خلال استضافته في برنامج مجلة «كونفلي» (Conflits)، عقد المؤرخ مقارنة بين الطموح الاقتصادي المستقبلي لملكية تمتد جذورها لقرون طويلة والوضع الفوضوي في الجزائر، سواء من الناحية الاقتصادية أو الدبلوماسية.
قدم برنارد لوغان، مؤلف كتابي «تاريخ المغرب. من الأصول إلى يومنا هذا» ومؤخرا «الصحراء الغربية في 10 أسئلة»، وكلاهما صادر عن دار نشر إليبس (Ellipses)، رؤيته القيمة خلال البرنامج التلفزيوني لمجلة « كونفلي » حول مغرب الأمس والغد، الذي أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى ملتقى لرهانات كبرى، وذلك غداة تبني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797.
غير أن هذا التقدم الكبير في عملية تسوية النزاع حول الصحراء يثير تساؤلا جوهريا سيسعى المؤرخ للإجابة عليه خلال هذا النقاش: هل الجزائر مستعدة لطي صفحة نصف قرن من العداء تجاه المغرب والمضي قدماً نحو المستقبل في الوقت الذي يتمتع فيه جاره بتضافر للظروف يصب في صالح سباق التنمية الذي بدأه منذ فترة طويلة بفضل طموح ملكي ذي رؤية استشرافية؟
أهمية الصحراء بالنسبة للمغرب
الصحراء هي القلب النابض للعداء الذي تكنه الجزائر تجاه المغرب. ولمحاولة فهم أسباب تبلور التوترات الجزائرية حول هذه الأراضي، لا بد من استيعاب ما تمثله للمغرب. وفي رده على سؤال بهذا الخصوص، أعاد برنارد لوغان ترسيخ حقائق التاريخ بالتذكير بأن «المغرب قد تم بتره بسبب الاستعمار» من أقاليمه الجنوبية لصالح الجزائر، التي «نشأت عن طريق تقطيع أوصال المغرب».
وبالنسبة للمغرب، فإن استعادة الصحراء تعني استرجاع «جزء صغير من ترابه»، لأن برنارد لوغان يذكرنا بأن «لا ننسى أن كل الغرب الجزائري كان مغربيا». وهي حقيقة تاريخية تعد بمثابة «طابو» (ممنوع) مطلق في الجزائر، وتكلف الذين يجرؤون على التذكير بجغرافية وتاريخ المغرب الممتد لآلاف السنين، مثل الكاتب بوعلام صونصال، السجن بتهمة الخيانة العظمى.
ولكن في ضوء المستجدات الراهنة، هناك أسباب أخرى، اقتصادية وليست إقليمية بالضرورة، تفسر هذا الهوس الجزائري بقضية الصحراء. ويوضح برنارد لوغان أن استعادة الصحراء، وهي رهان كبير بالنسبة للمغرب، تعد بالفعل «نقطة أساسية في إعادة تعريف الجيوسياسية المستقبلية للمغرب»، فإذا كان من الممكن تقدير أن الدور الاقتصادي يتمركز اليوم في شمال المغرب، فإن برنارد لوغان يتطلع إلى المستقبل ويتوقع أن «القطب الاقتصادي سيتحول جزئيا وسينفتح أيضا نحو الجنوب».
ويعود السبب في ذلك إلى أن «المغرب سيكون له مستقبل مهم للغاية، لا سيما مع مشاريع خطوط أنابيب الغاز البحرية الكبرى التي ستنطلق من نيجيريا وستمر بمحاذاة الساحل الغربي لإفريقيا بأكمله لتنتهي في المغرب، بمدينة طنجة»، وفقاً لتحليل المؤرخ. وفي ضوء هذه المستجدات التي تتشكل، «هناك جيوسياسية كاملة تعيد تعريف نفسها. وعلاوة على ذلك، فإن القوى الكبرى تتخلى عن الجزائر وتتجه نحو المغرب لأنه بلد المستقبل، بينما ستدخل بلدان أخرى حقاً في فترات عصيبة».
من المغرب إلى نيجيريا.. طريق المستقبل
تُرسَم ملامح المستقبل اليوم من طنجة إلى أبوجا، بعيدا عن الجزائر العاصمة، مما يثير استياء الجزائر التي «كانت تريد بطبيعة الحال أن تعبر ثروات نيجيريا الصحراء لتصل مباشرة إلى الجزائر»، كما يوضح برنارد لوغان. لكن هذا لن يتحقق بسبب مشاكل جيوسياسية غير قابلة للحل، وتتمثل في وجود الثروات في جنوب نيجيريا على طول الواجهة الأطلسية، والتوترات في شمال البلاد الواقع تحت سيطرة جماعة بوكو حرام، فضلاً عن أن خط الأنابيب كان سيضطر أيضاً لعبور النيجر ثم الصحراء في جنوب الجزائر.
بالنسبة لبرنارد لوغان، فإن الاقتراح الذي قدمه الملك محمد السادس لنيجيريا قبل حوالي عشر سنوات هو «رائع» من أكثر من ناحية. فهو يمثل بديلاً حقيقياً، يتيح «تقريباً لجميع دول غرب إفريقيا المنتجة للنفط أو الغاز، ولكن التي لا تنتج ما يكفي لتصدير إنتاجها عبر خطوط أنابيب خاصة بها، أن ترتبط بهذا الخط»، حسب شرح لوغان.
وبالتالي، سيتم ربط تفريعات بالشبكة الرئيسية، «مما سيمكن هذا الخط العملاق من التقاط كل ثروات غرب إفريقيا»، ليبلغ في النهاية مدينة طنجة. لا يشك المؤرخ الأفريقي في أن «هذا المشروع سيحدث ثورة كاملة في الجيوسياسية للمنطقة وسيكون مصدراً للثراء لجميع الدول الساحلية بفضل الشراكة المغربية».
يتوقع برنارد لوغان أنه بفضل «المشروع المستقبلي للملك محمد السادس لإدماج المغرب في غرب إريقيا، يستعيد المغرب دوره التاريخي، ودوره كقوة ونفوذ في كل هذا الجزء من إفريقيا بفضل شراكة رابح-رابح»، واضعا هذا المشروع الملكي الكبير في مقابل «عدوانية السياسة الجزائرية».
يُضاف إلى هذا المشروع الكبير الذي هو بصدد تغيير وجه غرب إفريقيا، والذي تم التذكير به في البرنامج، إنشاء العديد من مصانع السيارات في المغرب وكذلك مصانع تجميع محركات الطائرات. ويلخص برنارد لوغان المشهد بالقول: «المغرب يعيش ازدهارا استثنائيا« .
عزلة الجزائر.. بلد في أزمة وأسير لـ«وكيل» يزداد إزعاجا
يقع بجوار هذا البلد الذي يشهد غليانا اقتصاديا، والذي يتمتع باستقرار تستمد جذوره قوّتها من ملكية ضاربة في القدم، دولة الجزائر «التي ليست دولة» والتي تصر على دعم جبهة البوليساريو. إنها «حركة انفصالية»، كما يصفها لوغان، أنشأتها إسبانيا في البداية «ثم تبنتها الجزائر التي تحملها بين ذراعيها». ويُذكر المؤرخ بأن «البوليساريو لن تكون موجودة لولا الجزائر».
في الوقت الذي أصبحت فيه سيادة المغرب على الصحراء أمرا واضحا في نظر العالم، يرى برنارد لوغان أن ومضة تاريخية صغيرة ضرورية، فيُذكّر بالأصول المغربية لـتندوف، «عاصمة» البوليساريو.
ويقول برنارد لوغان: «في عام 1962، سمحت فرنسا لجيش التحرير الوطني الجزائري بالاستقرار في تندوف، وكانت هناك بالمناسبة مجموعات من السكان انتفضت رافعة الأعلام المغربية وصور ملك المغرب». وقد انتهت هذه الثورة بحمام دم لأن «الجزائريين أطلقوا النار على الحشود وتركتهم فرنسا يفعلون ذلك».
لكن، بعد 63 عاما، تغيرت المعطيات. «الجزائر تخسر ماء وجهها و« وكيلها » يخرج عن سيطرتها». ويتابع المؤرخ: «المشكلة الكبيرة هي أن البوليساريو يدرك جيدا أنه لن ينتصر. لقد خسر وتحوّل الآن إلى تنظيم مافيوزي (...) يتسلل إلى محاور التهريب عبر الصحراء وينضم أعضاؤه إلى الجماعات الجهادية في منطقة الساحل والصحراء. بل أصبحت البوليساريو نوعا من الدولة داخل الدولة في الجزائر ولها شبكات ذات أهمية بالغة على مستوى الدولة الجزائرية».
لا يمكن تصور أي مخرج إيجابي للعلاقة بين الجزائر والبوليساريو، لأنه من الواضح بالنسبة لبرنارد لوغان أن «البوليساريو ستشكل مشكلة للجزائر في اليوم الذي ستفهم فيه البلاد أن قضية الصحراء التي تدعمها قد فُقدت، وعندها ستتساءل ماذا تفعل بالبوليساريو». لكن هذه المشكلة، ستقع مهمة حلها على عاتق الأجيال القادمة في البلاد، لأنه في الوقت الحالي، كما يذكر لوغان، لا يزال الشيبانية الجزائرية (قيادة كبار السن) تحمي صنيعتها.
إلى جانب هذه المشكلة الكبيرة التي يزداد خطرها، تضاف كارثة الاقتصاد الجزائري القائم على الريع النفطي والذي يندرج ضمن الإنتاج الأحادي دون أي تنويع. يوضح لوغان: «الجزائر لم تعد تنتج أي شيء، بل إنها مضطرة لاستيراد مركز الطماطم، وحبوب الكسكس (...) إنها تستهلك فقط».
ويتوقع أنه «في اليوم الذي سيتوقف فيه الريع النفطي بسبب تراجع حقول النفط (...) ستجد الجزائر نفسها في لحظة معينة غير قادرة على التصدير أو بالكاد، وعندها ستطرح مشكلة درامية». لأنه على عكس الأوهام الكاذبة لرئيسها عبد المجيد تبون، فإن الجزائر ليست سوى منتج صغير جداً مقارنة بالمنتجين العالميين، و«لا تنتج سوى نسبة ضئيلة من الاستهلاك الأوروبي».
في الوقت الذي حقق فيه المغرب للتو نصرا دبلوماسيا كبيرا، وفيما يتجه نزاع الصحراء نحو نهايته بعد 50 عاما من المسيرة الخضراء، هل ستختار الجزائر اليد الممدودة من الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه في 31 أكتوبر بعد تصويت مجلس الأمن الدولي؟ وهل النظام في الجزائر مستعد لهذا «الحوار الأخوي» الذي يتطلع إليه العاهل، وهل يدرك الرهان الحاسم بالنسبة للجزائر لوضع أسس علاقات جديدة اليوم؟

