لم يكن غياب تبون عن قمة الرياض سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التناقضات التي تعكس ازدواجية مواقف النظام الجزائري. وللتغطية على هذا الغياب غير المفهوم لتبون، الذي طالما ادعى بأنه لن يتخلى عن دعم القضية الفلسطينية، سارعت أبواق النظام العسكري إلى تضخيم خطاب الرئيس الغائب، ومنحه أهمية لا يستحقها، مثل جريدة «الشروق» التي ادعت أن «كلمة الرئيس تبون أهم ما قيل في قمة الرياض».
شعارات فارغة
استنكر مواطنون جزائريون غياب تبون عن الحضور، خاصة وأنه كان قد أبدى في مناسبات سابقة مواقف متشددة من أجل « تحرير » فلسطين، حين دعا مصر إلى فتح الحدود مع غزة، وهو الأمر الذي لم يخرج من دائرة الشعارات الفارغة.
لماذا يغيب الرئيس عن قمة تهدف لدعم فلسطين؟ تساءل الجزائريون عن ازدواجية النظام الذي يشيد في الداخل بمساندته للقضية، بينما يتخلف قائده عن الحضور الفعلي عندما يجتمع القادة لدعم الشعب الفلسطيني.
تناقضات الخطاب والممارسة
من المفارقات الصارخة، أن نظام الجزائر، الذي يعتبر نفسه « بطلا » في الدفاع عن فلسطين، يمنع التظاهرات والمسيرات الشعبية المساندة للقضية على أراضيها، وكأن النظام يخشى أن تخرج القضية الفلسطينية عن سيطرته الدعائية.
بل الأدهى من ذلك، أن الجزائر دعت أمس مجلس الأمن الدولي لعقد جلسة حول « المجاعة في شمال غزة »، حيث يتبنى النظام خطابا إنسانيا حول حماية المدنيين في مناطق النزاع الخارجية، بينما يغض الطرف عن الانتهاكات داخل حدوده، حيث يعيش الآلاف من الصحراويين في ظروف إنسانية مزرية، محرومين من حقوقهم الأساسية.
ويعتبر هذا النفاق أحد أبرز التناقضات التي تميز سياسة الجزائر الخارجية، فالنظام الجزائري يُبرز نفسه كمدافع عن حقوق الفلسطينيين، لكنه في الوقت ذاته، يتجاهل معاناة الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف، الذين يعيشون تحت سيطرة ميليشيات مسلحة مدعومة من النظام، وتُستخدم معاناتهم كأداة للضغط واستدرار المساعدات من المنظمات الدولية.
نفاق سياسي تحت غطاء التضامن
إن ازدواجية الجزائر في التعامل مع القضايا الإنسانية تجعل تضامنها مع الشعب الفلسطيني شكلا من أشكال الشعارات الجوفاء. يستخدم النظام الجزائري القضية الفلسطينية كوسيلة لتحقيق مصالحه السياسية، بينما تغيب مصداقيته على الساحة الدولية عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. فالتضامن الذي يظهره النظام تجاه غزة ولبنان ما هو إلا ستار يحجب خلفه حقيقة ممارساته القمعية واستغلاله للمعاناة الإنسانية على أراضيه.
ويبقى « تضامن » النظام الجزائري مع فلسطين ولبنان مجرد شعار يخدم أهدافه السياسية الضيقة، بينما يتنكر لحقوق الصحراويين المحتجزين في تندوف. ويعكس هذا النفاق استغلال النظام العسكري المستولي على السلطة في الجزائر للقضية الفلسطينية كستار يحجب وراءه تعاميا عن معاناة الصحراويين، وضربا عرض الحائط بمبادئ حقوق الإنسان.