وفي الوقت الذي شرعت فيه المحكمة الدستورية في دراسة الطعون التي تقدم بها المترشحان اللذان نافسا تبون على كرسي المرادية، عبد العالي حساني ويوسف أوشيش، فإن « الكابرانات » لم يطيقوا الصبر حتى إعلان النتائج النهائية من طرف القضاء الدستوري، لذلك سارعوا إلى الاحتفال بهذا « الانتصار »، الذي نسبوه كالعادة إلى أنفسهم.
هكذا إذن اتضح معنى شعار «من أجل جزائر منتصرة»، الذي رفعه مرشح العسكر خلال حملته الانتخابية، ففي قاموس العسكر لا يوجد سوى «الانتصار» أو «الانهزام». وبالنسبة لهم، فإن هذا «الانتصار» هو في الحقيقة قمع إرادة الشعب وتكريس السلطة العسكرية على حساب الديمقراطية الحقيقية.
انتصار مزعوم
في العدد 734 لمجلة الجيش لشهر شتنبر 2024، ثمنت افتتاحية المجلة ما وصفته بـ »الانتصار الجديد الذي حققته الجزائر مرة أخرى، بعد النجاح الباهر الذي ميز انتخابات الرئاسة المسبقة وانتهت بتتويج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بعهدة رئاسية ثانية ».
وعكس ما يقوله الواقع، فبينما عبر أزيد من 19 مليون ناخب جزائري عن رفضه المشاركة في الانتخابات الرئاسية، حيث قاطعوها لرفضهم المشاركة في مسرحية محسومة النهاية مسبقا، إلا أن مجلة الجيش ادعت أن « الشعب الجزائري قال الكلمة الفصل بمنح صوته للرئيس لمواصلة مسار الإصلاحات العميقة والتدريجية التي باشرها خلال عهدته الأولى التي كانت حبلى بالإنجازات ». وهذا ادعاء لا يقبله المنطق لأن 5 ملايين صوت (إذا سلمنا بصحة هذا الرقم) لا يمكن أن تعكس الرغبة الحقيقية لـ19 مليون رافض.
طعون ضد تضخيم النتائج
احتج كل من عبد العالي حساني (مرشح حركة مجتمع السلم) ويوسف أوشيش (مرشح جبهة القوى الاشتراكية) لدى المحكمة الدستورية ضد ما وصفاه بـ« التلاعب » في النتائج المعلنة من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وأجمع منافسا تبون على كرسي المرادية على أن مسألة التضخيم في النتائج في عدد كبير من ولايات الوطن كانت أبرز النقاط المسجلة، ناهيك عن التضارب في الأرقام المعلنة من قبل السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والمحاضر التي وردت إليهم من المندوبيات الولائية.
وقال مدير حملة المترشح يوسف أوشيش، جمال بالول في تصريح صحفي إن محاضر التصويت التي وردت إليهم أثبتت وجود تضخيم في عدد المشاركين خاصة في الولايات التي تعد أحد معاقل « الأفافاس » على غرار العاصمة وتيزي وزو وبجاية والبويرة، قائلا: « في بعض البلديات لم تتجاوز نسبة المشاركة 8 بالمائة، لنتفاجأ بعدها بأن النسبة بلغت 65 بالمائة، وهو أمر غير مقبول ».
والأمر نفسه بالنسبة للمترشح عن حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، حيث اشتكى الحزب من وجود تجاوزات متعلقة بنسبة المشاركة في أزيد من 25 بلدية موزعة عبر ولايات الوطن، إذ صرح القيادي في الحزب بن حمدة عبد المنعم بأن مديرية الحملة سجلت تضخيما في الأصوات في ولاية غربية بلغ 7 آلاف صوت، وهو رقم ضخم، على حد تعبيره.
الجيش ينسب النجاح لنفسه
كتبت المجلة في افتتاحيتها قائلة إن الجيش الوطني الشعبي « ساهم في إنجاح هذا الموعد الانتخابي الهام من خلال تأمين العملية الانتخابية وتوفير جميع الظروف الملائمة »، والحقيقة أن النجاح الذي حققه ليس سوى في رفع نسبة المصوتين من عناصر الجيش وأسرهم، في ظل مقاطعة المدنيين للعملية برمتها.
وكالعادة، فإن المؤسسة العسكرية لا تفوت الفرصة دون أن تمن على الجزائريين من خلال التبجح بأن « السلم الذي ينعم به وطننا » هو بفضل تولي العسكر للحكم في البلاد، وهي محاولة دنيئة لإقناع المواطن بأن مستقبل البلاد والعباد هي في يد الجيش الذي لا يتورع في تذكير المواطن بفزاعة العشرية السوداء، التي لم يكن وراءها سوى الجنرالات أنفسهم الذين يستولون على السلطة اليوم.
استعادة الثقة؟
من بين المزاعم التي وردت في افتتاحية مجلة الجيش، الحديث عن « استعادة الشعب الجزائري ثقته في مؤسسات الدولة ». هذا الادعاء يتناقض مع الأرقام والمواقف الشعبية، حيث تظهر النتائج المزيفة والتلاعبات الانتخابية حجم انعدام الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، بل ورفضها من قبل نسبة كبيرة من الجزائريين. فعن أي ثقة تتحدثون والنتائج -على علتها- تفضح ادعاءكم؟
إقرأ أيضا : غضب شعبي في الجزائر.. النظام في مواجهة الانتقادات بعد تزوير الانتخابات
الجيش يسرق الكلمة من تبون
القارئ لهاته الافتتاحية سيختلط عليه الأمر بسبب تداخل مجال اختصاص كل من المؤسسة العسكرية ومؤسسة رئاسة الجمهورية، إذ يجد القارئ أن المجلة الناطقة باسم الجيش، الذي من المفترض أن يكون مؤسسة محايدة، تدخل في اختصاص الرئيس، بل تتحدث نيابة عنه، إذ تجاوزت المجلة اختصاصها العسكري إلى الوعود بتحقيق « إنجازات نوعية » في المجالات كافة خلال ولاية تبون الثانية، واصفة الجزائر بأنها « دولة صاعدة » رغم الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها.
في ختام الافتتاحية، أكدت مجلة الجيش على الدور المحوري للجيش الوطني الشعبي، معتبرة أن « التقدم » الذي تشهده الجزائر هو بفضل « الإرادة الحقيقية » للجيش، ما يعكس إصرار الجنرالات على الاستمرار في السيطرة على المشهد السياسي الجزائري، مهما كانت إرادة الشعب.
إن احتفالات قادة الجيش الجزائري بفوز تبون في الانتخابات ما هي إلا استعراض للقوة ومحاولة لإخفاء الواقع المرير الذي يعيشه الشعب. فالنتائج المعلنة لا تعكس سوى إرادة فئة قليلة من النظام، بينما يستمر ملايين الجزائريين في رفضهم لهذا التلاعب الصارخ بإرادتهم. ومع استمرار التلاعب بالحقائق وتضخيم النجاحات الوهمية، يبقى مستقبل الجزائر رهينًا بإرادة الجنرالات، الذين يحتفلون بانتصارهم على الشعب بدلا من خدمته.