كما كان متوقعًا، ستكون الحملة الانتخابية للرئاسيات الجزائرية المقررة في 7 سبتمبر فرصة للعالم بأسره لرؤية عبد المجيد تبون على حقيقته كرئيس غير مؤهل لمنصبه. من أول تجمع انتخابي له، الذي عُقد يوم الأحد 18 غشت في قسنطينة أمام جمهور مليء بالممثلين المكلفين برفع التصفيق لكل كلمة ينطق بها تبون، قام الأخير بعرض « وان -مان -شو » تحدث فيه بلا تحفظ.
في حين أن أكاذيبه حول الإنجازات الوهمية في السنوات الخمس الماضية أصبحت مألوفة، وكذلك الأرقام الخيالية التي قدمها مجددًا في قسنطينة، لم يمنع ذلك تبون من صدمة الكثيرين بتصريحاته الشعبوية للغاية حول غزة. حيث قال إنه « إذا فتحت مصر الحدود، فإن الجيش الجزائري مستعد لدخول غزة ».
تبون يُقحم غزة في النزال الانتخابي
استغل تبون تعاطف الشعب الجزائري مع محنة الفلسطينيين في قطاع غزة لدغدغة مشاعر الناخبين والتأثير عليهم. فقد ادعى خلال تجمع شعبي لأنصاره في قسنطينة أن بلاده مستعدة لـ »بناء 3 مستشفيات في غزة في ظرف 20 يوما، في حالة إعادة فتح الحدود البرية بين مصر والقطاع ».
وتثير هذه التصريحات الاستعراضية لتبون الكثير من الاستغراب والتناقض بشأن إقحام النظام الجزائري لقضية فلسطين في حملة انتخابية، في الوقت الذي يمنع فيه النظام نفسه الشعب من تنظيم مسيرات وتظاهرات مؤيدة لغزة، بذريعة الخوف من تحولها إلى مسيرات مناهضة للنظام الجزائري.
وقابل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريين تصريحات تبون بموجة من السخرية عبر مختلف المنصات الرقمية، حيث دعاه المواطنون إلى ترجمة وعوده بشأن بناء مستشفيات في غزة ليستفيد منها الشعب الجزائري، الذي يعاني –حسبهم- من الإهمال ونقص الخدمات الأساسية.
ومن بين أقوى آلاف التعليقات الساخرة من أكاذيب تبون، ما كتبه مواطن جزائري على صفحة جريدة « البلاد » في فيسبوك، حيث علق على فيديو تبون قائلا: « 3 مستشفيات في 20 يوم؟ وعندك 5 سنين في الحكم ماشفشناش حتى مستوصف، لا مكاتب الصرف، لا مشاريع كبرى، لا مصانع، لا تجارة، لا فتح للاستيراد، لا سيارات، لا موانئ ومطارات وسكك حديدية بمقاييس عالمية، لا طرقات، لا بنية تحتية، لا عمل، لا سكن، السكنات التي توزع داخل ورشات غير منتهية، لا ادارة مليحة، انقطاعات فالماء و الكهرباء ، البيروقراطية، 2024 مازال ماعندناش نظام بنكي متطور ومازلنا نتعامل بالأوراق النقدية فالمبادلات التجارية، انخفاض سعر الدينار، لا المستشفى الألماني القطري جسد، لا مستشفيات بمقاييس عالمية في كل ولايات، لا حليب المراعي، لا لحم خروف محلي.. لا عيش كريم، لا شهرية مليحة، لا اهتمام بالفئات الهشة.. ».
إقرأ أيضا : رئاسيات الجزائر: تبون يعيد تدوير الوعود الانتخابية السابقة والشعب يواجهه بـ«هاشتاغ»
ماذا يقصد تبون بخطته حول غزة؟
فيما يلي ما قاله تبون بالضبط حول غزة مع وصف ردود فعل الجمهور وحركات الرئيس الجزائري:
« لن نتخلى عن فلسطين بشكل عام وخاصة غزة! وأقسم بالله أنه إذا ساعدونا بفتح الحدود بين مصر وغزة (تصفيق الجمهور ووضع تبون يده على صدره)، نحن نعرف ما علينا فعله! » القبضة المشدودة وعبارة « نحن نعرف ما علينا فعله » توحي بخطة معدة مسبقًا على أعلى مستوى في الدولة الجزائرية. مما أدى إلى زيادة حماس الجمهور الذي أطلق صيحات عالية. بعد الاستمتاع بتصفيق الجمهور لبضع ثوانٍ، قال تبون: « نحن نعرف ما علينا فعله وقد تعهدت بذلك والجيش مستعد! »
ما هو التعهد الذي قطعه تبون؟ هل يعني ذلك أن الجيش الجزائري مستعد لدخول غزة إذا فتحت مصر حدودها البرية مع إسرائيل؟ هذا ما قاله تبون نصًا أمام جمهور مُفعم بالحماسة.
إذا أردنا تلخيص ما حدث: عبد المجيد تبون، « رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني » (هذا هو لقبه الرسمي) يعلن أن الجيش الجزائري، الذي هو القائد الأعلى له، قد أعد خطة لدخول غزة، وأن هذا الجيش مستعد وينقصه فقط الضوء الأخضر من السلطات المصرية لتنفيذ خطته.
عبد المجيد تبون الذي ربما أدرك أنه كاد أن يعلن الحرب على دولة إسرائيل، خفف من حدة تصريحاته بإضافة: « بمجرد أن تفتح لنا الحدود، ويتم السماح لحافلاتنا بالدخول، سنبني ثلاثة مستشفيات في غضون 20 يومًا ».
أولاً، الجزائر التي تعتبر نفسها بطلًا في رفض أي تدخل للقوات الأجنبية في الساحل وفي ليبيا، تنتهك مبادئها الخاصة بطلب وجود قواتها في مصر بهدف التدخل في غزة، مما يخالف عقيدتها بعدم تدخل الجيش الجزائري خارج حدود البلاد.
ثانيًا، بطرح إمكانية التدخل العسكري في غزة حتى ولو بشكل كاذب، تنتهك الجزائر قرارات الجامعة العربية، في حين أنها ملزمة باحترام الموقف الجماعي لهذه الأخيرة بشأن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. بالفعل، يمكن تلخيص مبادرة السلام التي تم تبنيها بالإجماع في قمة الجامعة العربية ببيروت في عام 2002 من خلال محورين رئيسيين: تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل إعادة إطلاق عملية سلام تؤدي في النهاية إلى إنشاء دولة فلسطينية قابلة للتعايش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.
ثالثًا، الحدود البرية المصرية، كما يريد تبون أن يوحي، ليست عائقًا أمام تدخل عسكري جزائري في غزة. طوال فترة ولايته الأولى، لم يتوقف الجيش الجزائري عن الاستعراض، سواء من خلال العروض العسكرية أو العديد من التمارين « التكتيكية بالذخيرة الحية »، عشرات الطائرات الحربية الروسية وكذلك ترسانة من الفرقاطات والغواصات. وبما أن الجزائر، مثل إسرائيل، هي دولة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، فإن طائراتها الحربية، مدعومة بالطائرات الناقلة، وكذلك قواتها البحرية يمكنها الوصول إلى إسرائيل دون الحاجة إلى أي بلد عابر.
لكن الشعبوي والمتحذلق تبون يعلم جيدًا أن جيشه، الذي يعجز عن تأمين حدوده الخاصة، ليس في وضع يسمح له بالتدخل في غزة حتى لو سمحت له الدولة المصرية بذلك. فمن السهل جدًا إلقاء اللوم على مصر بجعلها في النهاية تلعب دور حارسة الحدود الإسرائيلية.
في مصر، خلقت تصريحات تبون ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي تهدد بإثارة أزمة بين البلدين. رواد الانترنيت المصريون يتعجبون من المستوى المتدني للرئيس الجزائري. إنهم يكتشفون على مضض ما يعانيه المغاربة من نظام غير عقلاني وغير ناضج ومجنون تمامًا.