وفي الوقت الذي انشغلت فيه وسائل الإعلام الجزائرية بتقديم دروس في الإنسانية للسلطات المغربية واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان ضد المهاجرين عند السياج الحدودي بين الفنيدق وسبتة، فإنها اختارت أن تمارس التعتيم على المأساة التي وقعت داخل ملعب «علي لابوانت»، حيث أقدمت قوات الدرك الوطني – المعروفة بتبعيتها المباشرة للجيش – على قمع جماهير مولودية الجزائر بشكل عنيف.
وهكذا فقد اكتفت أبواق الإعلام الرسمي بمحاولة تبرئة الأجهزة الأمنية من مسؤولية ما حدث، من خلال ترويج رواية رسمية تبرر تدخل الدرك ضد المشجعين بإثارتهم للفوضى وعدم احترامهم للروح الرياضية، متجاهلة الأسباب الحقيقية وراء التدخل.
السوشلميديا تفضح المجزرة
في ظل التعتيم الإعلامي لما وقع داخل معلب علي لابوانت، شكلت مواقع التواصل الاجتماعي الملاذ بالنسبة للجزائريين الراغبين في فضح الحقائق المسكوت عنها.
الناشط الجزائري المعارض شوقي بن زهرة كان من أوائل من كشف الأسباب الحقيقية لتدخل قوات الدرك، حيث أكد أن الجماهير رفعت شعارات تُندد بالوضع الإنساني المتدهور في الجزائر رغم ثرواتها النفطية والغازية.
بن زهرة قام بنشر مجموعة من الفيديوهات التي توثق الاعتداءات الوحشية التي تعرض لها مشجعو مولودية الجزائر، ما أثار استياء الجزائريين من تناقض النظام، الذي يبدو منشغلا بنشر الأكاذيب حول المغرب، في الوقت الذي يمارس فيه هو القمع في حق شعبه.
النظام الجزائري وهاجس التجمعات
هذه الأحداث جاءت لتؤكد هشاشة النظام الجزائري، الذي لجأ منذ أشهر إلى قمع كل أشكال الاحتجاجات والتجمعات. وبعد أن نجح في إسكات الأصوات المعارضة داخل السجون أو إجبارها على الهروب إلى الخارج، بات النظام يخشى حتى التجمعات الرياضية، التي يرى فيها فرصا لتفجر مظاهرات تطالب برحيله.
وهكذا، فبعد شهور طويلة من منع جميع الأنشطة الثقافية والرياضية، جاءت أحداث علي لابوانت لتؤكد مخاوف النظام الدكتاتوري الغارق في حب السلطة، الذي بات يرتعد حتى من مجرد سماع شعارات سلمية تطالب برحيله.
ملعب علي لابوانت.. من جوهرة إلى لعنة
تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مع الأحداث في ملعب « علي لابوانت »، معتبرين أن هذا الملعب، الذي افتتحه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في عام 2023 بعد عشر سنوات من أشغال «التشييد والبناء»، قد أصبح « منحوسا »، بسبب م شهده من عنف وفوضى في أول حدث رياضي كبير يُقام على أرضيته.
ورغم تحضيرات المشجعين المسبقة لهذه المباراة، والتي شملت رفع « تيفوهات » وشعارات حماسية، فإن التنظيم الضعيف وسوء الإدارة أدى إلى حدوث تدافعات ومشاجرات. وتم تداول صور صادمة على مواقع التواصل تُظهر قسوة قوات الدرك في التعامل مع الجماهير، حيث تحول الملعب إلى ساحة حرب حقيقية، نقل على إثرها العشرات من المصابين إلى المستشفيات.
مطالبات بالتحقيق والمحاسبة
أمام هذا الوضع الكارثي، تزايدت الدعوات لفتح تحقيق رسمي في الحادثة ومحاسبة المتورطين. فالتجاهل الإعلامي الرسمي ومحاولة تغطية الحقيقة لن يكونا كافيين لإخفاء ما حدث، خصوصا مع انتشار الصور والفيديوهات التي توثق لحظات العنف والاعتداء على جماهير كانت تسعى فقط للاستمتاع بمباراة كرة قدم.
هذه الأحداث تُظهر أن النظام الجزائري يواجه أزمة ثقة كبيرة مع شعبه، حيث بات يخشى أي تجمع شعبي مهما كان هدفه أو طبيعته، ما يعكس هشاشة النظام وقابليته للانهيار أمام أي تحرك شعبي معارض.