أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية يوم 28 يوليوز 2024 عن إحباط محاولات هجرة غير شرعية بالسواحل الوطنية، حيث جرى توقيف 189 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع كانوا بصدد الهجرة السرية نحو الضفة الأخرى من المتوسط.
وأكد بيان وزارة الدفاع الوطني أنه خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 23 يوليوز الجاري، بلغ عدد المهاجرين الموقوفين 268، بعدما تمكن حراس السواحل الجزائرية من إحباط محاولات للهجرة غير الشرعية بالسواحل الوطنية.
ليس من الغريب أن تتصادف هذه الفترة، التي استفحلت فيها هجرة الجزائريين من بلادهم، مع فترة الإعلان عن المرشحين للانتخابات الرئاسية الجزائرية. فبإعلان « السلطة المستقلة للانتخابات » عن قبول ملف ترشح الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون لعهدة ثانية، الأسبوع الماضي، تبين لكل مواطن في قلبه بصيص أمل في تغير أوضاع العباد في تلك البلاد أن « حلمه » لم يكن سوى سرابا، وهكذا لم يكن مفاجئا أن تسارع مجموعات من الشباب والنساء وحتى القاصرين لامتطاء قوارب الموت هربا من الوضعية المزرية والأزمة التي يتخبط فيها فئات واسعة من المجتمع الجزائري.
تكتل جزائري يدق ناقوس الخطر
دق التكتل الجزائري للمجتمع المدني وحقوق الإنسان ناقوس الخطر، محذراً من خطورة ظاهرة الهجرة السرية المتفاقمة، التي أصبحت تهدد حياة الشباب وتعرضهم لمخاطر الموت أو الاتجار بالبشر.
وأشار المكتب في بيان له إلى انتشار فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر شبانا وقاصرين ونساء يركبون قوارب الموت في محاولة للوصول إلى أوروبا، داعيا السلطات إلى « تدخل عاجل لإنقاذ ما تبقى من الشباب ».
لماذا يهرب الجزائريون من بلادهم؟
تشير تقارير منظمات حقوقية إلى أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالجزائر ليست وليدة الفقر وحده، بل تتعدد الأسباب وتشمل البطالة، وانخفاض الأجور، وارتفاع مستويات المعيشة، وانعدام الفرص المتكافئة، وانتشار الواسطة والمحسوبية.
وعدد التكتل الجزائري للمجتمع المدني وحقوق الإنسان أسباب الهجرة غير الشرعية في الجزائر، مؤكدا أنها تتنوع بين الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إقرأ أيضا : الجزائر: في خضم مناخ من القمع.. العطش يصل إلى الساحل ويضرب بجاية عاصمة القبائل
من بين هذه الأسباب، حسب هذه المنظمة الحقوقية:
1. البطالة: يعاني الشباب من قلة فرص العمل وانخفاض الأجور، ما يدفعهم للبحث عن فرص أفضل خارج البلاد.
2. ارتفاع مستوى المعيشة: يقابل انخفاض الأجور ومستويات المعيشة ارتفاعاً كبيراً في تكلفة الحياة، ما يزيد من معاناة الشباب ويجعلهم يفقدون الأمل في المستقبل.
3. عدم وجود مشاريع قوية: يفتقر الشباب إلى مشاريع تنموية يمكنهم الالتفاف حولها، ما يجعلهم يشعرون بعدم الجدوى والبقاء في البلاد.
4. الوساطة والمحسوبية: انتشار هذه الظواهر يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية وفقدان الشباب للثقة في إمكانية الحصول على فرص عمل بناءً على الكفاءة.
5. البيروقراطية والتوظيف المباشر: تعقد الإجراءات البيروقراطية وانتشار التوظيف المباشر يعقدان من فرص الشباب في الحصول على عمل مناسب.
الأكيد أن هذه العوامل المفصلة أعلاه إذا اجتمعت فإنها تؤدي إلى فقدان الشباب للأمل في إيجاد فرص عمل تضمن لهم حياة كريمة في وطنهم، وتدفعهم بالتالي إلى المخاطرة بأرواحهم بحثا عن الحياة المنشودة في الضفة الأخرى، لكن ما السبب الحقيقي الذي يدفع الجزائريين إلى الهرب من بلادهم؟
في استفتاء أجرته صفحة فيسبوكية جزائرية حول « أسباب استفحال ظاهرة الهجرة السرية بكثرة هذه الأيام »، رد غالبية المعلقين بشكل جازم بأن السبب يكمن في « العهدة الثانية »، في إشارة واضحة إلى السخط العارم لغالبية الشعب الجزائري إزاء ترشح الرئيس المنتهية ولايته لولاية ثانية، وبالتالي فقدانهم الأمل في المستقبل في ظل « العهدة السادسة » لنظام العسكر.
فئة أخرى من الجزائريين اعتبرت أن السبب يكمن في « غياب العدالة في الجزائر الجديدة »، بينما أشار آخرون إلى تفشي « البطالة » وانخفاض قيمة الأجور في ظل ارتفاع مستويات المعيشة بسبب التضخم والغلاء، إضافة إلى انعدام الفرص المتكافئة وانتشار الواسطة والمحسوبية.
صفحة فيسبوكية أخرى تساءلت حول سبب إقبال الجزائريين على « الحرقة » (أي الهجرة السرية) عبر القارب السريع على الرغم من ارتفاع السعر إلى 120 مليون سنتيم؟ وهو تساؤل استنكاري حاول صاحبه أن يسخر من الذين يدفعون هذا المبلغ للمخاطرة بحياتهم في مغامرة غير محسوبة العواقب، غير أن جل الردود أكدت أن هذا المبلغ، وإن كان يبدو باهظا، إلا أن قيمته لم تعد تساوي شيئا في بلد « القوة الضاربة »، الذي يعاني من صعوبات اقتصادية واجتماعية حادة.
وصفة تبون للقضاء على الهجرة السرية
تتعامل السلطات الجزائرية بحساسية شديدة مع قضية الهجرة السرية، حيث ترى أن التركيز على هذه القضية يصرف النظر عن « النجاحات » التي تحققت في البلاد.
ويركز الخطاب الرسمي على إبراز « فرص نجاح » كثيرة للشباب الذين أطلقوا مؤسسات خاصة بهم في الجزائر، مما يغنيهم عن المخاطرة بأنفسهم في البحر.
وسبق للرئيس الحالي عبد المجيد تبون، في بداية ولايته عام 2020، أن اقترح تنظيم رحلات لفائدة شباب جزائريين إلى أوروبا، بالتعاون مع بعض بلدانها، وذلك لكي يمكنهم من التأكد بأنفسهم بأن « مستقبلهم يكمن في بلدهم الجزائر ». وادعى تبون وقتها أن العيش في الغرب « بات صعباً والاستقرار في بلدانه لم يعد متاحاً بسهولة ».
ولا يبدو أن هذا المقترح التبوني قد أقنع الجزائريين في التغاضي عن الهجرة، لأن أعداد المهاجرين السريين من الشواطئ الجزائرية ظلت في ازدياد متواصل منذ ذلك الوقت، حسب ما ترصده أرقام منظمة « كاميناندو فرونتيراس » الحقوقية الإسبانية.
أما فرنسا فقد أعلنت مطلع سنة 2024 أنها رحّلت أكثر من 2500 جزائري عام 2023، بسبب أوضاعهم غير القانونية، مؤكدة أن عدد الجزائريين الذي صدرت في حقهم قرارات بالأبعاد ازداد بنسبة 36 في المائة منذ 2022 (انتقل من 1882 إلى 2562).
وكانت قنصليات الجزائر بفرنسا قد تحفظت عام 2022 على طلب من الداخلية الفرنسية إصدار تصاريح قنصلية لمئات المهاجرين الجزائريين غير النظاميين، تمهيداً لطردهم من البلاد. وفي رد فعل على ذلك، قلّصت فرنسا حصة التأشيرات للجزائريين إلى النصف.
إن استمرار الشباب الجزائري في الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا يعكس حالة اليأس والإحباط التي يعيشونها، في ظل غياب الأمل في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، على الأقل في ظل إمساك الجنرالات العجزة بزمام الأمور.