في الواقع لم تتلق الجزائر رسميا سوى 50 ألف جرعة من لقاح سبوتنيك-في. ويجب التشديد هناك على كلمة "رسمياً"، لأنه وفقا لعدة مصادر متطابقة، لم تتلق الجزائر سوى 35 ألف جرعة. وهي كمية كافية للوفاء بتعهد الرئاسة الجزائرية التي أرادت بأي ثمن إطلاق حملة التلقيح قبل نهاية يناير، لكن لا يمكن الحديث على الإطلاق عن بداية حقيقية لهذه الحملة.
فبعد ستة عشر يوما من إطلاقها وسط ضجة كبيرة، لا تزال نتائج هذه الحملة هزيلة للغاية. وأرقام منظمة الصحة العالمية تؤكد هذه الحقيقة. وهكذا، لم تستمر حملة التلقيح في نهاية الأمر إلا يومين فقط، أي يومي 29 و30 يناير. وحتى الآن، تم تلقيح أقل من 0.00007 في المائة من سكان الجزائر مقارنة بـ5.19 في المائة في البرتغال و5.48 في المائة في إسبانيا و4.48 في المائة في فرنسا و4.46 في المائة في المغرب.
وبالتالي، وفقا لهذا الرقم الرسمي الذي تم الحصول عليه من منظمة الصحة العالمية، استفاد حوالي 30.660 جزائريا فقط من التلقيح، بعد أكثر من أسبوعين من بدء هذه الحملة.
تم تأكيد هذا العدد المنخفض من الجرعات الفعلية التي يتم تناولها من خلال الارتباك الهائل الذي شوهد منذ البداية. ومن هنا نفهم الانتقادات الواسعة في أوساط المهنيين الصحيين لهذا الارتباك الحاصل، وكانت أكثر تلك الانتقادات ضراوة هي تلك الصادرة عن البروفيسور البارز كمال بوزيد، رئيس قسم الأورام السرطانية في مركز بيير-ماري كوري في الجزائر العاصمة.
ففي حوار مع الموقع الإخباري "TSA"، يوم 7 فبراير 2021، احتج كريم بوزيد، قائلا: "لقد تلقينا 25 جرعة. إنه رقم تافه. هناك 1500 موظف. تلقى المستشفى الجامعي مصطفى باشا (وهو أكبر مستشفى في الجزائر) 700 جرعة بينما يعمل هناك 5000 شخص. وأنا أتحدث فقط عن المستشفيات التي أعرفها! من الناحية النظرية، فإن الأطقم الطبية لها الأولوية".
السؤال الذي يطرحه الجزائريون على أنفسهم هو ما إذا كانت ستكون هناك جرعات أخرى على الأقل تمكن من تلقيح الأشخاص المتواجدين في الصفوف الأمامية، أي الأطباء، ولكن أيضا الفئات الهشة من السكان، أي الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما والذين يعانون من أمراض مزمنة.
ولكن انتظار لقاح سبوتنيك-في هو ربما مغامرة بحياة السكان، ليس لأن هذا اللقاح غير موثوق به، ولكن قبل كل شيء لأن سفير موسكو فضل قول الحقيقة لأصدقائه الجزائريين، بدلا من بيع الوهم لهم.
وبحسب صحيفة "الوطن" الجزائرية، أوضح إيغور بيلييف أن هناك طلب مكثف على اللقاح لدرجة أنه لم يكن متأكدا من أن الجزائر ستكون قادرة على تلقي طلبيتها الكاملة المكونة من 500 ألف جرعة من اللقاح. ثم اقترح على السلطات الجزائرية صنع اللقاحات بنفسها.
طريقة دبلوماسية للغاية ليقول لهم إن إصرارهم لن يجدي؟ هذا ممكن جدا. على أي حال، فهمت السلطات الجزائرية الرسالة. في اليوم التالي لوصول 500 ألف جرعة لقاح رسميا، لم تتحدث السلطات الجزائرية بعد الآن عن أي رحلة جوية جديدة إلى موسكو من أجل جلب ما تبقى من الجرعات 500 ألف المتبقية. بل سارعت تلك السلطات إلى القيام بحملة دعائية ليقولوا إن الجزائر ستصنع لقاح سبوتنيك-في بنفسها، بينما تقوم في نفس الوقت باستجداء الصين من أجل الحصول على لقاحها.
إلا أن الصين ليست مقرضا جيدا، على حد تعبير الشاعر الشهير. ووعدت الدولة الشيوعية بإعطاء جرعات من اللقاح، دون تحديد الكمية أو حتى موعد التسليم.
إن الواقع مروع بالنسبة للجزائر الذي يكف عن الادعاء بأنه قوة إقليمية ودولة نفطية غنية للغاية. إن حملة التلقيح تعطي صورة عن التدبير غير المسؤول للوباء. فضل النظام الابتعاد عن اختبارات بي سي إر، وهي الوحيدة المعترف بها على أنها موثوقة للتعرف المبكر على مرضى كوفيد-19. عندما كافحت جميع البلدان من أجل الحصول على وسائل الحماية، استنكر العاملون الصحيون الجزائريون التخلي عنهم من قبل سلطات بلادهم.
"أضرب الطاقم الطبي لوحدة العناية المركزة بمستشفى فرانز فانون في البليدة لأنه لم يكن لديهم أي وسيلة للحماية". لم تكن هناك أقنعة ولا قفازات ولا غيرها من وسائل الحماية والوقاية، هذا ما نددت به خديجة بصديق، رئيسة أحد الأقسام في مستشفى فرانز فانون بالبليدة، منذ بداية الوباء على موقع فايسبوك. ومعلوم أن البليدة هي المدينة التي كانت حينها بؤرة الوباء في البلاد. وأضافت بغضب: "أين الدولة الجزائرية؟ أين وزير الصحة؟ أين الـ50 مليون كمامة يا سيادة الرئيس ؟!".
كشفت كارثة حملة التلقيح ضد كوفيد-19 الثقل القاري الحقيقي للجزائر. دولة يتباهى قادتها ويتبرعون لدول الجوار بشيء لا يملكونه، ويسعون إلى تحسين صورتهم بدلا من علاج مواطنيهم. لقد كشف كوفيد-19 عن عجز النظام عن حماية حياة الجزائريين. كما أوضح كوفيد-19 أن دعامات التفاوض الجزائرية، بما في ذلك في اتجاه الدول الصديقة مثل روسيا والصين، غير ذات أهمية. الجزائر ليست سوى سوق لهاتين القوتين.
وبينما تتابع الممثليات الأجنبية عجز النظام الجزائري، يواصل النظام العسكري حملته البغيضة ضد جاره في الغرب. ومع ذلك، سيتعين على هذا النظام أن يشرح للجزائريين كيف أن بلدا به موارد نفطية كبيرة غير قادر حتى على شراء لقاح لإنقاذ حياة مواطنيه.



