وفي أول ظهور إعلامي له، بدا عبد المجيد تبون، « المرشح الحر » المدفوع من طرف نظام العسكر المستولي على الحكم، تائها وهو يوزع الوعود الوردية يمينا وشمالا وينفخ في الأرقام الفلكية كعادته، مرتديا قبعة « الأب المربي » و »المصلح الاجتماعي » تارة و »الخبير الاقتصادي » تارات أخرى.
وبينما ينتظر منه الجزائريون أن يقدم حلولا للمشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد نتيجة السياسات الفاشلة للنظام في جميع الأصعدة، طفق « عمي تبون » يعدهم بـ »إعادة اللحمة بين الجزائريين وبعضهم البعض » بعد انتشار مظاهر العنف والكراهية والمس بالشرف.. وذلك من أجل إنقاذ الوحدة الوطنية حسب تعبيره.
نظرية المؤامرة مجددًا
كما هو ديدنه، فإن تبون لا يترك الفرصة لتمر دون إقحام نظرية المؤامرة لتبرير فشله، وترديد الأسطوانة المشروخة التي لم يعد أحد يصدقها، حيث عاد إلى الحديث عن اتهام دولة « معروفة بعدائها لنا » بأنها هي من « اتخذت قرار إشعال النيران في الجزائر صيف 2021″، وكان يشير إلى حرائق مستعرة عاشتها محافظات القبائل، خلفت عشرات القتلى وخسائر كبيرة في المباني والماشية والحقول والغطاء النباتي الذي يميز هذه المنطقة الواقعة شرق العاصمة.
إعادة تدوير الوعود القديمة
في ظل غياب جديد ليقدمه إلى الشعب الطامح للتغيير خلال السنوات الخمس المقبلة، لجأ تبون إلى إعادة تدوير الوعود الانتخابية القديمة، وادعى بأنه سيواصل « الإنجازات المحققة اقتصاديا وماليا »، من خلال إعادة سرد الالتزامات الـ54 التي سبق أن قدمها خلال ترشحه للولاية الأولى عام 2019.
وأطلق تبون، الذي كان محاطا بمجموعة من الشباب، العنان لخياله الواسع وهو يعد الجزائريين بمواصلة « السياسة الداعمة للشباب والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة ومواصلة إنجاز المشاريع السكنية بمختلف الصيغ ».
وقال إنه سيرفع « القدرة الشرائية للمواطن من خلال تخفيض الضرائب ورفع الأجور التي يعتزم أن تبلغ نسبة زيادتها 100 في المئة في آفاق سنة 2027، إلى جانب رفع منح التقاعد ».
وأكد أنه ملتزم بمواصلة محاربة نسبة التضخم، مدعيا بأنها « انخفضت من 11 في المئة إلى 6 في المئة »، وهو ما سيدعم – على حد زعمه – « سياسة رفع قيمة العملة الوطنية تدريجيا ».
تبرير فشل العهدة الأولى
دافع تبون عن حصيلته السابقة بمدعى « استرجاع أموال الشعب المنهوبة » وتحرير 285 إنابة قضائية عبر 32 دولة. ولتبرير الفشل، أشار إلى « العراقيل » التي واجهت ولايته الأولى، مثل جائحة كوفيد-19 والحرائق التي مست بعض الولايات، مؤكدًا أن الدولة عملت على تعويض المتضررين.
إقرأ أيضا : حملة انتخابية بنكهة مسرحية: الوعي الشعبي يفضح أكاذيب النظام الجزائري
هاشتاغ ضد تبون
لا يبدو أن الوعود الجديدة قد أقنعت الجزائريين، ذلك لأن منصات التواصل الاجتماعي ضجت بتعليقات الغضب والسخط العارم ضد العملية الانتخابية التي لا يرون أية جدوى منها.
وواجه الكثير من الجزائريين حملة تبون الانتخابية بإطلاق هاشتاغ « #حقي_أولا »، وهي حملة واسعة الانتشار عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي بالجزائر أطلقها عمال الإدماج المهني الذين كان قد وعدهم تبون خلال الولاية الأولى بحل مشاكلهم، لكن هذه الأخيرة ما لبثت أن تفاقمت. وأطلقوا هذا الوسم للمطالبة بإدماجهم في مؤسسات الدولة.
تُخبرنا الصورة للرئيس المترشح #تبون بأنه مرّشح الشباب، وهنا نتساءل ما هي الفُرص التي مُنحت للشباب في عهدته الأولى، وما هي الفرص الموعودة لهم مستقبلاً؟ #الجزائر 🇩🇿 pic.twitter.com/66fX81OdLJ
— 🇩🇿 أحمد داود 🇩🇿 (@AhmadDaoud14) August 15, 2024
أما فئة الشباب فقد عبرت من خلال تعليقاتها صراحة عن يأسها من « الوعود الفارغة »، ولعل أصدق تعليق يعبر عما يريد الجزائريون قوله للمترشح الراغب في الحكم لعهدة ثانية، هو ما جاء على لسان مواطن يدعى قادر، والذي كتب تعليقا في الصفحة الفيسبوكية لـ »المديرية العامة للحملة الانتخابية للمترشح الحر عبد المجيد تبون » يقول فيه: « عمي تبون راك دخلتينا فحيط هذا ماكان.. ماعندكش الكلمة وراحت الثقة.. #حقي_أولا ».
واقع مظلم
بين الوعود الوردية والواقع المظلم، يقف الجزائريون في مفترق طرق، متسائلين عن جدوى الانتخابات المحسومة مسبقًا وعن مستقبلهم في ظل نظام لم يلبِ تطلعاتهم حتى الآن. في حين يظل الأمل في التغيير هو الدافع الرئيسي لمشاركة القلة القليلة في الانتخابات القادمة، وتبقى الشكوك والتساؤلات قائمة حول ما إذا كانت هذه الانتخابات ستأتي بجديد أم ستظل مجرد وعود أخرى تُضاف إلى القائمة الطويلة.