تُعتبر ليلى مزيان، أحد أبرز المؤرّخين المغاربة اهتماماً بالبحر. ذلك إنّ أبحاثها العلمية غزيرة من حيث الكمّ وغنيّة من حيث النوعية. إنّ تكتب بطريقة تجعلها تُفكّر، بدل أنْ تقوم بعملية الجمع والتوثيق والوصف. غير أنّ فعل الكتابة عندنا مرحلة سابقة عن مرحلة البحث. فقبل الكتابة، تبحث صاحبة كتاب «سلا وقراصنتها» في الأرشيفات العالمية بلغاتها المختلفة من فرنسية وإسبانية وبرتغالية، عاملة على التنقيب عن كلّ ما له علاقة بالمغرب. وهذا الأمر، أعطى للمُؤرّخة ميزة خاصّة داخل البحث التاريخي المغربي. ومن خلال هذا التاريخ البحري، حاولت ليلى مزيان عبر مؤلّفاتها (باللغة الفرنسية) ومحاضراتها وندواتها في معاهد وجامعات دولية أنْ تُوسّع أفق اشتغالها، من خلال التركيز على المسار الذي قطعه البحر من اعتباره مختبراً اقتصادياً وفضاءً سياسياً إلى دعامة دبلوماسية قويّة ومُؤثّرة في بنية التاريخ المغربي الوسيط منه والحديث.
في هذا الجزء الثالث ترى مزيان بأنّ خوف المغاربة من البحر مسألة خاطئة، لأن المصادر تُظهر عكس ذلك. فالمغاربة تجمعهم علاقة كبيرة بالبحر. فقد «اتخذت هذه العلاقة أشكالا متعددة ارتبطت بالعنف البحري من خلال القرصنة ولصوصية البحر والمعارك البحرية. ورغم ذلك هناك حضور سلمي من خلال الصيد البحري. فمملحات ليكسوس كانت تعمل على تمليح السمك ويتم إرساله إلى الإمبراطورية الرومانية، وهي مجموعة من العناصر التي تُؤكّد علاقة المغاربة بالبحر».
وتعتبر الباحثة أنّ الثقافة البحرية في المغرب تتعدد وتتنوع باختلاف الأماكن «ففي الشمال المغربي دائما هنام حضور وازن للثقافة الإسبانية إلى يومنا هذا. وحين نتحدث عن منطقة الوسط نجد الثقافة البرتغالية على مستوى الأسماك والسفن». وتعتبر مزيان أنه حينما نتحدث عن ميناء الدارالبيضاء ينبغي أن نميز بين 3 مراحل. هناك آنفا الميناء الذي ظل حاضرا في مصادر العصر الوسيط وكانت له علاقات مع الموانئ الأندلسية. فهذا الميناء ينتمي إلى منطقة غنية جدا هي الشاوية التي كانت تسمى بـ«خزان الحبوب» منذ العهد الروماني » فهذا الغنى والمركزية جعلها تنسج علاقات قوية مع الموانئ المجاورة خاصّة منها الأندلسية».