في حين أن الانتقال إلى التواصل المعزز بالتكنولوجيا قد تغلغل في جميع جوانب الحياة الاجتماعية على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن هناك القليل من المؤلفات العلمية حول تأثيره على العقل الاجتماعي، وما إذا كان يمكن أن يكون للتفاعلات التي تتم عبر وسائط تقنية عواقب بيولوجية عصبية تتداخل مع تطور القدرات الاجتماعية والمعرفية.
وسعى فريق من الباحثين الدوليين يضم البروفيسور غويلاموي دوما، أستاذ في قسم الطب النفسي والإدمان في « جامعة مونتريال »، وهو أيضًا عضو أكاديمي في معهد الذكاء الاصطناعي في كيبيك وباحث رئيسي في مختبر الطب النفسي الدقيق وعلم وظائف الأعضاء الاجتماعي في مركز أبحاث مستشفى « جامعة سانت جوستين »، إلى المقارنة بين النشاط الكهربائي للدماغ أثناء التفاعل وجهاً لوجه والاتصال عن بُعد بمساعدة وسائط تقنية في 62 زوجًا من الأمهات والأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا.
وباستخدام تقنية تسمى الفحص الفائق، والتي يمكنها تسجيل نشاط الدماغ في وقت واحد في مواضيع متعددة، اكتشف فريق البحث أن التفاعل عبر منصة مؤتمرات الفيديو يخفف من تزامن الدماغ بين الأم والطفل، حرفيا على نفس الطول الموجي.
ومنذ عدة سنوات، أظهر البروفيسور دوما أن أدمغة البشر تميل إلى التزامن تلقائيًا عند الانخراط في التفاعل الاجتماعي، أي أن إيقاعاتها الكهربائية تتأرجح بنفس التردد.
وأوضح البروفيسور دوما أن « التزامن بين الدماغ مرتبط بتطور الإدراك الاجتماعي. وأن الصدى بين الأدمغة يُمكّن الأطفال من تعلم التمييز بين الذات والآخرين، وتعلم العلاقات الاجتماعية. »
واكتشفت الدراسة الجديدة أن التفاعلات وجهاً لوجه أثارت تسعة روابط مهمة عبر الدماغ بين المناطق الأمامية والزمنية للدماغ، في حين أن التفاعلات البعيدة تسببت في حدوث تفاعل واحد فقط.
وقال البروفيسور دوما: « إذا تعطل التزامن من دماغ إلى دماغ، فيمكننا أن نتوقع عواقب على النمو المعرفي للطفل، لا سيما الآليات التي تدعم التفاعل الاجتماعي، وهي آثار تدوم مدى الحياة. »
وفي ضوء النتائج، يعتقد بروفيسور دوما أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول التأثير المحتمل للتكنولوجيا الاجتماعية على نضج الدماغ، وخاصة عند الشباب. وعلى وجه الخصوص، يتساءل عن مدى ملاءمة التعليم عبر الإنترنت للمراهقين.
وقال بروفيسور دوما إنه يتساءل « عن رقمنة التعليم وتأثير الوباء على تنمية الإدراك الاجتماعي لدى الشباب، في وقت كانت فيه العلاقات الإنسانية مجزأة »، مشيرًا إلى أنه « سؤال مهم ولكن يصعب الإجابة عليه، نظرًا لأن التأثيرات الكاملة لن تكون معروفة لمدة 10 أو 15 أو 20 عامًا ».
ووفقًا للبروفيسور دوما، يمكن أيضًا استقراء نتائج الدراسة للبالغين وربما تفسر « إجهاد التكبير » على نطاق واسع بعد الارتفاع في مؤتمرات الفيديو أثناء إغلاق كوفيد-19: « نظرًا لأن التفاعلات عبر الإنترنت تنتج تزامنًا أقل من الدماغ إلى الدماغ، فمن المفهوم أن الأشخاص سيشعرون أنه يتعين عليهم بذل المزيد من الجهد والطاقة للتفاعل. وتبدو التفاعلات شاقة أكثر وأقل طبيعية ».
يعتقد بروفيسور دوما أن الدراسة تؤكد أن العلاقات الاجتماعية مهمة للغاية للبشر وأن الآليات بين الدماغ مرتبطة بتطور الدماغ الاجتماعي، مضيفًا أن « النتائج [الجديدة] تتوافق مع نتائج دراسة [سبق اجرائها] حول قوة رائحة الأم ودراسة أخرى اكتشفت أن اللمسة العاطفية من [الزوج/ة] تساعد على تقليل [الشعور] بالألم ».