك، أثار التعيين تساؤلات حول التداخل المستمر بين المؤسستين العسكرية والسياسية في الجزائر، خاصة وأن شنقريحة بات اليوم يجمع بين السلطة العسكرية والنفوذ السياسي في خطوة تُظهر تفاقم هيمنة العسكر على الحكم.
أين يتجه النظام الجزائري؟
في ظل هذه التطورات، يرى مراقبون أن الجزائر تواصل الغرق في أزمات داخلية متعددة، من الفساد إلى السياسات الاقتصادية الفاشلة، دون بوادر حقيقية للتغيير. التعديلات الشكلية مثل تعيين شنقريحة وزيرا منتدبا لن تغير من واقع البلاد شيئا، خاصة وأن المواطنين يرون في هذا التعيين تجسيدا لاستمرار حكم العسكر في السيطرة على مفاصل الدولة.
ويبدو أن التعديل الحكومي الأخير لم يكن سوى محاولة أخرى لتهدئة الرأي العام دون المساس بجوهر السلطة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في الجزائر.