فبين سفوح جبال آيت أو عرضة الواقعة جنوب مدينة ورززات، يأتي الحاج أحمد محملا بأجود زرابي المنطقة، التي تحبكها النساء ممزوجة بأهازيج الأمازيغ القديمة، تلك الملقبة بـ«الزربية الواوزكيتية» (نسبة لقبائل زكيت)، ليبيعها لإحدى بازارات المنتوجات التقليدية بالمدينة العتيقة بفاس التي تعرف قيمة هذا المنتج.
فالحاج أحمد كونه رئيس تعاونية نسائية، يسهر على تسويق هذه الزرابي التي أضحت جزءا لا يتجزأ من هوية منطقة آيت أو عرضه ولا تنسلخ عن جذورها حفاظا على هذا المنتوج المحلي المتفرد، مضيفا في تصريح لـLe360: «ليست الزرابي عملا يدويا هدفه الربح فقط، بل هي جزء من هوية نساء المنطقة، اللواتي يطلقن العنان لمخيلتهن وابداعهن لرسم لوحات فنية ساحرة، التي يعبرن عن طريقها عن ثقافتهن وعاداتهن الأمازيغية الأصيلة».
تازناخت أو الزربية الواوزكيتية، هي من أشهر أنواع السجاد في المغرب، معروفة بجمالها وجودتها وألوانها البراقة، تصنع من صوف جبل «سروة»، وهو أجود الصوف بالمغرب، وألوانها مستخلصة من الأعشاب الطبيعية مثل الحناء وقشور الرمان والفوة والورد وغيرها، وتبدأ الطقوس الأولى لصناعة هذا المنتوج، بجز صوف الغنم وغسله وتنظيفه في مياه وديان المنطقة، ثم تنشيفه وتمشيطه وصباغته بالنباتات الطبيعية، ثم غزل الخيوط الصوفية التي قد تستغرق بين 3 إلى 9 أشهر، لتتحول فيما بعد إلى حكايات منقوشة على زرابي تسر الناظرين.
عبد الهادي بوزيدي إدريسي، تاجر وصاحب بزار لبيع السجاد الأمازيغي بالطالعة الكبرى بالمدينة العتيقة لفاس، أبرز، في تصريح لـLe360، أن هذه القطع الزخرفية النادرة من السجاد التي اختص بها المغاربة منذ عقود، لا تزال تحافظ على مكانتها المتميزة، لاختلاف كل قطعة عن الأخرى من حيث الألوان والحجم والثمن، فهذا البزار يتعامل مع أزيد من 47 قرية من مختلف مناطق المملكة، يأتون بهذه المنتوجات (زرابي، حنابل) من الفن الراقي والخصوصي لتسويقه في السوق الوطنية والأوروبية.
ورغم أن هذه المنتوجات المحلية تساهم لامحالة في تحريك العجلة الاقتصادية لفائدة سكان الأطلس المتوسط، من خلال إقبال البازارات على اقتنائها لبيعها للسياح والزوار الأجانب، غير أن هذا القطاع بدأ بريقه يتراجع لاصطدامه بالمنافسة الأجنبية، مع ظهور السجاد التركي أو الصيني في السوق المغربية، الذي يباع بأسعار وبجودة مرضية، استهوت المستهلك المغربي لاقتناء سجادة مستوردة بدلا من دفع كلفة باهظة من أجل سجادة محلية مصنوعة يدويا.
ودعا المتحدث ذاته، إلى تعزيز برامج عمل وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ووزارة الثقافة، ووضع مخططات ناجعة من أجل الحفاظ على هوية هذا الموروث الحضاري وضمان ديمومته، وتوفير الشروط الضرورية المشجعة للصناعات المادية التراثية، خاصة تلك المرتبطة بالتكوين والتأطير للعاملين في مجال السجاد الأمازيغي، من أجل الحفاظ على عناصر الخصوصية المغربية الأصيلة لنقلها إلى الأجيال الجديدة من الحرفيات والحرفيين.




