أكدت الدورة السابعة والأربعون للجنة التراث العالمي، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والتي عقدت في الفترة من 6 إلى 16 يوليوز 2025 في باريس، التزامها بحماية التراث العالمي من خلال إدارة مخاطر الكوارث واستخدام أحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي، لمساعدة خبراء التراث على الحفاظ على تراثنا العالمي.
كما اتخذت لجنة التراث العالمي عدة قرارات تتعلق بالتراث العالمي.
ففي إفريقيا، تم رفع ثلاثة مواقع رسميا من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر بعد عقود من الجهود. ويضاف إلى ذلك قرار إدراج خمسة مواقع إفريقية جديدة في قائمة التراث العالمي. هذه الدينامية المزدوجة، التي أشادت بها المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي، باعتبارها «نتيجة جهود كبيرة». ووفقا لليونسكو، يظهر هذا تآزرا متجددا بين الحفاظ على التراث والتعاون الدولي والتثمين المحلي.
وإجمالا، سجلت الدورة السابعة والأربعون للجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو 28 موقعا، منها خمسة مواقع إفريقية. إنها فسيفساء تؤكد، وفقا لأودري أزولاي، أن التراث يبقى «تعددية لا تعرف الأزمة»، وقد أشادت بها 196 دولة.
47e session du Comité du patrimoine mondial.. DR.
إنقاذ ثلاثة مواقع إفريقية
تمثل المواقع الإفريقية الثلاثة، التي رفعت من قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، انتصارات في وجه الخطر ونماذج للصمود. وهكذا، تشهد مدغشقر نهضة بيئية مع غابات أتسينانانا (التي أُدرجت على أنها معرضة للخطر عام 2010). وقد أدت خطة العمل الوطنية، التي دعمتها اليونسكو، إلى استعادة 63% من مساحات الغابات الضائعة وانخفاض تاريخي في الصيد الجائر للليمور. ويقدم الجمع بين الدوريات المحلية والمراقبة عبر الأقمار الصناعية ومكافحة الاتجار بالأخشاب الثمينة نموذجا قابلا للتكرار في ما يتعلق بالمواقع المهددة.
في مصر، تم إنقاذ موقع أبو مينا (المهدد منذ عام 2001) بفضل الهندسة الهيدروليكية المبتكرة. وقد أدى نظام الصرف الذي بدأ في عام 2021 إلى الحد من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، بينما دمجت خطة الحفظ لعام 2024 المجتمعات المحلية، مما يدل على فعالية الحلول التقنية إلى جانب الحكامة الدامجة.
أما ليبيا، فعلى الرغم من السياق الأمني الهش، فإنها ترتقي إلى مستوى التحدي مع مدينة غدامس القديمة. فقد أُدرجت كموقع مهدد بالانقراض عام 2016 بعد النزاعات والحرائق، وأعطى ترميمها الأولوية للبنية التحتية التقليدية وتكوين الفاعلين المحليين. مثال يحتذى به في التدبير ما بعد الصراع، حيث حفز الدعم التقني لليونسكو الصلابة المتجذرة في التراث المعماري.
الجواهر الإفريقية الخمس التي انضافت الآن إلى قائمة التراث العالمي
تكشف النقوش الإفريقية الخمسة الجديدة عن استراتيجية تراثية جريئة، تدمج الثقافة الحية والتنوع البيولوجي في نماذج استدامة مبتكرة. وقد أدرج موقع «مناظر ديي-غيد-بيي»، الواقع في جبال ماندارا بالكاميرون، ضمن التراث العالمي، وهي مجموعة من ستة عشر موقعا أثريا مبنيا من الحجر الجاف (من القرنين 12 إلى 17) تضم مدرجات فلاحية وطقوس مافا ومساكن. ويعكس هذا الموقع التقاليد الثقافية العريقة، ويجسد عبقرية إبداعية مجهولة، وحافزا محتملا للسياحة الثقافية اللامركزية.
في ملاوي، يجسد المشهد الثقافي لجبل مولانجي قوة القيم غير الملموسة. تعتبر هذه المنطقة مقدسة لدى شعوب ياو، ومانغانجا، ولوموي، وتظهر طقوسها العريقة أن الروافع الروحية تتجاوز القيود التنظيمية في مجال الحفاظ على التراث.
وأدرج مجمع غولا-تيواي في سيراليون ضمن التراث العالمي، وهو مختبر لاقتصاديات التنوع البيولوجي، يضم 1000 نوع من النباتات و19 نوعا من الثدييات المهددة بالانقراض، مثل فيل الغابات الإفريقي. يؤكد المعيار (إكس) (إي إكس) على دوره الرائد في آليات تعويض الكربون والتنقيب البيولوجي الأخلاقي، مما يعزز خدمات النظام البيئي.
يشكل توسيع منتزه إيسيمانغاليسو-مابوتو الوطني (موزمبيق/جنوب إفريقيا) سابقةً في مجال التعاون الإقليمي. فهو يغطي مساحة 397.471 هكتارا، ويعزز حماية منطقة مابوتالاند-بوندولاند-ألباني، ويحسن تكاليف الرصد من خلال تجميع الموارد، مع تعزيز العمليات البيئية النشطة.
وأخيرا، تعد النظم البيئية الساحلية والبحرية لأرخبيل بيجاغوس (غينيا بيساو)، وهو الأرخبيل الدلتا النشط الوحيد في المحيط الأطلسي الإفريقي، موطنا لـ870.000 طائر مهاجر، وحاضنات للسلاحف الخضراء المهددة بالانقراض. توفر منطقتها العازلة، التي تبلغ مساحتها 636.836 هكتارا، إطارا للصيد المستدام والسياحة البيئية الراقية، حيث تربط بين الحفاظ على البيئة البحرية والتنمية.
خمسة مواقع تجسد إفريقيا التي تتجه نحو المستقبل، حيث يصبح الاعتراف بالتراث رافعةً للصلابة الاقتصادية والبيئية.
بعض المواقع الـ23 الأخرى المدرجة خارج إفريقيا
خارج إفريقيا، أدرجت اليونسكو مواقع استثنائية تعكس تنوع التراث العالمي. فقد أدرجت الإمارات العربية المتحدة موقع فايا باليولاندسكيب، وهو شهادة فريدة على قدرة الإنسان على الصمود في وجه تغير المناخ على مدى 210.000 عام.
وأدرجت أستراليا موقع موروجوغا الثقافي، وهو محمية للسكان الأصليين تضم نقوشا صخرية عمرها ألف عام، وتخضع لحكم لور نغاردا-نغارلي. كما كرمت الصين مقابر شيشيا الإمبراطورية، وهي تحفة فنية للاندماج الثقافي على طول طريق الحرير.
تحول كمبوديا الذاكرة المؤلمة إلى تراث عالمي من خلال المواقع التذكارية، رموز المصالحة. وتكشف إيران عن مواقع ما قبل التاريخ في وادي خرم آباد، وهي مفتاح لفهم الهجرات البشرية من إفريقيا.
وتحتفي ماليزيا بريادتها في مجال الترميم البيئي من خلال حديقة الغابات التابعة لمعهد أبحاث الغابات، والتي تعد نموذجا للصمود في وجه التدهور الناتج عن المعادن.
أوروبا معنية هي الأخرى: فرنسا تحتفي بميغاليث كارناك، وهي عبقرية من العصر النيوليتي في حوار مع مورفولوجيا السواحل. أما ألمانيا فتحتفي بقلاع الملك لودفيغ الثاني ملك بافاريا، وهي مزيج رومانسي بين الابتكار التقني والمناظر الطبيعية الجبلية. فيما احتفت اليونان بمراكز القصور المينوية، مهد أول أنظمة الكتابة في البحر الأبيض المتوسط.
تركيا تحافظ على سرديس وتلال الدفن الليدية في بن تيبي، مهد العملة الحديثة، بينما تكشف روسيا عن لوحات كهف شولجان-تاش، وهي أرشيف جليدي لسهوب أوراسيا. وأخيرا، تدرج إيطاليا تقاليد الجنائز السردينية، وهي شبكة تضم 3500 موقع تحت الأرض توضح تطور مجتمعات ما قبل التاريخ.
ما وراء الرمز
يتجاوز اعتراف اليونسكو بالتراث البعد الثقافي ليحقق فوائد اقتصادية ملموسة. المواقع «المحفوظة» تشهد إحياء لقيمتها السياحية والعلمية. يمكن لموقع أبو مينا المسيحي أن يجذب تدفقا للحجاج، مما ينعش الاقتصاد المحلي، بينما تعزز غابات هوم في أتسينانانا البحوث الدوائية من خلال تنوعها البيولوجي.
بالنسبة للتسجيلات الجديدة، تمثل علامة اليونسكو حافزا، إذ تجذب الاستثمارات والخبرات التقنية. أما المناظر الطبيعية الثقافية، مثل دي-جيد-بيي (الكاميرون) أو جبل مولانجي (ملاوي)، تشكل روافع للتمكين المجتمعي من خلال الحرف التقليدية أو الفلاحة البيئية، كما تُقلل محميات إيسيمانغاليسو-مابوتو (موزمبيق/جنوب أفريقيا) من تكاليف الرصد وتجذب التمويل الدولي.
تمكن النظم البيئية الغنية لمجمع غولا-تيواي (سيراليون) وبياغوس (غينيا بيساو) من تطوير اقتصاد حيوي منظم، مما يوفر فرص عمل خضراء.
وهكذا، تجسد هذه المواقع الإفريقية الثمانية تحالفا مثمرا بين المعرفة المحلية والتعاون الدولي ورؤية اقتصادية مستدامة، مما يحول كل هكتار محمي إلى استثمار مستقبلي للأجيال القادمة.








