تلعب عدة عوامل دورا مهما في ترجيح كفة المغرب مقارنة مع دول من المنطقة، وفي مقدمتها الاستقرار السياسي وضمانات الاقتصاد المغربي الواعد والترسانة القانونية بما فيها قانون الاستثمار فضلا عن العرض المغربي.
وقال الأستاذ الجامعي عبد الصمد ملاوي الخبير في مجال الطاقات في حديث خص به le360 إن « تزايد الاهتمام الأوروبي بالهيدروجين الأخضر ودور المغرب في إنتاج هذه المادة يتزايد بشكل ملحوظ. وتتظافر عدة عوامل في جعل المغرب وجهة مفضلة لعدة دول عالمية، وبشكل خاص دول الاتحاد الأوروبي، فبالإضافة إلى الاستقرار السياسي، ووجود وتطوير ترسانة قانونية لمواكبة مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، والطاقات المتجددة بصفة عامة، وكذلك التحفيزات المهمة التي قدمها المغرب، وتساهم في جلب استثمارات عالمية، وتطوير الهيدروجين الأخضر، وخصوصا المشروع الأخير المتمثل في عرض المغرب ».
وأضاف « هناك مجموعة من العوامل المهمة ومن الواجب ذكرها وهي التي جعلت المغرب يتموقع بهذا الشكل، ويجدب الاهتمام الأوربي به مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر.
أولا يتطلب إنتاجه وجود كهرباء خضراء منتجة من الطاقة المتجددة، وإلا لن يسمى الهيدروجين المنتج « هدروجين أخضر »، كما نعلم يمكن إنتاج الهيدروجين بطرق أخرى، مثلا انطلاقا من الغاز الطبيعي بطرق علمية وتقنية محددة وفي هذه الحالة لا يسمى هيدروجين أخضر، بل بني آو أزرق، ونحن هنا لا نتكلم عن هذا النوع، لأن الهيدروجين الأخضر ينتج ضروريا عن طريق الطاقات المتجددة.
تجاوب مع متطلبات وإكراهات الاتحاد الأوروبي
يقول ملاوي: « لحسن الحظ يتموقع المغرب في باب إنتاج الطاقة الكهربائية الخضراء من المصادر المتجددة. وقد استطاع أن ينتج أكثر من 4,2 جيغاواط من الطاقات المتجددة ويطمح إلى أن ينتج في السنوات المقبلة أكثر من 10 جيغاواط من الطاقات المتجددة على شكل كهرباء خضراء، هذا من ناحية، ثانيا التوجه الأوروبي نحو استبدال استعمال المصادر الطاقية الملوثة بأخرى خضراء من العوامل التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى التهافت على المغرب ».
ومضى يقول: « من بين البدائل التي تسعى دول هذا الاتحاد إلى إدخالها في الصناعات يأتي الهيدروجين الأخضر كبديل من البدائل التي لا تخلف الكربون (0 كربون)، فدول الاتحاد الأوروبي لديها مجموعة التزامات اقتصادية وبيئية ومن الناحية قانونية.
لقد تعهد الاتحاد الأوروبي بخفض انتاج الغازات الدافئة في أفق 2030 بحوالي 55 في المائة، في حين أصدرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أخيرا مجموعة من القوانين الصارمة وهو ما يصطلح عليه بحزمة Fit for 55 وبموجب هذه القوانين التي دخلت حيز التنفيذ في السنة الماضية وتمتد تدريجيا عبر عدة سنوات أصبحت الدول الأوربية ملزمة بعدم بيع المنتوجات انطلاقا من الصلب والبتروكيماويات والصناعية وأيضا الفلاحية إذا لم تحترم في إنتاجها الطاقة الخضراء، وفي حال ثبوت ذلك ستؤدي مبالغ كبيرة ما بين 350 أورو إلى 500 أورو لكل طن من إنتاج ثاني أوكسيد كربون من الطاقة المستعمل في الإنتاج.
وبالتالي أصبح الاتحاد الأوروبي يسارع الزمن لاستبدال مصادر الطاقة الأحفورية المستعملة في اقتصاده بمصادر الطاقات المتجددة إما الكهرباء من المصادر المتجددة أو الهيدروجين الأخضر، باعتباره تقنيا سهل الاستعمال التنقل والتخزين.
النقطة الثالثة التي زادت الاهتمام بالهيدروجين الأخضر وعلاقة الدول الأوروبية بالمغرب هي أنه بدوره له إكراهات وتعهدات في المجال البيئي والاقتصادي، وكذلك في إطار المبادلات مع أوروبا، لأن القوانين التي أصبحت تلزم دول الاتحاد الأوروبي تلزم المغرب أيضا، باعتباره شريكا مع الاتحاد الأوروبي، حيث إن الصادرات والواردات حوالي 60 في المائة بين المغرب والاتحاد المذكور، ما يعني أن المغرب سيضرر أيضا إذا لم يستبدل طريقة إنتاج الواد عن طريق استعمال الطاقة ذات المصادر غير المتجددة.
بالإضافة إلى ذلك فإن المغرب كان أيضا ملتزما في مناسبات عالمية كان آخرها في « كوب 22″ بمراكش، حيث التزم بتخفيض إنتاج الغازات الدافئة بحوالي 45,5 في المائة في أفق 2030، وإلا لن يكون محط ثقة هذه الدول ومن شأن ذلك أن يؤثر سلبا على استقرار مجموعة من المشاريع في المغرب ».
الموقع والتموقع الجيد
بخصوص النقطة الرابعة يقول الخبير في الطاقة: « إنها تتعلق بالموقع الجيواسترتيجي والجغرافي المهم للمغرب، فهو كما نعلم يتوفر على سواحل مهمة وكبيرة جدا، وهذه السواحل تستعمل مياهها في استعمال الهيدروجين الأخضر لأن من أساسيات الهيدروجين الأخضر هناك الكهرباء الخضراء وهناك الماء، إذ يجري فصل جزي الماء إلى ذرات الهيدروجين والأوكسجين، فالمغرب يتوفر على ميزة مهمة تتمثل في استعمال مياه البحر، فضلا عن ذلك فالسواحل تستعمل لوجستيكيا في الإنتاج وفي التخزين وفي نقل ما ينتج.
نحن نعلم أن هيدروجين الأخضر من المواد الخطيرة يعني يعصب نقله عبر الطائرات والممرات البرية وبالتالي يبقى النقل البحري أكثر أمانا، حتى التخزين لا بد من أن يكون آمنا وهذا يتأتى عبر محطات تخزين مائية بالمحيط، وهذا يسهل طريقة التصدير إلى مختلف الوجهات على غرار المحطات الموجودة حاليا.
المغرب يوجد في مفترق النقل البحري الدولي الذي يربط تقريبا جميع القارات لدينا مضيق جبل طارق يعني وجهة ساحلية على الأمريكتين، وأيضا القرب من أوروبا وكذلك بوابة إفريقيا ومدخل البحر الأبيض المتوسط للسفن المتجهة على الشرق الأوسط وآسيا، وهذه مسألة مهمة ومساعدة على تصدير الهيدروجين الأخضر المصنع مستقبلا ».
دور الاحترام والثقة
إنها النقطة الخامسة التي تحدث عنها ملاوي وقال في هذا الصدد « إن المغرب يحظى بثقة واحترام المنتظم الدولي بشكل كبير، لأنه ملتزم باحترام جميع الاتفاقيات وجميع الشراكات وما قدمه من تعهدات واتفاقيات سواء على مستوى المناخ أو الطاقة الخضراء، أو تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وخصوصا الأهداف المتعلقة بالطاقات المتجددة أو احترام المناخ.
هذا الاحترام لدى المنتظم الدولي من بين الشروط التي تفرضها الشركات الكبرى التي تستثمر أمولا طائلة عبر الدول فإذا لم تكن هناك ضمانات من الصعب تصرف أموالا ضخمة. هذا ما جعل المغرب وجهة لعدد من المشاريع الضخمة يمكن أن أذكر منها مشروع آمون لإنتاج تقريبا مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، وهو بشراكة مه مجموعة من الدول الأوروبية وسيدأ انطلاقا من سنة 2026، وهناك مشروع الربط القاري مع المملكة المتحدة المنتظر أن ينطلق سنة 2027 ومشروع power to x ، للطاقة الخضراء والأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر إلى غير ذلك منم المشاريع ونستحضر مشروع نور، فكل هذه المشاريع لم يخطط لها عبثا، بل هي نتيجة الثقة والاحترام التي أضحى المغرب يتمتع بها لدى المنتظم الدولي ».
صيغ المراهنة على المغرب
هذا ما أكد عبد الصمد ملاوي الذي قال « تتعدد صيغ المراهنة على المغرب من قبل الشركات المؤسسات الأوروبية للتعاون والشراكة والاستثمار في المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقات المتجددة بصفة عامة فيمكن للشركات الأوروبية مثلا الاستثمار في المغرب إما مباشرة أو عن طريق شراكات مع مؤسسات مغربية تستثمر وتنتج الهيدروجين الأخضر هذا وجه من أوجه التعامل.
كما يمكن للشركات الأوربية شراء الهيدروجين الأخضر بعد تصنيعه إما للاستخدام المباشر إذا كانت لديها مشاريع أخرى في المغرب تشتري الهيدروجين لاستعماله أو لتصديره للأسواق الدولية، والسوق الأوروبية على الخصوص لتكون من بين صيغ المراهنة على الهيدروجين الأخضر المغربي.
كذلك هناك فرصة للشركات المغربية والأوروبية للتعاون في قطاعات مرتبطة بالهيدروجين الأخضر، فكما نعلم أي صناعة وأي ميدان له ارتباطات بميادين موازية في ما يخص الصيانة والتخزين والتحويل إلى غير ذلك، وهذا يتطلب استثمارات وشراكات أخرى يمكن أن توفر للشركات الأوروبية فرصة ممارسة أنشطتها في المجالات الموازية المكملة لقطاع الهيدروجين الأخضر.
كما أن الاستمارات المرتبطة بالهيدروجين الأخضر في المغرب فرصة للتعاون بين الشركات والمؤسسات الأوروبية والمغربية في مجالات البحث العلمي والابتكار وتطوير تقنيات جديدة لإنتاج وتخزين ونقل الهيدروجين الأخضر، وهذا يشكل فرصة للشركات الأوربية للتعاون مع شركات مغربية مثلا في التكنولوجيا وتطوير تقنيات جديدة.
بصفة عامة يشكل الهيدروجين الأخضر فرصة ثمينة للمغرب لتطوير البنية التحتية اللازمة، فهي في البداية وهذه فرصة لتطوير بنيات تحتية يوازيها تطوير بنيات تحتية أخرى لوجستيكية مثل الطرق السيارة والمطارات والموانئ ومحطات التخزين والشبكة الكهربائية وتطوير الشبكة الرقمية اللازمة للمواكبة والشبابيك الرقمية وخدمات أخرى وهي فرصة ثمينة للمغرب ليصبح من الدول المتقدمة في مجالات أخرى.
كما أنها فرصة للمغرب لجلب التقنيات المتطورة التي تحتكرها بعض الدول خصوصا في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه خصوصا مع ألمانيا التي تسارع إلى عقد شراكات مع المغرب فكما نعلم لألمانيا باع طويل في هذا المجال ».