يمكن أن نجد جوابا مباشرا وبسيطا، من الوهلة الأولى، فندخل ما يجري في إطار الكر والفر الذي تعرفه معارك بيجيدي ومسؤولي التلفزيون منذ فترة ليست قصيرة.
لكن الأمر ربما أبعد من ذلك: فبيجيدي ووزير الاتصال، مصطفى الخلفي، الذي بحكم منصبه يطلع على خفايا وخبايا الاعلام العمومي، يلعب بالملفات بمنطق “البينغ بونغ” تحت قبة البرلمان بتواطئ مع برلمانيي حزبه، أو عن طريق نهج سياسة أخرى، كما حدث الأسبوع الماضي، خلال جلسة الاستماع لسليم الشيخ في لجنة التعليم والثقافة والاتصال، وهي الطريق التي يمكن أن نسميها “اضرب البردعة حتى يفهم الحمار” كما يقول المثل المغربي. كيف ذلك؟
صحيح أن عداوة دوزيم وبيجيدي تاريخية، لكن عندما يصر وزير الاتصال على ملاحقة مسؤولي القناة الثانية بخصوص التعددية، فإنه يعرف جيدا أن المخرج الوحيد بالنسبة إلى سليم الشيخ ومن معه، هو الاحتماء وراء الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وتقاريرها التي كانت إيجابية إلى حدود اليوم.
سيختبئ المتعهد إذن وراء الهاكا لكن هل الهيأة في صيغتها الحالية كفيلة بجزر المخالفين لاحترام التعددية؟ الجواب لا. فبعد أن انتهت مرحلة ما كان يسمى “المقاربة البيداغوجية” مع دسترة التعددية وحق المعارضة في الإعلام العمومي، انتهت المقاربة البيداغوجية وجاء زمن الدخول في “المقاربة الزجرية”، وإلا ظهر أن الهاكا تتحاشى اليوم تفعيل مقتضى دستوري حتى لا تدخل في مواجهة مباشرة مع القنوات العمومية، قد تستند لها الحكومة لشرعنة هجومها على التلفزيون، لأن الأمر يتعلق في هذه الحالة بمؤسسة دستورية مستقلة. فهل تتخلى غدا الهاكا عن ممارسة اختصاصاتها فقط خوفا من أن تؤول تقاريرها على أنها تحمل مساندة للحكومة في حربها على التلفزيون؟
ما يحرك هذا “الحقد البيجيدوي” هو الغبن الذي أحس به رفاق بنكيران عندما “أهدر حقهم” في الحلقة الشهيرة من برنامج “مباشر معكم” ولم تتحرك حينها الهاكا لإظهار الحق: هل خرقت دوزيم القانون؟ حتى اليوم لازالت الهاكا تلتزم الصمت المريب في هذه النازلة، وصمت حكماؤها عن الكلام المباح وقول الرأي السديد الذي قد يعيد الصراع بين بيجيدي والتلفزيون إلى جادة الصواب، وربما هي فوبيا مرة أخرى من أن يحسب على الهاكا مساندتها للخلفي في حالة إذا ما اعترفت بوجود خرق في البرنامج المذكور.
في الحالة الطبيعية، وعملا بالدستور الجديد، كان من حق البيجيدي اللجوء إلى الهاكا بل وحتى إلى المجلس الدستوري لأخذ حقه، لكنه لم يتمكن من ذلك لأن المساطر والقوانين لا تساير التطور الدستوري الحاصل. وكل هذه القربلة الإعلامية جاء غرض بيجيدي منها هو تغيير قانون الهاكا ليساير مقتضيات الدستور حتى لا تبقى قراراتها (الهيأة التي تسهر على ضبط التعددية وتسهر على احترامها) فارغة “لا تهش ولا تنش”، بل زجرية تضرب على يد المخالفين (في هذه الحالة دوزيم أو كل من سولت له نفسه...).
إن ضرب “بيجيدي” ل”البردعة” ليس دائما في صالحها بل يمكن أن ينقلب السحر على الساحر، كما كان الحال عندما استحوذ رئيس الحكومة على ثلاث قنوات عمومية دفعة واحدة، الأمر الذي لا يحدث إلا في جمهوريات الموز! دون أن تحرك الهاكا ساكنا... مع ذلك يبقى تحديث القوانين لكي تساير مقتضيات الدستور أمرا حيويا في صالح الجميع وبعدها … فليتنافس المتنافسون.