وهكذا أطلق تبون، الذي يبدو أنه لا يتحكم في لسانه حين يكون تحت تأثير الدهشة أمام الكاميرات والميكروفونات، العنان من جديد للكثير من الوعود الضخمة، التي يدرك يقينا حتى مناصروه بأنها لن تتحقق بسبب استحالتها، ولأنه سبق أن رددها خلال الحملة الانتخابية للعهدة الأولى ولم يلتزم بإنجازها.
أول قنبلة فارغة اختار أن يخدر بها الآلاف الذين تم حشدهم لينشطوا تجمعه الشعبي يوم الأحد 25 غشت بوهران، هي ادعاؤه بأنه سيوفر، إذا تم انتخابه لعهدة رئاسية ثانية، 450 ألف منصب شغل، مع زيادة الأجور لجميع الفئات، وإتاحة الاستفادة من السكن لفائدة الشباب. كما ادعى بالقضاء على الكثير من الأزمات التي يتخبط فيها الشعب الجزائري كالماء والغداء والبطالة والسكن.. ووعد بتوزيع الثروة على كل الجزائريين.
تبون يتحدث عن أزمة الماء فيباغته العطش
خلال حديث تبون عن أزمة المياه، التي يعترف بنفسه بأنها ضربت الكثير من الولايات الجزائرية، وعد مرشح العسكر أنصاره في وهران بأن مشكلتهم مع الانقطاعات المتوالية للمياه « ستحل نهائيا » من خلال ضخ 300 ألف متر مكعب مع متم ديسمبر المقبل، أي بعد فوزه بالعهدة الثانية.
وفي لحظة غير محسوبة، وبينما كان تبون يتحدث عن أزمة المياه، وجد نفسه مضطرًا للتوقف عن الكلام ليشرب من قنينة ماء موضوعة أمامه. وبطريقة لا تخلو من الفكاهة، علق قائلاً: « ملي هضرت على الماء عطشت ». هذا المشهد الطريف قد يبدو عاديًا في سياق آخر، لكنه في هذا التجمع كان محرجًا للغاية، خاصة في ظل الأزمة المائية التي يعاني منها الملايين من الجزائريين. وقد دفع هذا المشهد فريق الحملة الانتخابية لتبون إلى حذف اللقطة من مقاطع الفيديو التي بثتها عبر منصاتها الرسمية، خوفًا من استفزاز مشاعر المواطنين الذين يفتقرون إلى أبسط حقوقهم في الحصول على ماء صالح للشرب.
مشروع الربط بين السدود: حل عبقري أم كذبة كبيرة؟
« قضية المياه.. كونوا مرتاحين، راها الشغل الشاغل نتاعي »، هكذا حاول تبون طمأنة المواطنين الذين أنهكهم العطش. وحتى يبعد مسؤولية السياسات الفاشلة للدولة في وقوع هاته الأزمة، فقد ربط وقوعها بـ« القدر » و »المشيئة الإلاهية »، ولكن رغم ذلك فإن تبون لا يعدم الحلول المناسبة لهاته الأزمات الصعبة، ما دام الأمر يتعلق فقط بإطلاق وعود يعرف هو نفسه أنها صعبة التحقيق.
من بين « الأفكار العبقرية » التي قدمها تبون لحل أزمة المياه، فكرة ربط السدود ببعضها البعض لنقل المياه من المناطق التي تشهد تساقطات مطرية إلى تلك التي تعاني من الجفاف.
وأمام تصفيقات الجماهير المندهشة من هذه « الفكرة العبقرية »، استطرد تبون الذي أخذته الحماسة ليضيف: « هذا المشروع الضخم لن تقدر عليه سوى الجزائر وحدها »!
إقرأ أيضا : النظام الجزائري يلجأ إلى استغلال منابر المساجد لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات
ورغم أن هذه الفكرة، التي يبدو أنها خطرت على بال تبون فجأة، قد تبدو منطقية للوهلة الأولى، إلا أنها تفتقر إلى الواقعية. فمثل هذا المشروع الضخم يتطلب تخطيطًا طويل الأمد واستثمارات هائلة، وهو ما يفتقر إليه الاقتصاد الجزائري في الوقت الراهن.
وإلى جانب ذلك، فإن هذه الفكرة ليست جديدة على الإطلاق، ولا بد أن الرئيس وحتى النظام العسكري الذي لا يتقن غير الأكاذيب، يعلمان علم اليقين بأن جارهما الغربي، المغرب، كان سباقا إلى إنجاز عدة مشاريع ضخمة على أرض الواقع، من خلال الربط بين سدود المملكة... وهي اليوم فعلا تزود كبريات المدن بالمياه الصالحة للشرب، وهذا يؤكد بأن تصريحات تبون مجرد محاولة للتغطية على الفشل الحكومي في إدارة الموارد المائية.
إن خطاب تبون في وهران يعكس بوضوح الأزمة الحقيقية التي يعيشها النظام السياسي في الجزائر، حيث يحاول القادة، وعلى رأسهم تبون، تغطية الواقع بالوعود الفارغة والشعارات الشعبوية. لكن الحقيقة المرة هي أن الأزمات التي تواجهها الجزائر، من مياه، وبطالة، وسكن، تحتاج إلى حلول حقيقية وواقعية، وليس إلى وعود جوفاء لن ترى النور.