جولة في «جوطية بن عباد».. أكبر سوق للملابس المستعملة في المغرب

جولة داخل جوطية بن عباد... أكبر سوق للملابس القديمة في المغرب

في 27/10/2025 على الساعة 11:07

فيديوفي مدينة القنيطرة، على مقربة من قضبان السكة الحديدية، يمتد عالم تجد فيه الملابس حياة جديدة. ففي «جوطية بن عباد»، السوق الشعبي الهائل للملابس المستعملة، تزدحم الممرات بالأقمشة الملونة، وبسراويل الجينز المعلقة على خطاطيف مرتجلة، وتتداخل الأصوات في ضجيج مألوف. هنا، ورغم الحرائق وتزايد الأسعار، لا تنطفئ شعلة التجارة.

تحت شمس القنيطرة الحارقة، تتناغم الألوان مع رائحة القماش. تمتد الممرات إلى ما لا نهاية، تحيط بها الأكشاك المشيدة من الألواح والخيش والصفائح المموجة. أهلاً بكم في «جوطية بن عباد»، سوق مترامي الأطراف يعتبر أكبر سوق للملابس المستعملة في المغرب. تتراكم فيه جبال من الملابس القادمة من أوروبا، يتم تصنيفها وفرزها، وأحياناً كيّها، قبل عرضها بأسعار لا تقبل المنافسة.

لكن خلف هذا الزخم الملون تختبئ حقيقة أكثر هشاشة. فمنذ بضعة أشهر، أتت عدة حرائق على السوق، محولة عشرات الأكشاك إلى رماد. لا تزال الآثار واضحة: جدران متفحمة، ألواح أكواخ ملتوية، وباعة يعيدون البناء، لوحاً تلو الآخر.

يقول إدريس، في الخمسينات من عمره، وهو يقف خلف كشكه المغطى بقمصان مطوية بعناية: «لقد نجونا بالفعل من ثلاثة حرائق هنا». ويضيف: «لقد دمرت هذه الحرائق أربعة من المتاجر التي كنت أستأجرها. لم تبلغنا السلطات بعد إن كان هناك إعادة تهيئة أو ترحيل، لذلك نواصل عملنا بأي طريقة ممكنة».

تمتد «الجوطية» على مساحة عدة هكتارات، على بعد خطوات قليلة من محطة القطار. تشكل ممراتها الضيقة متاهة حقيقية تتقدم فيها ببطء بين الأكشاك المكتظة، والأصوات المتناغمة، وجبال الملابس المتراكمة. كل شيء يُباع هنا: السراويل، والقمصان، والكنزات الصوفية، والأحذية، والستائر أو الملاءات. إنها اقتصاد دائري حقيقي سابق لأوانه، حيث تجد كل قطعة حياة ثانية.

يتابع إدريس حديثه: «أنا في هذه التجارة منذ زمن طويل جدا. كان والداي يملكان متجرا للملابس المستعملة قبلي». ويستطرد: «في السابق، كنا نشتري بضاعة القطعة الواحدة بـ 50 درهماً. اليوم، أصبحت بـ80 أو 90. نحاول الحفاظ على أسعار البيع نفسها، وإلا فلن يعود الزبائن. الأوقات صعبة على الجميع».

حول إدريس، يتفاوض الزبائن، ويبحثون، ويقارنون. يعج السوق بطاقة شبه معدية. إنه مكان للعمل، ولكنه أيضاً مكان للحياة.

سعاد، بائعة منذ 25 عاما، تطوي فستانا مزينا بالورود بعناية. تضيء ابتسامة هادئة وجهها، على الرغم من التعب الواضح. تهمس قائلة: «لا نكسب الكثير، فقط ما يكفي للعيش».

وتضيف: «لكننا نكافح للحفاظ على الجودة. لا نبيع أي شيء. هذه ملابس نظيفة، وأحيانا جديدة، وغالبا ما تكون من ماركات عالمية. القطعة التي تبلغ قيمتها 1000 درهم في المتجر يمكن العثور عليها هنا بـ100 أو 150».

غير بعيد عن سعاد، يروي محمد، الذي يملك كشكه منذ 30 عاما، الصراع ذاته. «في السابق، كان الأب يستطيع أن يأتي بـ400 درهم ويكسو أطفاله الأربعة. اليوم، لم يعد هذا المبلغ كافيا».

الباعة، الذين استقر الكثير منهم منذ عقود، يمثلون الذاكرة الحية لهذا المكان. لقد عاصروا تغيرات الموضة والأزمات والحرائق، دون أن يستسلموا أبدا. خبرتهم وإصرارهم يبقيان على قيد الحياة جانبا كاملا من التجارة الشعبية المغربية.

زبائن أوفياء

على الرغم من الصعوبات، لا تخلو «جوطية بن عباد» من الزبائن. محمد، وهو زبون منتظم منذ عشرين عاما، يبحث في كومة من السترات. يقول: «هنا، أجد جودة جيدة جدا. في متاجر الملابس الجديدة، غالبا ما تكون مزيفة. هنا، على الأقل، هي أصلية».

يحمل رجل في الأربعينات من عمره كيسا مليئا بالملابس ويقول: «آتي إلى هنا كل أسبوعين. الأسعار جيدة وهناك قطع جميلة جدا. تجد كل ما يمكن أن تتخيله».

أبعد قليلا، تجرب شابة سترة جلدية أمام مرآة معلقة على عارضة. تقول: «الجودة هنا شيء آخر. إنها ماركات أصلية وبأسعار لن تراها في أي مكان آخر».

على مر السنين، أصبحت « جوطية بن عباد » أكثر من مجرد سوق: إنها رمز. رمز لاقتصاد البقاء، ولكن أيضا لخبرة شعبية وثقافة « التدبير».

بين أيدي الباعة، تتحول الملابس القادمة من أوروبا إلى موارد محلية. تجارة «المستعمل» هذه تدعم مئات العائلات في القنيطرة وخارجها.

لكن المستقبل يبقى غامضا. فقد أدت الحرائق إلى إضعاف المنطقة، وأسعار الجملة ترتفع، ولم يتم اتخاذ أي قرار رسمي بعد بشأن تجديد الموقع أو نقله. في غضون ذلك، يقوم الباعة بإصلاح ما دمره الحريق وإعادة البناء، ويأملون.

عند غروب الشمس، تضاء الأضواء واحداً تلو الآخر. تخفت الأصوات، وتُغلق الأغطية. في الصمت الذي يعود، نستشعر القوة الهادئة لمكان يرفض أن يختفي.

«جوطية بن عباد»، أكبر سوق للملابس المستعملة في المغرب، تظل صامدة: إنها نصب حي لمرونة الشعب، حيث تحكي كل قطعة ملابس شيئا من قصة من ارتدوها، أو باعوها، أو حلموا بها.

تحرير من طرف كاميليا سراج و خليل السالك
في 27/10/2025 على الساعة 11:07