في الوقت الذي وصلت فيه البطالة إلى مستويات غير مسبوقة في المغرب (أكثر من 13%)، أظهرت المذكرة الإخبارية حول الظرفية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أنه لم يتم القيام بأي شيء لإعادة الأمور إلى نصابها، مسجلا تراجعا واضحا في النمو في الربع الأول لعام 2024، إذ بلغ 2.5% فقط مقارنة بـ3.9% في السنة الماضية.
ومما يثير القلق أكثر أن هذا الأداء الضعيف يؤثر بشكل رئيسي على الأنشطة غير الفلاحية التي شهدت قيمتها المضافة تباطؤا، حيث انخفضت إلى 3.2% في الربع الأول من عام 2024، مقارنة بـ3.9% قبل عام. وهو ما يضع موضع تساؤل الحجة التي تروج لها الحكومة والمرتبطة بـ«ست سنوات متتالية من الجفاف»، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الانخفاض في القطاعين الثانوي والثالث للاقتصاد.
وهناك ملاحظة أخرى مثيرة للقلق تتمثل في الانخفاض الكبير في الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي انخفض إلى 1.09 مليار دولار في عام 2023، ليصل إلى أدنى مستوى له في 19 عاما، وفقا للتقرير الأخير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وأكد الاقتصادي عبد الغني يومني قائلا: «رغم أن الحكومة تسعى جاهدة إلى إيجاد توازن بين سياسة نقدية تهدف إلى إنعاش الاستثمار الخاص والاستهلاك، وسياسة مالية تهدف إلى خفض التضخم من 3.4% عام 2024 إلى 2% اعتبارا من 2025، مع وضع سقف لعجز الميزانية بأقل من 4%، هذه الجهود تبدو غير كافية».
وأضاف: «المغرب يظل في الواقع معتمدا على نمو اقتصادي يستند على 40% على القطاع الفلاحي، و20% على التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي، و26% على خدمات السوق، و12% فقط على القطاع الصناعي ».
ومع ذلك، يرى الخبير الاقتصادي عبد الغني يومني أن الحلول تتجاوز الإطار الماكرواقتصادي، وهو المجال الذي يعرف فيه المغرب بمرونته وأدائه. وأضاف قائلا: «بين عامي 2025 و2050، سيكمل المغرب تحوله الديمغرافي مع انخفاض كبير في فئة الشباب. وبالتالي فإن الإقلاع الاقتصادي والصناعي للبلاد هو ضرورة ملحة. فينبغي إصلاح الإطار الميكرواقتصادي: إعادة تحديد وظيفة الشركات، واحتياجات المستهلكين والوظيفة الاقتصادية للتراب. ومن الضروري رسم خريطة للشركات المغربية، وتحليل السلوكيات الاستهلاكية للمغاربة ووضع تحليل رباعي (matrice SWOT) للجهات لجعلها فاعلا رئيسيا في التشغيل والتصنيع وخلق القيمة المضافة».
«يجب أن نترك الناس يتنفسون»
في حوار سابق مع Le360، أكد المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي أن السياسة «الاجتماعية» التي تنتهجها الحكومة ستكون مواتية للطلب، في حين أن المشكلة في نظره تكمن في مستوى العرض، داعيا إلى إصلاح شامل لنظام الإنتاج. وقال الحليمي: «يجب أن ندفع فلاحتنا إلى الإنتاج أكبر قدر ممكن لتعزيز السيادة الغذائية. يجب أن نركز على الضيعات العائلية التي تزاوج بين الحبوب والماشية، والتي تنتج أكثر من الضيعات الكبيرة».
في هذا الحوار، أشار المندوب السامي للتخطيط إلى الآثار المتناقضة للسياسات المالية والنقدية التي تنفذها الحكومة والبنك المركزي بشكل منفصل في سياق معين، حيث «يشعر الناس بالإرهاق النفسي من آثار ما بعد الأزمة».
وأضاف قائلا: «من ناحية، نحاول وضع سياسة تسمح للمجتمع والاقتصاد باستعادة أنفاسهما. ومن ناحية أخرى، فإننا نزيد العوائق أمام الحصول على التمويل»، في إشارة إلى الزيادات المتتالية في سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب في سنتي 2022 و2023.
وتابع أحمد الحليمي قائلا: «يجب أن نترك الناس يتنفسون. فبدلا من كبح النمو من خلال سياسة نقدية صارمة، مفرطة في الصرامة في رأيي، كان بإمكاننا تسهيل الزيادة في سعر الفائدة الرئيسي على مدى فترة طويلة. ومن الأفضل أن يكون هناك نمو، حتى لو كان ذلك يعني وجود التضخم، نمو يسمح للناس بالحصول على عمل، بدلا من أن يكونوا في وضع يتعايش فيه التضخم مع البطالة».
ساد الاعتقاد أن الاقتصاد هو نقطة القوة لدى أعضاء فريق عزيز أخنوش، الذين جاء معظمهم من عالم الأعمال إلى عالم السياسة والسلطة. وفي ظل وتيرة نمو المؤشرات الماكرواقتصادية، يتساءل المراقبون كيف ستتمكن الحكومة من الوفاء بوعودها الانتخابية، التي التزمت برفع النمو إلى 4% بين عامي 2022 و2026؟ غير أنه، في أفضل السيناريوهات، وصل هذا النمو إلى 3.4% في عام 2023، مقارنة بـ1.5% فقط في عام 2022. وبعبارة أخرى، ستحتاج الحكومة إلى نمو بنسبة 6 إلى 7% كل عام خلال النصف الثاني من ولايتها الحكومية للوفاء بالتزاماتها. ويتعين عليك أن تؤمن بالمعجزات حتى تتصور أن وصفات ماكينزي، التي تعلق عليها الحكومة آمالها، قادرة على العودة إلى النمو المستدام.
هذا دون الحديث عن الاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان أقل في عام 2023 مما كان عليه خلال ولايتي الحكومات التي يقودها الإسلاميون. وعندما نعلم أن بعض الوزراء في حكومة أخنوش كانوا يتنذرون سرا على «عجز» مسؤولي حزب العدالة والتنمية عن تقديم خطاب معقول للمستثمرين الأجانب، فإن الحد الأدنى المتوقع منهم هو أن يفعلوا ما هو أفضل مما فعله سابقوهم.