تحويلات مغاربة العالم: المغرب ينتزع اتفاقا حاسما مع فرنسا لمواجهة توجيه أوروبي مقلق

في 25/06/2025 على الساعة 11:00

بعد أشهر من القلق والمفاوضات المكثفة، حصل المغرب على تليين في الموقف الفرنسي بشأن توجيه أوروبي كان يُهدد بإبطاء تحويلات مغاربة العالم. وقد تم التوصل إلى اتفاق مع الخزينة الفرنسية سيتم الانتهاء منه في يوليوز المقبل، ما يشكل تقدما كبيرا في الدفاع عن المصالح الاقتصادية للمملكة. الخطوة التالية: إقناع باقي الدول الأوروبية التي تحتضن جاليات مغربية كبيرة.

وبدأت جهود السلطات المغربية لمواجهة هذا التوجيه الأوروبي، الذي كان يهدد بعرقلة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، تؤتي ثمارها.

فقد أعلن عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، عقب الاجتماع الفصلي الثاني لمجلس بنك المغرب لعام 2025، المنعقد يوم الثلاثاء 24 يونيو، أن المغرب توصل إلى اتفاق مع الخزينة الفرنسية بشأن هذا التوجيه الذي أثار قلقا واسعا.

وقال الجواهري: « أنا الآن أكثر اطمئنانا. لقد فهمت الخزينة الفرنسية جيدا الإشكالية والصعوبات التي يطرحها هذا التوجيه الأوروبي على المغرب. طلبت منا معلومات إضافية وقدمناها لها، وقد شعرنا بتفهم كبير وأخذ بعين الاعتبار لأهمية الدور الوسيط الذي تلعبه البنوك المغربية لفائدة مغاربة العالم ولصالح ميزان المدفوعات المغربي. وهو ما تُرجم في نهاية المطاف إلى تليين مهم للموقف الفرنسي في هذا الصدد ».

وأوضح أن الاتفاق سيتم إنهاؤه خلال اجتماع يُعقد في يوليوز بين الطرف المغربي والخزينة الفرنسية، على أن يُحال بعد ذلك إلى المفوضية الأوروبية للمصادقة عليه.

وبعد هذه الخطوة الحاسمة، ستبدأ السلطات المغربية في مخاطبة دول أوروبية أخرى تحتضن جاليات مغربية كبيرة، خاصة إسبانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا، وفق ما أشار إليه والي بنك المغرب، معبّرا عن أمله في حل نهائي للمشكل بحلول عام 2026.

وأشار إلى أن التوقعات الحالية لبنك المغرب تفيد بأن تحويلات مغاربة العالم ستواصل التراجع حتى نهاية 2025، قبل أن تعود للارتفاع مجددًا لتنهي سنة 2026 عند ما يقرب من 121 مليار درهم.

نهاية النفق

يرى المغرب اليوم بصيصًا من الأمل في معالجة هذا المشكل الذي يعود إلى سبتمبر 2024 حين أشار إليه الجواهري خلال ندوة صحفية أعقبت اجتماع مجلس بنك المغرب.

ويُذكر أن هذا التوجيه الأوروبي، الذي صاغته المديرية العامة للاستقرار المالي والخدمات المالية واتحاد أسواق المال (FISMA) التابعة للمفوضية الأوروبية، تم اعتماده من قبل البرلمان الأوروبي ونُشر في الجريدة الرسمية يوم 19 يونيو 2024، ومن المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2026.

وبحسب الجواهري، فإن هذا التوجيه يهدف أساسا إلى تقييد نشاط البنوك البريطانية داخل الفضاء الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، إلا أنه، بما أنه يشمل جميع البنوك الأجنبية خارج الاتحاد، فإنه يؤثر بشكل مباشر على البنوك المغربية التي تتوفر على فروع ومكاتب في سبع دول أوروبية، بالإضافة إلى عشرات مكاتب التمثيل.

وتوفر هذه الكيانات خدمات مصرفية متنوعة، لا سيما لمغاربة العالم، تشمل فتح الحسابات وتسييرها وتحويل الأموال، وهي خدمات يُفترض أن تُمنع رسميًا عند دخول التوجيه حيز التنفيذ.

وكان أثر هذا التوجيه على تدفق التحويلات المالية هو ما أقلق السلطات المغربية، نظرًا لأن البنوك المغربية العاملة في الاتحاد الأوروبي طورت علاقات وثيقة مع الجالية المغربية وسهّلت لهم إرسال الأموال إلى وطنهم.

نقلة نوعية في الاستراتيجية

لهذا الغرض، تم إنشاء « خلية دائمة » تضم بنك المغرب والبنوك المعنية ووزارتي الخارجية والاقتصاد والمالية، وقد باشرت هذه الأخيرة مفاوضات مع مختلف الأطراف المعنية داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك المفوضية الأوروبية ومديرية FISMA، بالإضافة إلى سلطات دول أوروبية رئيسية هي: فرنسا، إسبانيا، إيطاليا، بلجيكا، وهولندا.

كما تواصلت هذه الخلية مع البنوك المركزية الأوروبية من أجل توضيح الكيفية التي ستُفسر بها هذه الدول التوجيه الأوروبي الجديد، إذ أن « التوجيه سيُحوّل إلى قوانين وطنية من قبل الدول الأعضاء، وقد تختلف تأويلاته من بلد لآخر »، وفق تصريح سابق للجواهري.

وبعدما لاحظت السلطات المغربية أن المفاوضات لم تُحرز التقدم المرجو، اعتمدت نهجا جديدًا في الحوار مع الأوروبيين، حيث ارتأت البدء بفرنسا كونها تحتضن أكبر عدد من مغاربة العالم (فرنسا تمثل 30.8% من تحويلات مغاربة العالم وفق بيانات مكتب الصرف)، والعمل على استثمار أي تقدم يتم إحرازه معها لبناء موقف تفاوضي أقوى مع باقي الدول.

وقد أتت هذه الاستراتيجية أُكلها، مع توصل الطرفين إلى اتفاق مع الخزينة الفرنسية، ما يمثل خطوة حاسمة نحو حماية مصالح الجالية المغربية واستقرار الاقتصاد الكلي للمملكة.

ويتبقى الآن على المغرب استكمال هذا الإنجاز مع شركائه الأوروبيين الآخرين، لتفادي أن تُطبّق تشريعات تم إعدادها لمواجهة البريكست، بطريقة تُضر بمصالح المغرب وعلاقاته التاريخية بجاليته المقيمة في الخارج.

تحرير من طرف لحسن أودود
في 25/06/2025 على الساعة 11:00