الظاهرة والتحولات والحلول.. انعكاسات التقلبات المناخية في المغرب على الفلاحة والاقتصاد والمجتمع

التغيرات المناخية. DR

في 01/05/2024 على الساعة 12:00, تحديث بتاريخ 01/05/2024 على الساعة 12:00

لم تعد التقلبات المناخية منحصرة في كونها حبيسة انشغالات الخبراء البيئيين والدارسين. وتمكنت هذه الظاهرة لتفرض نفسها بقوة وتصبح عنصرا من العناصر الأساسية في المعيش اليوم للعالم وسكانه، مع تسجيل تفاوت ملحوظ في ما يخص التعامل بحذر لتفادي مزيد من التأثيرات. ولا يختلف المغرب عن ما سواه في عالمنا، إذ مسه التغيير المناخي الذي ارتأينا أن نسلط الضوء على تأثيرها السلبي على الفلاحة والاقتصاد الوطني والجانب الصحي والهجرة.


يسترشد le360 في تعاطيه مع الموضوع بدراستين للخبير البيئي مصطفي بنرامل والدكتور الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات ونظم الصحة.

الانعكاسات المباشرة على الفلاحة

يؤكد الخبير مصطفى بنرامل في الدراسة التي اطلع عليها le360 أن القطاع الفلاحي الوطني يواجه مجموعة من التحديات، لافتا إلى أنه ليس في معزل عن العالم في هذا الباب. ويوضح أن تأثير التقلبات المناخية الفلاحة المغربية والتحديات التي تواجهها تتمثل في:

« تبخر كميات كبيرة من المياه ارتفاع درجات الحرارة وانعكاسه سلبا على كميات الموارد المائية المخصصة للري، وبشكل خاص أن ذلك يأتي مصحوبا بشح الأمطار وتغيير وسوء توزيع التساقطات، ما يؤثر بشكل مباشر على المحاصيل الزراعية ».

ويرى بنرامل أنه « في غياب الاكتفاء من حيث المحاصيل الزراعية يتوجه المغرب عوض التصدير نحو الاستيراد بكميات كبيرة مع ما يتطلبه ذلك من إنفاق عوض تحقيق المداخيل من عائدات المواد الفلاحية ».

ويربط ذلك ضعف المحاصيل بـ » تغيرات أنماط هطول الأمطار وطول فترات الجفاف، وارتباك التساقطات مع الفيضانات التي تؤثر على خصوبة التربة وتهدد المحاصيل الزراعية »، مركزا على « ازدياد الظواهر الجوية المتطرفة: تصبح العواصف والصقيع والموجات الحارة أكثر تكرارا وشدة، ما يُؤدي إلى خسائر فادحة في الإنتاجية والبنية التحتية الفلاحية ».

ويفرض ما نعايشه من تحولات التكيف مع الوضع الجديد عبر اعتماد تقنيات الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والري الذكي وتحسين كفاء الري. وكذلك الاجتهاد عبر استعمال أصناف مقاومة للجفاف لتأمين الإنتاجية ولو في ظل الظروف المناخية الصعبة وتطوير منهجية التخزين والمعالجة، فضلا عن الاستثمار في البحث العلمي ».

ويشدد الخبير البيئي على أهمية دور المزارعين المتمثل في ضرورة الانخراط في التكيف مع تغيرات المناخ بـ »اعتماد الممارسات الفلاحية المستدامة كالزراعة العضوية والحفاظ على التربة، والانخراط في استخدام تقنيات الري الحديثة وانتقاء الأصناف المقاومة للجفاف، والمشاركة في البرامج الحكومية التي تتغيى التكيف مع واقع التغيرات المناخية ».

ويؤكد أن « التكيف مع تغيرات المناخ في القطاع الفلاحي ضروري لضمان الأمن الغذائي واستدامة القطاع في المغرب ».

الانعكاسات على الاقتصاد الوطني

يؤكد الخبير البيئي مصطفى بنرامل أن التغييرات المناخية تحكم على الاقتصاد الوطني بمواجهة عدة تحديات شأنه شأن اقتصادات الكثير من دول العالم ففضلا عن إشارته سابقا إلى انخفاض التصدير الذي يرتبط بقلة الإنتاج أو للتحكم في العملية لتحقيق الأمن الغدائي، الذي يظل مهددا بحكم انخفاض الإنتاجية الزراعية نتيجة الجفاف ونقص المياه وتغير أنماط هطول الأمطار ».

وفضلا عن التأثيرات السلبية على الاقتصاد الوطني هناك تأثرات أخرى على الاقتصاد الوطني بسبب ارتفاع « الطلب على الطاقة، خاصة الطاقة الكهربائية، ما يُؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة، ويثقل كاهل الميزانية العامة للدولة »، ولعل هذا ما أدى إلى تسجيل أرقام قياسية في ما يخص استهلاك الكهرباء في لحظات استداد الحرارة نتيجة استعمال المكيفات لتلطيف الجو.

وتفرض التغيرات المناخية أيضا مصارف إضافية تثقل الميزانية لإصلاح وترميم البنيات التحتية بعد تعرضها للتلف نتيجة الفيضانات التي تحدث بسبب التغيرات المناخية ويشمل ذلك الطرق والسدود وشبكات الكهرباء وغيرها ».

يشير الخبير البيئي مصطفى بنرامل إلى أنه بإمكان المغرب التعاطي بشكل إيجابيا من الناحية الاقتصادية مع التغييرات المناخية عبر مواصلة المراهنة على التنويع الاقتصاد الذي من شأنه خلق مزيد من فرص العمل الجديدة، وذلك عبر التقليل من استعمال الوقود الأحفوري الاستثمار في الطاقات المتجددة بالنظر إلى ما أبان عنه المغرب من إمكانات في هذا المجال.

وتطوير السياحة البيئية عبر تثمين مختلف المناطق التي تنفرد بهذه الخصوصية واستغلال التنوع البيئي لرفع عدد السياح المحليين والأجانب.

كما لفت إلى عدد من المبادرات الحكومية الهادفة إلى صيانة الاقتصاد الوطني ومن بينها الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة التي تهدف إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني إلى 52 في المائة بحلول عام 2030.

وأبرز أهمية المخطط الوطني للتكيف مع تغيرات المناخ و »يتضمن مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى حماية الاقتصاد الوطني من آثار تغيرات المناخ، مثل دعم القطاع الزراعي وتطوير البنية التحتية ».

انعكاسات التغيرات المناخية على الصحة

أكد الدكتور الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية أن التغييرات المناخية تؤثر سلبيا على صحة الإنسان واشار في دراسة أنجزها بهذا الخصوص واطلع عليها le360 إلى أمراض الجهاز التنفسي والنوبات القلبية والالتهابات.

وأكد الدكتور حمضي « تزايد أمراض الجهاز التنفسي والحساسية بسبب الظروف الجافة وتآكل التربة وتنامي كمية الجسيمات الدقيقة والغبار في الهواء.

وينجم عن ذلك الزيادة في درجة حرارة الأرض إلى فترات تلقيح أطول، وتطوير بعض النباتات المسببة للحساسية والغازية إلى جانب انخفاض هطول الأمطار في وقت تشتت حبوب اللقاح، تكون تركيزات حبوب اللقاح في الهواء أعلى ».

وتحدث أيضا عن الأمراض المعدية المحمولة جوا: الأنفلونزا، والفيروس المخلوي التنفسي، والعقدية الرئوية، وغيره ».

كما لفت إلى ملاحظة مهمة تتمثل في كون « مواسم الشتاء الأقصر والأكثر دفئا والأكثر رطوبة تساهم في انخفاض محتمل في عدد أمراض الجهاز التنفسي، غير أن هذا الانخفاض يقابله تغيرات في جودة الهواء ونزوح جماعي للسكان ».

وأوضح أن الحرارة والجفاف ينجم عنها التعرض للمبيدات الحشرية.

وتطرق الدكتور حمضي في دراسته الأمراض المنقولة بالغذاء والأمراض المنقولة عن طريق المياه، إذ « يؤدي خطر نقص المياه أثناء فترات الجفاف وانخفاض منسوب المياه وانخفاض تدفقات الأنهار إلى ركود مصادر المياه مع زيادة تركيزات الملوثات في المياه الجوفية والمياه السطحية.

ومن الأمراض التي تنقلها الأغذية والمياه: « الإشريكية القولونية المعوية، والعطيفة، ولسالمونيلا وغيرها كثير.

أما في ما يخص الأمراض المنقولة بالنواقل فيؤكد أنه « يمكن أن يؤدي خفض مستوى المياه إلى تعزيز تكاثر البعوض من خلال تركيز المياه المتاحة وإنشاء مسطحات مائية غنية بالكائنات الحية التي تقرب المضيفين والنواقل من بعضها البعض، مما يزيد من انتشار نواقل الانتقال: القراد والبعوض وذباب الرمل...، فضلا عن الأمراض الحيوانية المصدر والنواقل ».

الانعكاسات على الهجرة

يضع الدكتور الطيب حمضي أصبعه على جرح يتمثل في ما يسميه « التمدن غير المخطط والنزوح غير المخطط للسكان »، الذي كان له أثر واضح في ظاهرة « ترييف المدن »، الذي حول أجزاء منها إلى قرى وأفرز ما يمكن تسميته لمدن هجينة.

ويوضح الخبير البيئي بنرامل أن انعكاسات التقلبات المناخية على الهجرة بالمغرب ملحوظة ويشير إلى أنه « من الدول الأكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية، وتُلقي هذه التأثيرات بظلالها على مختلف جوانب الحياة، وبما في ذلك ظاهرة الهجرة ».

ويرى بخصوص العلاقة السببية ان « الجفاف من أهم العوامل التي تدفع إلى الهجرة في المغرب، إذ يُؤدي إلى نقص الموارد المائية، وفقدان الإنتاجية الزراعية، و تدهور ظروف المعيشة في المناطق القروية »، ويفقد المواطنين أسباب البقاء في المناطق التي تتراجع فيها شروط الحياة.

ولعل التصحر من الظواهر الأكثر إسهاما في الهجرة، إذ يلاحظ أن عددا من الواحات لم تعد سخية كما كانت من قبل، وكان من نتائج ذلك هجرة الشباب بحثا عن العمل، ويتحدث المهتمون في هذا الباب إلى أن الكثير من الواحات أصبحت شبه خالية من الشباب بسبب الهجرة إلى المدن.

وأد بنرامل أن الأمر يتطلب « الاستثمار في التكيف مع المناخ عبر توفير الموارد المالية لتنفيذ مشاريع تهدف إلى تحسين قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع تغيرات المناخ، مثل بناء السدود وحماية المناطق الساحلية وتطوير تقنيات الري الحديثة.

و »خلق فرص عمل جديدة عبر تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة في المجالات غير الزراعية مثل السياحة والصناعة والخدمات ».

وشدد على أهمية الانفتاح على « التعاون الدولي وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة في مجال التكيف مع المناخ ».

تحرير من طرف حسن العطافي
في 01/05/2024 على الساعة 12:00, تحديث بتاريخ 01/05/2024 على الساعة 12:00