يزداد الإقبال على « دارت » بين أفراد العائلة، الجيران أو أصدقاء العمل، ويتم اختيار شخص يحظى بالثقة ليتكلف بجمع قسط من المال متفق عليه بين المشاركين بشكل أسبوعي أو شهري، ليسلمه في كل مرة إلى أحد المستفيدين من «القرعة»، إلى أن يستفيد جميع المساهمين وفق ترتيب يتم الاتفاق عليه بين المشاركين.
وسيلة لمواجهة المصاريف المفاجئة
تقول فاطمة، وهي سيدة خمسينية تعمل في بيع الملابس النسائية بمدينة الدار البيضاء، إنها تشارك في هذه العملية منذ 10 سنوات تقريبا، أحيانا مع جيرانها وأحيانا أخرى تشارك مع أفراد عائلتها.
وبررت هاته المرأة، في تصريح لـLe360، سبب لجوئها إلى هذه الوسيلة التقليدية، بـ »مواجهة المصاريف غير المتوقعة أو من أجل ادخار بعض المال »، حيث أكدت أنها تواظب على الانخراط في عملية جديدة كلما انتهت من أخرى.
وأوضحت فاطمة أنها غالبا ما يتم تكليفها بجمع المبالغ من المشاركين، « نعطي يوم الخامس من كل شهر كآخر أجل للتسليم، ليتم بعد ذلك منح المبلغ لصاحبه حسب ترتيب اللائحة التي نحددها من قبل».
وأضافت: «هذه العملية كانت بمثابة منقذ لي في مواقف صعبة مررت بها، خصوصا وأنني لا أستطيع الاقتراض من البنك بداية لأنني لا أملك عملا قارا أو أي ضمانات، ثم لأنني لا أستطيع مجابهة قيمة الفوائد».
طريقة ناجعة للادخار
على عكس فاطمة التي تتسلح بـ« دارت » لمقاومة أعباء الحياة اليومية، فإن الشابة العشرينية زينب لا تلجأ إلى « دارت » إلا من أجل الادخار، إذ كشفت في تصريح لـLe360، أنها لا توفر أي شيء من راتبها وتفرط في الاستهلاك.
واستطردت موضحة: «كنت أحتاج إلى مبلغ مالي قدره 50.000 درهم لشراء سيارة من أجل تسهيل تنقلي إلى العمل بحكم بعد المسافة وقلة وسائل النقل، فالتجأت إلى « دارت » رفقة 9 من زميلاتي في العمل، حيث ساهمنا جميعا بمبلغ 5000 درهم شهريا، تسلمت الخمسة ملايين سنتيم حينما حان دوري واشتريت بها السيارة».
هنا انفلتت من زينب ابتسامة تعبر عن انشراحها بما حققته بفضل « درات »، وهي تؤكد جازمة أنها لم تكن لتمتلك سيارة لو لم تستعن بهاته « المصارفة » التقليدية.
وسيلة لتفادي القروض الربوية
وبدوره كشف مراد، وهو شاب ثلاثيني يعمل مهندس معلوميات في القطاع الخاص، بأنه تمكن بفضل هذه العملية من الادخار واقتناء منزل في السكن المتوسط دون ديون.
وقال هذا الشاب وهو يداعب لحيته الكثة بأصابع يده اليمنى، إنه لم يكن يحلم من قبل باقتناء شقة بضواحي العاصمة الاقتصادية للملكة، ذلك لأنه لن يستطيع جمع قيمة الشقة من دون اللجوء إلى الاقتراض من البنك لكون ذلك يتعارض مع مبادئه، إلى أن نصحه أحد أصدقائه باللجوء إلى « القرعة ».
وأوضح أنه واظب منذ حوالي ثماني سنوات على المشاركة في « دارت » بمبالغ متفاوتة يقتطعها من راتبه بغية الادخار، إلى أن تمكن من جمع ما يكفيه لشراء الشقة.
وأبدى هذا الشاب القادم من الشمال تفاجأه مما حققه بفضل « القرعة »، خاصة وأن يده « مخروكة » (أي مبذر) كما قال وهو يضحك، قبل أن يواصل حديثه مؤكدا أنه سيستمر في الاعتماد على « دارت » كوسيلة ناجعة للتوفير والادخار، جازما أنه سيعتمد عليها في تأثيث الشقة ثم اقتناء سيارة...
خبير مالي: «دارت» للتمويل وليس للادخار
قال يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إن «دارت» هي عادة تقليدية مغربية تلجأ إليها مجموعة من الأسر المغربية ومن الطبقتين المتوسطة والضعيفة، قصد تمويل مشترياتها الخصوصية والتي لا تندرج في إطار النفقات الشهرية المرتبطة بالأجر المباشر.
وأوضح الخبير بأن هاته الظاهرة المجتمعية، تمكن من وضع مبلغ مالي مهم رهن إشارة المستفيد خلال شهر معين، وذلك قصد تحقيق نفقة استثمارية مهمة كشراء معدات أو أثاث ذات قيمة مالية مرتفعة أو تغطية نفقة ذات طابع استثنائي لا يمكن تأديتها من الأجر الشهري العادي للفرد، خصوصا بعد موجة غلاء الأسعار واستمرار التضخم على مستوى المواد الأساسية والضرورية للعيش اليومي للمواطن.
وأشار المتحدث إلى أن عملية «دارت» تمكن من تمويل نفقة خاصة ومعينة للفرد المشارك وبالتالي فالغرض من هاته العملية هو التمويل وليس الادخار، لأن كل شخص يمكنه توفير مبلغ معين دون ضرورة اللجوء إلى هاته المساهمة.
ومع ذلك، يضيف الخبير المالي: «هناك بعض الأشخاص الذين يلجئون إلى هاته العملية لكون المساهمة تعاقد معنوي بين المجموعة، خصوصا بالنسبة للأفراد الذين لا يديرون جيدا ماليتهم الشهرية وينفقون دون اقتصاد في الاستهلاك».
وتابع رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير قائلا: «مع الأسف، قروض الاستهلاك مرتفعة الفائدة وبالتالي فتكلفتها ترهق مالية الأسر. ناهيك عن الضمانات التي تبحث عنها الأبناك قبل التأشير على ملفات القروض. ولهذا، فالأسر المغربية المحدودة الدخل أصبحت تفضل عملية «دارت» عوض اللجوء إلى القروض البنكية ».
ونبه الخبر المالي إلى أن هاته العملية « تبقى محدودة وتستحضر عنصر الثقة بين الأفراد، حيث يلاحظ اعتمادها بين أفراد العائلة والأصدقاء المقربين وزملاء العمل المشهود لهم بالجدية، وذلك لكون الظاهرة عملية شخصية وخاصة ليس لها أي سند قانوني أو تنظيمي».