ربما أغفل كتاب سيناريو مسلسل "التاج" (The Crown)، الذي بث على منصة "نيتفليكس"، حلقة مهمة من ملحمة ويندصور في نصهم. هذا ما علمناه بذهول في هذا المقتطف من ميديا برو (Media Pro)، وهو برنامج يبث على القناة الإخبارية الجزائرية العمومية (AL24 News).
وتعليقا على جنازة الملكة إليزابيث الثانية، قام "خبير" الذي حل ضيفا على البرنامج باستعراض معارفه بخصوص حياة الملكة الراحلة وتاريخ عائلتها.
وبدأ حديثه بالقول: "إليزابيث من نسل الملكة فيكتوريا". حتى الان كان كلامه عاديا. ثم واصل كلامه بكل وثوقية قائلا: "الملكة فيكتوريا (...) كانت قد زارت الجزائر في نهاية القرن التاسع عشر و(...) أتيحت لها الفرصة للذهاب إلى ضريح سيدي عبد الرحمن وكانت هي التي قدمت ثريا سيدي عبد الرحمن".
"تقول الأسطورة إنها أعربت عن أمنية عندما زارت سيدي عبد الرحمن وبعد ذلك سمح لها بالحمل (أطفال)"، بحسب ما شرحه هذا الخبير وسط حماسة منشطي البرنامج الذين سألوه ما إذا كانت الملكة فكتوريا "قد أشعلت الشموع في الضريح" و"إذا كانت هناك أي صور" تخلد هذا الحدث. "لا، في ذلك الوقت لم تكن هناك صور"، يصحح أحدهم بضحكة تنم عن الحرج... وبعد الإشارة إلى أنها لم تضئ شمعة واحدة، بل عدة شموع، أكد المؤرخ الغر أن "لدينا صور (الحدث). إذا ذهبت إلى سيدي عبد الرحمن (...) فهناك صورة للملكة فيكتوريا".
وبعدما فضل الخبير عدم "الاستمرار في الحديث عن هذا الموضوع" عندما سئل عن تاريخ هذا الحدث التاريخي للجزائر، لم يتردد المتدخل في التصريح، وكأن الأمر حقيقة ثابتة: "أعلم أنها عندما عادت إلى لندن، قررت تقديم هدية لسيدي عبد الرحمن، لأنها استطاعت الإنجاب بعد هذه الزيارة".
والمثير في الأمر أن الخبير الجزائري أكد أن "سيدي عبد الرحمن منح الملكة بركته. والعائلة المالكة في إنجلترا تعرف ذلك تمام المعرفة".
الحقيقة والباطل في الأسطورة الجزائرية
بعيدا عن هذه الأسطورة الغريبة عن ويندصور، التي قدمها بكل حماس الخبير الجزائري، فإن حقيقة زيارة الملكة فيكتوريا للجزائر أصبحت موضع تساؤل من قبل... السفارة الجزائرية في لندن.
وهكذا يمكننا أن نقرأ على الموقع الرسمي للسفارة المذكورة أن "الملك إدوارد السابع ملك إنجلترا قام بزيارة خاصة إلى الجزائر عام 1905 مع زوجته الملكة ألكسندرا. وقاموا بزيارة المدرسة وضريح سيدي عبد الرحمن في الجزائر العاصمة. يعتقد أن الملكة فيكتوريا زارت هذا الضريح في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر وأعجبت به كثيرا لدرجة أنها تبرعت بالثريات التي لا تزال موجودة به حتى اليوم".
الخبير في شؤون العائلة الملكية البريطانية اختلط عليه الأمر وخلط بين الملكة ألكسندرا، التي تظهر مع زوجها في صور أرشيفية بالقرب من ضريح سيدي عبد الرحمن، والملكة فيكتوريا، التي كانت بالمناسبة والدة الملك إدوارد السابع.
وبالتالي، إذا أردنا أن نصدق التاريخ المحتمل لوصول الملكة فيكتوريا إلى الجزائر، الذي قدمته السفارة على أنه جرى في عام 1890، فإن هذه الأسطورة الجزائرية تأخذ منحى مختلفا تماما. والسبب هو أن جميع أبناء الملك التسعة- الذين تدين لهم بالتالي لبركة سيدي عبد الرحمن- ولدوا قبل هذا التاريخ، وبالتحديد بين عامي 1840 و1857...
وفضلا عن جهلهم بالتاريخ، يبدو أن المتدخلين في هذا البرنامج التلفزي لا يعرفون سوى القليل جدا عن جسد المرأة وكيف يعمل... فالملكة فيكتوريا ولدت عام 1819، لذلك فإنها زارت الجزائر سنة 1890 وعمرها آنذاك 71 عاما.
ومع ذلك، لا ينبغي أن نلوم الخبير الذي دعته قناة الجزائر الدولية. لأنه في "الجزائر الجديدة" للثنائي تبون-شنقريحة، يتم ليّ عنق التاريخ ويتم اختراع الأساطير لإعطاء عمق تاريخي تفتقر إليه البلاد. النموذج المثالي لهذا الخبير ليس سوى عبد المجيد تبون نفسه. ففي مقابلة أذيعت يوم 10 أكتوبر 2021 على جميع قنوات التلفزيون والإذاعة الجزائرية، قال تبون دون أن يرف له جفن: "اذهبوا إلى متحف المجاهد في العاصمة الجزائرية فستجدون مسدسات قديمة كان قد أهداها الرئيس جورج واشنطن إلى الأمير عبد القادر. والحال أن جورج واشنطن توفي عام 1799 في حين أن الأمير عبد القادر ولد عام 1808 ولم يتمكن الرجلان من الالتقاء فوق الأرض.
حقا، عندما يسير الراعي في طريق الترهات، فيجب أن نكون متسامحين مع القطيع...