الاستثمار الأجنبي المباشر: 11 دولة إفريقية تحصد تدفقات سلبية خلال 2023

أشغال

في 07/07/2024 على الساعة 20:34

تثير أرقام تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السلبية للعديد من البلدان الإفريقية في عام 2023 تساؤلات حول مغزاها وآثارها. وبعيدا عن الجانب التقني، فإن هذه الأرقام الواردة في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية تطرح إشكالية قدرة هذه البلدان على الحفاظ على جاذبيتها على المدى الطويل. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الأمر؟

في عام 2023، أظهرت إحدى عشرة دولة إفريقية تدفقات استثمارية مباشرة خارجة سلبية أو «الاستثمار السلبي» وفقا لتقرير الاستثمار العالمي لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لسنة 2024، يفرض تحليل هذه التدفقات قراءة متأنية ودقيقة. ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو مثيرة للقلق للوهلة الأولى، إلا أنها تخفي حقائق متعددة ومعقدة، وتجمع بين القضايا المحاسباتية والظرفية والبنيوية والتحديات السياسية الخاصة بكل بلد.

وتكشف حالتا جنوب إفريقيا وناميبيا، المرتبتان الأولى والثانية على التوالي في هذا الترتيب، بتدفقات استثمارية خارجة تبلغ ناقص 2.8 مليار دولار وناقص 310 ملايين دولار، مدى تعقيد هذه الظاهرة. فجنوب إفريقيا، التي تعد مركزا ماليا إقليميا، تحتضن العديد من الشركات متعددة الجنسيات حيث تتواجد مقراتها الجهوية هناك. وتؤدي الحركات المحاسباتية المرتبطة بإعادة هيكلة هذه المجموعات تلقائيا إلى توليد تدفقات خارجة سلبية.

وتقوم الشركات المتعددة الجنسيات المقيمة هناك بتنفيذ عمليات تقوية وإعادة هيكلة لأصولها في الخارج، مما يؤدي بشكل آلي إلى توليد تدفقات خارجة سلبية في إحصائيات البلاد. ويعكس هذا المؤشر إلى حد كبير انسحاب المستثمرين وانخفاضا كبيرا في الأنشطة الإنتاجية المحلية.

وتسلط الخرجة الأخيرة للخبراء الاقتصاديين في جنوب إفريقيا الضوء على هذا الواقع المثير للقلق في جنوب إفريقيا. وعبروا عن أسفهم قائلين: «بعض الشركات العالمية العملاقة مثل توتال إنيرجي وأنجلو أمريكان قررت سحب استثماراتها من مجال المناجم والغاز والنفط في البلاد لصالح وجهات تعد أكثر جاذبية مثل ناميبيا وموزمبيق». ووجه الاقتصاديون في جنوب إفريقيا أصابع الاتهام إلى مناخ الأعمال السيئ، والبيروقراطية، واللامبالاة السياسية، والتأخير الإداري المزمن للحكومة.

إن هروب الاستثمار الأجنبي المباشر يضعف اقتصاد جنوب إفريقيا ويؤكد على الحاجة الملحة للإصلاحات الهيكلية الطموحة. وهو تنبيه للسلطات المطالبة باستعادة بيئة مواتية للاستثمارات من خلال إجراءات ملموسة تهدف إلى تحسين الحكامة والبنيات التحتية والاستقرار الطاقي والخدمات اللوجستيكية. وأكد لومكيل موندي، الاقتصادي في «Wits Business School» قائلا: «بدون هذه الإصلاحات، هناك احتمال كبير في أن يحذو مستثمرون استراتيجيون آخرون حذوهم، على حساب التنمية الاقتصادية المستدامة».

إذا كان حجم تدفقات الاستثمار الخارج السلبي لناميبيا أقل أهمية نسبيا من جارتها جنوب إفريقيا، فإن الظاهرة هي نفسها: الحركات المحاسباتية للاستثمار السلبي وإعادة توزيع الأصول بين الشركات التابعة. ووفقا لبيان صحفي صدر في نهاية مهمة تقييم لفرق صندوق النقد الدولي في ناميبيا، نُشر في أكتوبر 2023، فإن «احتياجات ناميبيا من التمويل الخارجي تتم تغطيتها إلى حد كبير من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع المناجم والنفط واستكشاف الغاز». ويشير هذا إلى مستوى معين من الاستثمار في ناميبيا.

وينضاف إلى ذلك أن ناميبيا، مثل جارتها جنوب إفريقيا، لا تزال تظهر في القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي، بسبب أوجه القصور الاستراتيجية في أنظمة مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب تقرير الاستثمار العالمي لعام 2024 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، سجلت ناميبيا ناقص 310 ملايين دولار من تدفقات الاستثمار الخارج.

الدولة الثالثة والرابعة في الجنوب الإفريقي في هذه القائمة، حالة بوتسوانا (ناقص 38 مليونا في عام 2023 بعد ناقص 68 في عام 2020) وإسواتيني (ناقص 22 مليونا بعد زائد 60 في عام 2021) توضح حساسية الاقتصادات المعتمدة بشكل خاص على صادرات المعادن للصدمات الخارجية. إن التنويع الاقتصادي أمر بالغ الأهمية لهذه الدول.

التأثير الضار لعدم الاستقرار الأمني

تعد ليبيا (ناقص 164 مليوناً) والكاميرون (ناقص 109 مليوناً) من الأمثلة التي توضح الأثر الضار لعدم الاستقرار السياسي و/أو الأمني. ففي حالة ليبيا، فإن النزاعات، وانعدام الأمن، وغياب إطار مستقر، تساهم في هروب المستثمرين الأجانب، الذين يسحبون رؤوس أموالهم ويستثمرونها في أماكن أخرى. وهكذا، سجلت البلاد في عام 2020، ناقص 487 مليون دولار من تدفقات الاستثمار الخارج السلبي، وناقص 55 مليون دولار في عام 2021.

أما في الكاميرون (ناقص 109 ملايين دولار)، تؤدي التوترات الأمنية في بعض المناطق، ولا سيما في المناطق «الناطقة باللغة الإنجليزية» والتي تعاني من تهديد الجماعات المسلحة، إلى الحؤول دون تدفق الاستثمارات الأجنبية. إن المخاطر العالية تدفع بعض المستثمرين إلى الرحيل.

وفي هذه السياقات المتسمة بالأزمات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية، فإن ثقة المستثمرين الأجانب تهتز. إن تخوفهم من الاستثمار أو الاحتفاظ به يؤدي إلى تدفقات استثمارية خارجة سلبية كبيرة.

وبالنسبة لهذه البلدان، فإن الحل لعكس هذا التوجه واستعادة جاذبيتها للمستثمرين الأجانب يكمن في استعادة الاستقرار، سواء على المستوى الأمني أو السياسي أو الماكرواقتصادي. إن وجود بيئة آمنة أمر ضروري لطمأنة المستثمرين وتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.

كما أن العوامل الداخلية تؤثر بشكل كبير كما هو الحال في الطوغو (ناقص 60 مليون دولار) حيث لا تزال بيئة الأعمال صعبة على الرغم من جهود الإصلاح. وهو ما يستدعي ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية في البلاد.

حساسية المستثمرين الأفارقة للصدمات

إلى جانب هذه الجوانب المحاسباتية والظرفية، يكشف تحليل تدفقات الاستثمار الخارج السلبي من البلدان الإفريقية عن ديناميات مهمة للاستثمار. بداية، يعكس تقلب هذه التدفقات مدى حساسية المستثمرين الأفارقة، سواء من القطاع العام أو الخاص، للصدمات. وكان لوباء كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية وأزمة الطاقة تأثير كبير على استراتيجيات التوسع الدولي لهذه الشركات الإفريقية متعددة الجنسيات، مما أجبرها على توخي الحذر.

ثانيا، تذكرنا هذه الأرقام بتحديات التمويل والولوج إلى الأسواق التي يواجهها العديد من المستثمرين الأفارقة. وغالبا ما تتركز فترات الانكماش في الاقتصادات الصغيرة ذات القدرة الاستثمارية المحدودة.

نظرة على «الدول الصغيرة»

وبالنسبة لبلدان صغيرة مثل غامبيا (ناقص مليون)، أو الرأس الأخضر (ناقص 7 مليون)، أو سان تومي وبرينسيبي (ناقص 4 مليون)، فإن الرهان بالغ الأهمية. ففي ظل الاقتصادات المتخصصة شديدة الانفتاح، فإن إغلاق أو إعادة انتشار شركة واحدة متعددة الجنسيات يكون كافيا لتوليد تدفقات خارجة سلبية. ويعد تمويل البنيات التحتية والتكامل الجهوي وتحسين مناخ الأعمال أمورا أساسية لهذه الدول التي تسعى إلى تقوية اقتصاداتها.

وتظهر المسارات الوعرة في إيسواتيني (ناقص مليونا بعد زائد 60 مليون في عام 2021) وسيشيل (ناقص 2 مليونا) تقلب التدفقات بالنسبة للبلدان الجزرية الصغيرة، المعرضة بشكل خاص للصدمات الخارجية.

وبغض النظر عن الخصوصيات، تظهر بوضوح بعض التحديات المشتركة. إن التعرض لصدمات الظرفية الدولية، والاعتماد على المواد الخام، والوزن المنخفض للغاية للقطاع الإنتاجي المحلي، كلها أمور تظهر كنقاط ضعف رئيسية على عدة مستويات.

تأثيرات يجب تنسيبها

ومع ذلك، يتعين تنسيب التدفقات السلبية. فمن ناحية، في بعض الحالات، فإنها تخفي حقائق اقتصادية إيجابية مثل تقوية الفاعلين الأفارقة في شركات جهوية. ومن ناحية أخرى، تبدو التوقعات على المدى المتوسط مطمئنة مع زيادة المشاريع الجديدة التي أعلنت عنها الشركات المتعددة الجنسيات في أفريقيا (زائد 23% من حيث العدد)، وفق ما أكده تقرير الاستثمار العالمي لسنة 2024.

كما بدأت تظهر بعض الإشارات المشجعة، مثل مرونة الاستثمارات في المعادن الحيوية والطاقات المتجددة. وهو مدعاة للأمل في الانتقال الطاقي والإنتاجي الناجح في القارة.

غير أن جاذبية أفريقيا للاستثمار الأجنبي المباشر على المدى الطويل ستعتمد على التنفيذ الأمثل للإصلاحات الطموحة الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال والحكامة والبنيات التحتية. ويمكن أن يشكل تيسير الاستثمارات من خلال التكنولوجيا الرقمية باعتبارها وسيلة لتحقيق الفعالية الإدارية وتعزيز الشفافية رافعة هامة للتحول في هذا الصدد بالنسبة للعديد من البلدان الأفريقية.

تحرير من طرف موديست كوامي
في 07/07/2024 على الساعة 20:34