"بغينا الحوايج، كاين البرد والثلوج"، بهذه الكلمات التي نفذت إلى وجدان كل من شاهد الفيديو، لخص الطفل عبد السلام، وهو يرتجف من البرد، صعوبة العيش في الدوار الذي يقطن به، والذي زادته التساقطات الثلجية الكثيفة هذه السنة عزلة وهشاشة، فقد فطن هذا الطفل إلى أن التخفيف من معاناته وأبناء دواره لن يكون إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت أمامه الباب على مصراعيه لبث ندائه.
وبالفعل، كان ظن عبد السلام في محله. فلم تتأخر المساعدة في الوصول، فإلى جانب السلطات العمومية التي تعبأت لتقديم الدعم العاجل لساكنة هذه المنطقة على غرار ما تقوم به من جهود كبيرة لفك العزلة عن المناطق المحاصرة بالثلوج، بادرت العديد من جمعيات المجتمع المدني إلى الاستجابة العاجلة لنداء عبد السلام، وإطلاق حملات مكثفة لمساعدة باقي الدواوير التي تعيش نفس الواقع الصعب.
ويشكل نداء عبد السلام وغيره ممن تقطعت بهم السبل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حلا سهلا وفعالا في الآن نفسه من أجل طلب العون في أسرع وقت وعلى أوسع نطاق، حيث تكون الاستجابة فورية في الغالب.
وهو ما يبرز الأهمية التي أصبحت تكتسيها هذه الشبكات الافتراضية في المجال الاجتماعي. بدورها، أصبحت جمعيات المجتمع المدني أكثر وعيا بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي، ولاسيما فيسبوك وانستغرام، باعتبارها قنوات تواصل مجانية ومؤثرة لتعبئة المواطنين لتقديم المساعدات والمساهمة في الجهود التضامنية مع الفئات الهشة.
وفي هذا الصدد، أكدت رئيسة جمعية "يالاه نتعاونو"، نوال الفيلالي، الاهتمام الكبير الذي توليه جمعيتها لوسائل التواصل الاجتماعي، سواء من أجل الاستجابة لنداءات المواطنين في حالة عوز أو مرض، أو لتعبئة الشركات المواطنة وعموم الناس للمساهمة في الحملات التضامنية التي تنظمها الجمعية.
وأوضحت في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن جمعيتها تحرص على تأمين "تغطية إعلامية" لكل الحملات التضامنية التي تقوم بها، من خلال بث مباشر " لايف" على انستغرام خلال عمليات توزيع المساعدات وتقديم الحالات وشهادات المستفيدين بأدق تفاصيلها، حتى يكون المتبرعون متأكدين من أن مساعداتهم قد وصلت إلى الفئات المستهدفة، وكذا لتعزيز ثقتهم في الجمعية.
وأبرزت رئيسة هذه الجمعية، التي تشتغل بمنطقة شمال المملكة وتركز عملها بالخصوص على تقديم المساعدة للمرضى المحتاجين ودعم التمدرس وتقديم العون للفئات المحتاجة، أن شتاء هذه السنة قاس جدا على القاطنين في المناطق الجبلية الذين تتمثل حاجياتهم الأساسية في التدفئة والأكل والولوج إلى الخدمات الصحية.
ومما زاد من معاناة هؤلاء، تضيف نوال الفيلالي، ما خلفته جائحة كورونا من تداعيات وخيمة على العديد من المناطق القروية التي كانت تعيش على السياحة، كمناطق شفشاون ونواحيها، حيث أصبحت وضعيتها أكثر هشاشة، معبرة في المقابل عن سعادتها بالنظر لما لمسته من تجاوب في صفوف المواطنين ورغبة في المساعدة.
من جهتها، أكدت رئيسة جمعية (إنصاف)، مريم العثماني، أن جمعيتها أصبحت أكثر وعيا بالدور الذي تضطلع به وسائل التواصل الاجتماعي في تعبئة المواطنين من أجل التضامن مع الفئات المعوزة، وذلك من خلال توظيف هذه الشبكات الافتراضية عند إطلاق حملات تضامنية على غرار الحملة التي أطلقتها الجمعية، مؤخرا، لجمع الملابس الدافئة الموجهة لساكنة المناطق المتأثرة من موجة البرد القاسي.
وأعربت، في تصريح مماثل، عن أملها في أن تساهم هذه القنوات الجديدة للتواصل، سهلة الولوج والفعالة، في تيسير مهمة تحصيل المساعدات التي تعتبر "حساسة وتحتاج لجهد ووقت كبيرين".
وعبرت رئيسة الجمعية، التي يتمحور نشاطها منذ ما يقرب من عشرين سنة حول صون حقوق الأطفال وتشجيع التمدرس وتمكين الأمهات العازبات وحمايتهن من التمييز والعنف، عن ارتياحها لروح التضامن التي ما تزال سائدة داخل المجتمع المغربي، مؤكدة أن الوسائط التواصلية الحديثة لن تزيدها إلا رسوخا.