الاقتصاد الرقمي: كيف يعيد التنظيم والإدماج والتحول تشكيل الاقتصادات الإفريقية؟

الاقتصاد الرقمي (صورة تعبيرية)

في 13/10/2025 على الساعة 07:00

مع تسارع التحول الرقمي في إفريقيا، يبقى هناك تحد واحد: تكييف الأطر التنظيمية مع الابتكار مع تحديث الخدمات. بالنسبة للشركات والمواطنين والمستثمرين، تُتيح هذه الديناميات فرصا لا تقل عن تحديات التكيف. فيما يلي تحليل للآثار الملموسة.

بينما تعول بوينس آيرس على الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة لدفع الضرائب المحلية، أو تنشئ ماليزيا سحابة سيادية، تسرع إفريقيا تحولها الرقمي بمبادرات ذات أثر ملموس على اقتصاداتها. تكشف القرارات الأخيرة في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، في غانا وبنين وكينيا عن ديناميات مهمة للتنظيم والإدماج المالي والتحديث الإداري. بالنسبة للشركات والمواطنين والمستثمرين، فإن الآثار ملموسة وتختلف من بلد إلى آخر. نظرة على هذه التطورات الأخيرة وتحدياتها التي تواجه الفاعلين الاقتصاديين.

الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا/البنك المركزي لدول غرب إفريقيا: ثورة الأداءات الفورية

يعد إطلاق البنك المركزي لدول غرب إفريقيا لمنصة نظام الأداء الفوري أهم القرارات. لا يتعلق الأمر بمجرد بنية تحتية تقنية، بل يمثل تغييرا مهما للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا بأكمله. يؤثر هذا الابتكار بشكل مباشر على اقتصادات الدول الأعضاء الثمانية في الاتحاد (بنين، وبوركينا فاسو، وساحل العاج، وغينيا بيساو، ومالي، والنيجر، السنغال، والطوغو) عبر البنك المركزي لدول غرب إفريقيا.

أصبحت تحويلات الأموال الآن فورية وقابلة للتشغيل البيني، ومتاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع بين جميع الفاعلين الماليين –الأبناك، ومؤسسات النقود الإلكترونية، ومؤسسات التمويل الأصغر، ومقدمي خدمات الأداء. يزيل هذا الإنجاز الحواجز بين المؤسسات ويقلل بشكل كبير من أوقات المعاملات.

يحدث إطلاق البنك المركزي لدول غرب إفريقيا لهذه المنصة تحولا جذريا في النظام المالي للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا. بالنسبة للأفراد، تضمن هذه البنية التحتية الإقليمية إمكانية الوصول المجاني أو منخفض التكلفة إلى أداءات فورية آمنة، مما يلغي التأخيرات الطويلة للتحويلات بين البنوك، ويعزز الإدماج المالي بشكل كبير. يستفيد التجار والحرفيون والشركات الصغيرة من ثلاثة جوانب: تسريع التحصيل، وتقليل المخاطر المتعلقة بالنقد، والقدرة على إدماج طرق الأداء الرقمية الجديدة، مما يسهل الانتقال من الاقتصاد غير المهيكل إلى الاقتصاد المهيكل.

بالنسبة للمؤسسات المالية، ينشئ التشغيل البيني الإلزامي شبكة موحدة، ولكنه يعزز أيضا المنافسة على الخدمات ذات القيمة المضافة، مع تقليل الاعتماد على النقد. على المستوى الإقليمي، يعزز التدفق السلس للمبادلات عبر الحدود الاندماج الاقتصادي. وكما يؤكد جون كلود برو، مدير البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، «الأمر يتعلق بجعل الأداء الفوري منفعة عامة حقيقية، متاحة للجميع، بتكلفة تنافسية، ومولدة للقيمة». ويؤكد النمو الهائل في المعاملات (11 مليارا في عام 2024 مقارنة بـ260 مليونا في عام 2014) والحسابات الإلكترونية (248 مليونا) هذه الدينامية، مما يجعل من المنصة رافعة رئيسية للتنمية.

كينيا: تنظيم رسوم تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول لتعزيز الإدماج

بالنسبة لكينيا، يسعى البنك المركزي الكيني إلى معالجة مشكلة رئيسية: تكلفة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. ويعتزم البنك وضع حد أقصى لرسوم تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول.

يأتي هذا القرار استجابة لركود القطاع، الناتج عن «ارتفاع الرسوم، ومحدودية التشغيل البيني، ونقص التربية المالية». يسهل هذا الإجراء الولوج إلى الخدمات الأساسية بشكل ملموس، سيما لسكان القرى المعتمدين على تحويل الأموال.

بالنسبة للمستخدمين (الأفراد وأصحاب المشاريع الصغيرة)، يتيح انخفاض التكاليف موارد إضافية للخدمات المالية الأخرى (الادخار والقرض)، ويعزز انخراطهم في الاقتصاد المهيكل. من ناحية أخرى، ستواجه شركات (مثل M-Pesa) ضغوطا على نموذجها الاقتصادي، الذي كان يعتمد تاريخيا على رسوم المعاملات نظير نظير (P2P)، مما يجبرها على الابتكار نحو خدمات متنوعة (القرض والتأمين)، وتكثيف التربية المالية. وعلى المستوى الاقتصادي الكلي، قد يؤدي هذا التنظيم إلى تعزيز استخدام الأموال عبر الهاتف المحمول، وتقليص اقتصاد السيولة وتعميق الإدماج المالي، ولكن نجاحه سوف يعتمد على قدرة الفاعلين على تحويل القيود إلى فرصة للتنويع.

المغرب: استمرار الوضع التنظيمي الراهن لتطبيقات النقل

تظهر الوضعية المغربية فجوة مستمرة بين الابتكار والتنظيم. في بيان صدر مؤخرا، أكدت وزارة النقل واللوجستيك، بناء على معلومات تناقلتها مواقع إخبارية، أن «المقتضيات القانونية والتنظيمية الحالية التي تنظم نقل الركاب عبر الطرق في المغرب لا تتضمن مقتضيات تنظم خدمات النقل القائمة على التطبيقات VTC بوضوح». وترد الوزارة على تقارير تفيد برفض منح تراخيص محددة.

ما الذي يتغير فعليا؟ لا شيء في الوقت الحالي، وهذه هي المشكلة. دعنا نقول فقط إن غياب إطار عمل واضح يعيق التطوير الرسمي لهذا القطاع.

بتأكيدها على أن النصوص الحالية «لا تتضمن متقضيات تنظّم بوضوح» هذا القطاع الناشئ، تقر السلطات بوجود فجوة صارخة بين الابتكار الرقمي والتنظيم، بينما تحيل المهام الحضرية إلى وزارة الداخلية، مما يكشف عن تعقيد مؤسسيٍ معيق.

بالنسبة للمنصات (أوبر، إن درايف، إلخ) وشركائها من السائقين، يترجم هذا الغموض القانوني إلى هشاشة الأمن التشغيلي: عدم القدرة على الحصول على التراخيص المناسبة، وصعوبات التأمين، وانعدام الأمن الضريبي، والخطر المستمر للتقاضي، مما قد يثبط الاستثمار ويحد من إمكانية خلق فرص عمل رسمية.

على أرض الواقع، يحرم المستخدمون، رغم استفادتهم من خدمة عملية، من الضمانات القانونية المتعلقة بالسلامة أو التسعير أو حماية المعطيات، بينما تشهد السلطات تآكل مصداقيتها بسبب عجزها عن حل النزاعات القطاعية (خاصة مع سيارات الأجرة التقليدية).

يديم هذا الوضع الراهن منطقة رمادية اقتصادية يخسر فيها جميع الفاعلين: تفوت الدولة فرصة تحديث النقل الحضري وتحقيق مداخيل ضريبية؛ ويعمل سائقو « VTC » دون حماية اجتماعية أو اعتراف قانوني، بينما يعاني المواطنون من عرض خدمة غير محسنة.

في هذا السياق، هناك حاجة ماسة إلى توضيح تنظيمي عاجل لفرض قواعد عادلة (المتطلبات التقنية، والضرائب، ومعايير السلامة) وتهدئة التوترات التنافسية. بدونها، يخاطر المغرب بخسارة استثماراته في أشكال جديدة من النقل، مما يضر بجاذبيته الرقمية وانتقاله البيئي الذي يعتمد، مع ذلك، على حلول نقل محسنة. وكما أثبتت غانا في قطاعات أخرى، فإن التنظيم الاستباقي للابتكار ليس عائقا، بل هو رافعة لضمان نمو شامل.

غانا: قانون الشركات الناشئة، محفز للنمو والتنافسية

تتجاوز المبادرة التشريعية لغانا مجرد إضفاء الطابع الرسمي الإداري، فهي تشكل استراتيجية اقتصادية استباقية للارتقاء بالابتكار إلى ركيزة أساسية من ركائز الأمة. ومن خلال تزويد منظومة الشركات الناشئة بإطار قانوني وتنظيمي محدد -وهو الأول من نوعه على المستوى الوطني- تحول الحكومة قطاعا ديناميا (يصنف في المرتبة 81 عالميا والثالثة في غرب إفريقيا، وفقا لتقرير « مؤشر النظام البيئي العالمي للشركات الناشئة 2025 » الصادر عن ستارت أب بلينك) إلى محرك حقيقي للتنمية.

يضمن هذا الإطار قانونيا الابتكارات، ويقلل من مخاطر الاستثمارات، ويجذب رؤوس الأموال المحلية والدولية، مما يبرز إمكانات القيمة المضافة المقدرة بـ3.4 مليار دولار بحلول عام 2029. من خلال تبسيط عملية إنشاء الشركات وتسهيل الولوج إلى التمويل المخصص، يحفز القانون ظهور حلول محلية تعالج التحديات الاجتماعية والاقتصادية في غانا، مع تعزيز الإنتاجية الإجمالية. ويخلق هذا الإطار حلقة قيمة: فالشركات الناشئة المعتمدة رسميا والمدعومة تخلق مناصب شغل مؤهلة، وتعزز تنافسية نسيج الأعمال في الأسواق الإقليمية والعالمية، وتنوع اقتصادا لا يزال يعتمد بشكل مفرط على المواد الخام.

من خلال مأسسة العلاقات بين الجامعات ومراكز الأبحاث ورجال الأعمال، يحول هذا النص البحث والتطوير إلى روافع ملموسة للنمو. ويلخص طموح الوزارة قائلا: « الهدف هو جعل منظومة الابتكار لدينا مسرعا لخلق الثروة وتوفير فرص شغل مستدامة ». وبالتالي، فإن هذا القانون لا ينظم قطاعا بعينه، بل يرسي أسس اقتصاد غاني مرن، متطلع للمستقبل، ومرتكز على الاقتصاد الرقمي الشامل.

تظهر هذه التطورات التزاما راسخا من جانب أفريقيا بالتحول الرقمي، ولكن بمقاربات ووتيرات مختلفة. بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين -من الشركات متعددة الجنسيات إلى المقاولين الصغار، ومن المستثمرين إلى المواطنين العاديين- تمثل هذه التطورات فرصا جديدة (أسواق أكثر اندماجا، وخدمات أكثر سهولة في الولوج، وأطر عمل أكثر أمانا للابتكار) وضرورات للتكيف (اعتماد منصات أداء جديدة، وفهم الأطر القانونية الجديدة، ورقمنة العمليات). ومع ذلك، فإن قدرة الدول والمؤسسات على تصميم لوائح مرنة وشاملة واستشرافية، مع اعتماد بنية تحتية وخدمات فعالة، ستكون حاسمة في تحويل هذه التجارب إلى تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.

تحرير من طرف موديست كوامي
في 13/10/2025 على الساعة 07:00