يتأكد التعافي في قطاع السياحة العالمي، سواء من حيث أعداد السياح الوافدين أو المداخيل، وهو ما يعود بالنفع على الوجهات السياحية الرئيسية في شمال إفريقيا: المغرب ومصر وتونس. فبين فاتح يناير و30 أكتوبر، سجلت هذه الدول نسب نمو في أعداد السياح تفوق بكثير المتوسط العالمي (حوالي 5%)، مما يؤكد جاذبية دول شمال إفريقيا.
وبشكل عام، استقبلت هذه الدول الثلاث -المغرب ومصر وتونس- التي تعد الوجهات السياحية الرائدة في إفريقيا، 42.2 مليون سائح في الأشهر العشرة الأولى من هذه السنة.
وهكذا، أصبح تجاوز حاجز 50 مليون سائح ممكنا، على الرغم من تباطؤ نمو أعداد السياح الأجانب خلال فصل الصيف. ويعود هذا الركود إلى انخفاض الإنفاق السياحي نتيجة لتراجع القدرة الشرائية في أوروبا، وارتفاع أسعار الفنادق، وارتفاع تكلفة السفر الجوي، ومحدودية الربط الجوي، وعوامل أخرى.
المغرب: 20 مليون سائح في الأفق
عند نهاية أكتوبر، بلغ عدد السياح 16.6 مليون، بزيادة قدرها 14%، وفقا لوزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور. ويعادل هذا الرقم متوسط 1.66 مليون سائح شهريا. وإذا استمر هذا المعدل خلال الشهرين الأخيرين من العام، فستتجاوز المملكة حاجز 19 مليون سائح، لا سيما وأن شهر دجنبر عادة ما يكون الشهر الذي يعرف إقبالا بفضل العطل المدرسية واحتفالات نهاية العام وعوامل أخرى. ويبشر هذا الوضع بآفاق واعدة خلال موسم الشتاء، الذي سيشهد هذا العام استضافة المغرب لبطولة كأس الأمم الإفريقية في الفترة من 21 دجنبر 2025 إلى 18 يناير 2026. ووفقا للمعطيات الأولية، تجاوز عدد السياح 18 مليون سائح عند نهاية نونبر، أي بزيادة قدرها 600 ألف سائح عن العام الماضي الذي كان قد سجل رقما قياسيا.
وتجدر الإشارة إلى أن المغاربة المقيمين في الخارج يشكلون غالبية الوافدين إلى المغرب، حيث يمثلون ما يقارب 50%، وذلك بحسب الشهر. وإلى جانب المغاربة المقيمين في الخارج، يأتي غالبية السياح بشكل أساسي من فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا.
وبلغت المداخيل 113.26 مليار درهم عند نهاية أكتوبر 2025، مقارنة بـ97.04 مليار درهم خلال الفترة نفسها من عام 2024، مسجلة بذلك نموا سنويا بنسبة 16.7%. وتؤكد هذه الأرقام حيوية قطاع السياحة ودوره كمصدر للعملات الأجنبية، مما يسهم في تحسين ميزان الأداءات وتعزيز قوة الدرهم.
وتعكس هذه النتائج الدينامية الاستثنائية التي يشهدها قطاع السياحة المغربي، بفضل استراتيجية وضعت سنة 2023 والتعافي من وباء كوفيد-19. كما تعكس ثقة السياح ومهنيي القطاع بالمغرب كوجهة سياحية.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب استقبل في عام 2024 نحو 17.4 مليون سائح، متجاوزا بذلك مصر لأول مرة، التي كانت الوجهة السياحية الرائدة في إفريقيا. وبحلول نهاية أكتوبر 2025، بلغ الفارق بين الوجهتين مليون زائر لصالح المغرب. وبمعدل 1.66 مليون زائر شهريا منذ بداية العام، من المتوقع أن يصل المغرب إلى 20 مليون زائر في عام 2025. ولا يشمل هذا الرقم تأثير عطلات نهاية العام وكأس الأمم الإفريقية، التي من المتوقع أن تجذب أعدادا كبيرة من المشجعين، لا سيما من دول شمال إفريقيا والجاليات الإفريقية في أوروبا. سيضع هذا المملكة في مصاف الوجهات السياحية الرائدة عالميا، ويعزز طموحها لجذب 26 مليون سائح بحلول عام 2030.
في انتظار افتتاح المتحف المصري الكبير
استقبلت مصر بين يناير وأكتوبر 2025 ما يقرب من 15.6 مليون سائح، بزيادة قدرها 21% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبذلك، تسجل البلاد أحد أقوى معدلات النمو في أعداد السياح هذا العام. وبفضل مواقعها السياحية الرئيسية، وشواطئها الخلابة، وثرائها الثقافي، تبقى مصر وجهة سياحية مهمة للسياح الأجانب.
وقد تأثرت مصر، التي كانت تحتل المرتبة الأولى كأفضل وجهة سياحية في إفريقيا، بالحرب في غزة، مما أدى إلى عزوف بعض السياح بسبب المخاوف الأمنية. كما تعاني البلاد من آثار الحرب الروسية الأوكرانية، حيث كان السياح الروس يشكلون غالبية زوار المنتجعات الساحلية قبل اندلاع الحرب.
ويتوافد الألمان بكثافة على مصر. وللحفاظ على وتيرة وصول السياح وتعزيز وفائهم، استضافت الغردقة، جوهرة البحر الأحمر، المؤتمر السنوي لجمعية «RTK Internatioanm» لشبكات وكالات السفر الألمانية في الفترة من 20 إلى 24 نونبر. وتضم هذه الجمعية أكثر من 450 وكيل سفر وصانع قرار من ألمانيا. وإلى جانب السياح الألمان، تشهد مصر أيضا توافد أعداد كبيرة من السياح القادمين من دول الخليج والمملكة المتحدة ودول أخرى.
وتراهن مصر خلال الفترة المتبقية من العام على افتتاح المتحف المصري الكبير في فاتح نونبر، والذي سيعزز مكانتها كوجهة ثقافية. ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، بما في ذلك المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، ويعد معلما سياحيا رئيسيا يتوقع أن يرفع معدلات التوافد على الفنادق وإنفاق الزوار.
وإلى جانب افتتاح المتحف، تراهن مصر أيضا على الاستخدام الواسع النطاق للتأشيرات الإلكترونية وتأشيرات الطوارئ في جميع المطارات لتسهيل وتبسيط إجراءات وصول السياح.
وبفضل هذه المبادرات، وعودة السلام إلى غزة، تأمل مصر في استقبال 18 مليون زائر بحلول نهاية العام الجاري.
وتشير التقديرات إلى أن مداخيل السياحة في نهاية شتنبر ستبلغ 13.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ويتوقع قطاع السياحة المصري تحقيق مداخيل بقيمة 17 مليار دولار للعام بأكمله، مقارنة بـ15.3 مليار دولار في عام 2024. وتساهم هذه المداخيل في زيادة احتياطيات النقد الأجنبي، وتساعد على تحسين المالية العمومية لمصر.
تونس: 53% من الجزائريين والليبيين
بحلول نهاية أكتوبر 2025، بلغ عدد زوار تونس نحو 9.5 مليون سائح، بزيادة قدرها 9.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مؤكدا بذلك التوقعات. وقد تحقق هذا الأداء بفضل موسم سياحي قوي في أواخر العام، عوض التباطؤ الذي شهده شهر يوليوز نتيجة ارتفاع أسعار الفنادق وانخفاض الحجوزات في اللحظات الأخيرة.
ويشكل الجزائريون والليبيون أكبر مجموعة من السياح الوافدين على تونس، حيث بلغ عددهم 3 ملايين و2 مليون على التوالي، بزيادة قدرها 8.2% و15.4%. ويمثل هذان البلدان في شمال إفريقيا وحدهما 53% من إجمالي عدد السياح الوافدين على تونس. وبالتالي، يعتمد قطاع السياحة التونسي بشكل كبير على هذين البلدين. وقد يؤدي هذا الوضع إلى تقلبات في أعداد الوافدين تبعا للعلاقات بين تونس وهذين البلدين، فضلا عن الإجراءات الأحادية التي قد تتخذها حكوماتهما.
ووفقا لبعض المراقبين، قد يصل عدد السياح الجزائريين إلى مستوى قياسي هذا العام. ويشير البعض إلى أن زيادة المنحة السياحية من أقل من 100 أورو إلى 750 أورو قد عززت من إقبال الجزائريين على قضاء عطلاتهم في تونس. وتتوقع السلطات التونسية ارتفاعا في عدد السياح الجزائريين خلال عطلة نهاية العام. غير أن هناك إجراء جديد طبقته الجزائر في 7 دجنبر بالحافلات، وهي وسيلة النقل المفضلة لدى الجزائريين. إذ أصبح يشترط حصول هذه الحافلات على تصريح نقل دولي، بدلا من رخصة السياحة المعتادة.
إضافة إلى السياح المغاربيين، ارتفع عدد السياح الأوروبيين بنسبة 7.8% ليصل إلى 2.9 مليون زائر بنهاية أكتوبر، وهو ما يمثل 31.1% من إجمالي عدد الوافدين. وقد تجاوز السوق الفرنسي عتبة المليون سائح، ويعود الفضل في ذلك بشكل خاص إلى زيادة الطاقة الاستيعابية للرحلات الجوية، لا سيما من شركتي نوفيلير وترانسافيا.
Le Maroc, l'Egypte et la Tunisie ont accueilli plus de 42 millions de touristes de janvier à octobre 2025. Les recettes touristiques de ces trois pays se sont établies à 28,21 milliards de dollars durant cette période.. le360 Afrique/Youssef
وشهدت أعداد السياح البريطانيين الوافدين ارتفاعا ملحوظا بنسبة 41.6% لتصل إلى 394,675 زائرا، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما يشير إلى عودتهم بأعداد كبيرة منذ هجمات باردو وسوسة عام 2015.
ولمواكبة هذا التدفق، من المقرر إطلاق خطوط جوية جديدة العام المقبل. وتلي هاتين السوقين بولندا بـ318,000 زائر، بزيادة طفيفة قدرها 1.1%. مع ذلك، شهدت بعض الأسواق التي كانت قوية تقليديا انخفاضا في أعداد السياح، كما هو الحال في ألمانيا (ناقص 3.8%)، وبلجيكا (ناقص 2.4%)، وإسبانيا (ناقص 3.1%)، وجمهورية التشيك (ناقص 9.3%)، والدول الاسكندنافية (ناقص 12.5%).
وتجدر الإشارة إلى أن التونسيين المقيمين في الخارج مثل عددهم 1.2 مليون زائر خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 8%.
وبالموازاة مع ذلك، تجاوزت مداخيل السياحة عتبة 7 مليارات دينار بنهاية أكتوبر 2025 (ما يعادل 2.4 مليار دولار أمريكي تقريبا)، مقارنة بـ6.5 مليار دينار خلال الفترة نفسها من العام السابق، وفقا للبنك المركزي التونسي، مسجلة بذلك زيادة قدرها 8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغت 7.5 مليار دينار بنهاية نونبر، مسجلة زيادة قدرها 6.8%.
وتمثل هذه المداخيل مصدرا حيويا للعملات الأجنبية، إذ تعزز ميزان الأداءات، وتساهم في استقرار الدينار، وتخفف الضغط على المالية العمومية.
ومن المتوقع أن تصل تونس، خلال الفترة المتبقية من العام، وبمعدل 950 ألف سائح شهريا، إلى هدفها المتمثل في استقبال 11 مليون سائح بحلول عام 2025، لا سيما مع الأخذ في الاعتبار عطلات نهاية العام. وفضلا عن ذلك، هناك زيادة ملحوظة في سياحة الرحلات البحرية، والتي يمكن أن تصبح المحرك الرئيسي لموسم الشتاء. حتى 20 نونبر، تجاوز عدد السياح الوافدين 10.03 مليون سائح، بزيادة قدرها 10.3% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وهكذا، بالنسبة لأهم ثلاث وجهات سياحية في شمال إفريقيا، هناك أمر واحد مؤكد: سيتم تحطيم الأرقام القياسية التي سجلت العام الماضي. وهذا هو حال المغرب، حيث تجاوز عدد السياح الوافدين عليه عند نهاية نونبر 18 مليون سائح، مقارنة بـ17.4 مليون سائح طوال العام الماضي.




