خطاب تبون السينمائي: سيناريو خيالي وسخرية واسعة على الواقع

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال الجلسات الوطنية للسينما

في 21/01/2025 على الساعة 07:00

فيديومرة أخرى، يكشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن عادته في الخروج عن النصوص الرسمية خلال خطاباته، حيث اختار هذه المرة أن يحول مناسبة ثقافية مخصصة لدعم السينما إلى منبر للرد على تصريحات فرنسية على خلفية الأزمة المشتعلة بين البلدين. ففي كلمته الافتتاحية للجلسات الوطنية للسينما، وبدلا من التركيز على قضايا القطاع الثقافي، خصص تبون جزءاً كبيراً من خطابه للرد بلغة مشحونة على ما وصفه بـ »الجهل بالجزائر »، مؤكدا أن بلاده لا تحتاج إلا إلى « الله وأبنائها »، في تلميح إلى « استقلالية » الجزائر عن أي دعم خارجي.

الرد على فرنسا بلغة السينما

تصريحات تبون جاءت على خلفية تهديدات فرنسية بوقف مساعدات التنمية المقدمة للجزائر، التي يعتقد أنها تبلغ حوالي 800 مليون يورو سنويا. وقال تبون بنبرة تحدٍّ: « أصدقاؤنا نحبهم، ومن أراد معاداتنا فذاك شأنه »، في إشارة واضحة إلى توتر العلاقات مع باريس. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل استغل المنصة لتأكيد مضيه في مشروع « تنموي رائد » حسب وصفه، مشيرا إلى أن الثقافة، وعلى رأسها السينما، يجب أن تكون جزءا من هذا المشروع.

السينما كواجهة تنموية... أم دعاية؟

رغم تخصيص المناسبة للحديث عن السينما، إلا أن تبون استغل نصف المدة الممنوحة له من أجل الرد على فرنسا، قبل أن يعترف بأنه فعلا خرج عن الموضوع، وينتقل للحديث عن خطط حكومته لدعم الإنتاج السينمائي.

أمام حشد ممن يعتقد أنهم يشتغلون في ميدان السينما، لم يتردد تبون في إطلاق الوعود الوردية. فقد وعدهم كعادته، بلغة الواثق من نفسه، بأنه سيتكلف بدعم مشاريعهم الإبداعية بتوفير « التمويل اللازم بالعملة الوطنية والأجنبية ».. ولم يتردد في منحهم سقفا عاليا من الحرية في الإبداع حين أكد أن « حرية الإبداع يجب أن تكون مطلقة »، قبل أن يستطرد ليضيف إلى كلامه « التوابل التبونية »: « إلا ما تعلق باستهداف الجزائر »، أي أن الإبداع السينمائي سيكون، على غرار الثقافة والإعلام، مشروطا بالالتزام بالرواية الرسمية للنظام.. فعن أي حرية إبداعية يتحدث تبون وقد قيّدها بهذا الشرط (التعجيزي)؟

ورغم هذه الوعود الوردية، يبقى التساؤل مطروحا حول قدرة الحكومة على تحقيق بيئة إبداعية مستدامة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة وحملات الاعتقالات التي تعكس تناقضا صارخا بين الخطاب الرسمي والواقع المعيش.

رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون للسينمائيين بمناسبة افتتاحه للجلسات الوطنية للسينما. الجزائر انطلقت في حركة تنموية...

Publiée par ‎رئاسة الجمهورية الجزائرية‎ sur Dimanche 19 janvier 2025

تناقض الخطاب مع الواقع

في الوقت الذي كان الرئيس الجزائري يتحدث في خطبته عن « التنمية والتقدم والرفاه الذي حققه لشعبه من أجل الالتحاق بركب الدول الراقية والمتحضرة.. »، انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر فعلا مدى « التقدم » و« التنمية » الذي « يرفل » فيه المواطن الجزائري.

فقد أظهرت هذه المقاطع الواقع الحقيقي الذي يخفيه نظام العسكر بالكذب والتضليل: مشاهد مؤلمة لمواطنين غارقين في الفقر المدقع والأوحال بسبب غياب أبسط البنى التحتية، ناهيك عن اكتوائهم بالغلاء وكثرة الطوابير من أجل الحصول على مواد غذائية أساسية.

ورافقت هذه المقاطع تعاليق تعبر عن مدى ارتفاع منسوب الغضب الشعبي ضد السياسات الفاشلة لنظام العسكر، وسط انتشار أوسع لوسم « #مانيش_راضي » المطالب بتنحي الجنرالات عن الحكم.

الخطاب الوعودي لتبون، خاصة تجاه السينما، بدا منفصلا عن هذا الواقع، حيث اعتبره العديد من الجزائريين مجرد دعاية جديدة ضمن سياق « البروباغندا » التي اعتادها النظام.

ردود أفعال ساخرة

أثارت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال الجلسات الوطنية للسينما موجة غضب وسخرية عارمة بين الجزائريين، الذين عبّروا عن استيائهم مما وصفوه بالانفصال عن الواقع المعيشي في البلاد.

على منصة فيسبوك، علق المواطن منير حمدي بنبرة حادة قائلا: « لو كنتَ لست بحاجة لأحد لما كنتَ تستورد كل ما تأكل وتشرب وتلبس من دول أوروبا.. دول بحجم بلدية أو ولاية في بلدك... البروباغندا الزائفة لا تبني الأوطان والزّوخ بالفارغ لا يحرر البلدان ». تعبير حمدي يعكس خيبة أمل الجزائريين إزاء الخطاب الرسمي الذي يتجاهل الاعتماد الكبير على الواردات الأجنبية، خاصة من أوروبا.

وتساءل ياسين أبزار بتهكم: « يعني كل شيء في الجزائر على ما يرام ولم يبق سوى السينما؟ ». التعليق يشير إلى شعور عام بأن أولويات الحكومة ليست متوافقة مع احتياجات المواطنين، وسط أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة.

من جهتها، سخرت المواطنة ميمي علي من حديث تبون عن السينما قائلة: « أنت لا تتقن غير السينما.. لقد أضحكت فينا العالم ». هذا التعليق يعكس انتقادات واسعة لأسلوب الخطاب السياسي الذي يراه البعض مجرد استعراض دون حلول حقيقية للأزمات.

أما توفيق توفيق، فقد وضع يده على جرح غائر في المجتمع الجزائري وهو استمرار نزيف الهجرة السرية، معتبرا إياه دليلا على فشل السياسات الحكومية: « الشيء الوحيد الذي يسير في تصاعد في الجزائر هو أعداد الجزائريين الذين يهربون يوميا من البلاد عبر قوارب الموت ».

وتُظهر هذه التعليقات حجم الاستياء الشعبي من تصريحات تبون التي بدت منفصلة عن الواقع اليومي للجزائريين، الذين يكافحون ضد غلاء المعيشة، البطالة، والطوابير للحصول على مواد أساسية. كما تكشف عن تصاعد النقد الموجه للسياسات الرسمية التي يعتبرها البعض بعيدة عن معالجة التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.

السينما الجزائرية بلغة الأرقام

بالرغم من الخطابات الطموحة للرئيس تبون، تكشف الأرقام عن واقع متواضع للسينما الجزائرية. فوفقا لتقارير صادرة عن المركز الجزائري لتطوير السينما، لم يتجاوز عدد الأفلام المنتجة في الجزائر خلال العقد الأخير 20 فيلما طويلا، معتمدة في غالبيتها على تمويل حكومي محدود.

وتشير الإحصائيات إلى أن عدد قاعات السينما في الجزائر تقلص من أكثر من 400 قاعة في السبعينيات إلى أقل من 50 قاعة عاملة حالياً، كثير منها في حالة مهترئة.

أما على مستوى الحضور الدولي، فلم تتمكن السينما الجزائرية سوى من تسجيل مشاركة متواضعة في المهرجانات الكبرى، حيث لم تحقق أعمالها أصداء واسعة باستثناء بعض الإنتاجات الفردية المدعومة من جهات أجنبية.

وهكذا تكشف هذه الأرقام عن الفجوة بين الخطاب الرسمي والتحديات الحقيقية التي تواجه القطاع.

رسائل متناقضة

أظهر خطاب تبون خلال مناسبة سينمائية تناقضا صارخا بين محاولاته لإبراز صورة الجزائر كدولة « مستقلة ومزدهرة »، والواقع المزري الذي يعيشه المواطنون يوميا.

وهكذا، يبدو أن السينما، بالنسبة لتبون، ليست مجرد وسيلة إبداعية، بل منصة أخرى لاستعراض « القوة ورد الاعتبار »، حتى وإن كان ذلك على حساب الواقع المؤلم الذي لا يمكن إخفاؤه بالوعود أو الشعارات.

تحرير من طرف ميلود الشلح
في 21/01/2025 على الساعة 07:00