المدخلات الفلاحية: الدول الإفريقية العشر الأكثر عرضة لعدم استقرار السوق المالية العالمية.. ماذا عن المغرب؟

Selon la CNUCED, les grands traders (ADM, Bunge, Cargill, etc.) sont devenus des « intermédiaires financiers », générant plus de 75 % de leurs revenus via des activités de financement structuré plutôt que par le commerce physique.

في 14/12/2025 على الساعة 11:15

في سياق تجارتها الدولية للمدخلات الفلاحية، تعاني جنوب إفريقيا والمغرب وثماني دول إفريقية أخرى بشكل متزايد من تقلبات الأسواق المالية. ويوصي مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريره البنوك المركزية والمؤسسات الإقليمية بتطوير أدوات لرصد مدى تعرضها للمخاطر المرتبطة بكبار التجار وشبكاتهم المعقدة.

ويكشف تقرير الأونكتاد للتجارة والتنمية لعام 2025، الصادر في 2 دجنبر، في فصله الثالث، على البنية المالية الغامضة التي تقوم عليها التجارة العالمية، لا سيما في ما يخص المواد الغذائية. بالنسبة لإفريقيا، القارة التي تعد مصدرا صافيا للمواد الأولية الفلاحية وتعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات لتحقيق أمنها الغذائي، فإن نتائج التقرير لا تقتصر على التحليل التقني فحسب، بل تكشف عن المخاطر النظامية الناجمة عن التمويل المفرط والتركيز الشديد في السوق.

ويقدم التقرير ملاحظة جوهرية: «التجارة ليست مجرد مجموعة من الموردين»، بل هي أيضا سلسلة من خطوط الائتمان وأنظمة الدفع وأسواق الصرف وتدفقات الرساميل. يتميز هذا الهيكل المالي بتركيزه الشديد. ففي قطاع المواد الأولية الفلاحية، تحولت قلة من التجار العالميين -الشركات الكبرى مثل آرتشر دانيلز ميدلاند (Archer Daniels Midland)، وبونج (Bunge)، وكارجيل (Cargill)، ولويس دريفوس (Louis Dreyfus)، وغيرها- إلى «مؤسسات مالية غير بنكية». لم يعد نشاطهم الرئيسي الوساطة المادية، بل توليد المداخيل المالية: «اليوم، يمثل الدخل من الوساطة المالية أكثر من 75% من مداخيل كبرى شركات تجارة الأغذية في العالم»، كما يكشف تقرير الأونكتاد.

وقد أدى هذا التحول، الذي تفاقم بفعل الإصلاحات التنظيمية التي أعقبت عام 2008 (بازل 3)، إلى ظهور «نموذج تركيب بنكي» يعتمد فيه التجار بشكل كبير على السيولة الخارجية (خطوط الائتمان البنكية غير المستخدمة) مع احتفاظهم برؤوس أموال ضخمة في هياكل خارجية معقدة. ويخلق «وهم السيولة»، كما يصفه التقرير، خطرا كبيرا للعدوى المالية.

وتوثق الأونكتاد أن «تجارة المواد الأولية تقوم على ممارسات تخلق مخاطر مقايضة دولية مهمة في 80 دولة على الأقل».

لمحة عن الدول الإفريقية

يحدد التقرير 17 دولة إفريقية مندمجة في الشبكات المالية للتجار. ويمكن تحليل الجدول 3-4 من التقرير من رسم خريطة دقيقة لطبيعة تعرض الاقتصادات الأفريقية لهذه الشبكة المالية.

وتبرز جنوب إفريقيا بوضوح بحصولها على أعلى مؤشر في القارة (50)، وهو ما يشير إلى اندماجها العميق في الدوائر المالية العالمية. ويعرف هذا البلد تنوعا، إذ أن 40% يأتي من العلاقات البنكية المباشرة، و60% من الاستثمارات المشتركة، وحصص الأقلية. ويعكس هذا مكانتها كمركز مالي وفلاحي-صناعي للقارة، ولكنه يشير أيضا إلى قابليتها للتأثر بالصدمات الناجمة عن التجار العالميين.

تليها دول مثل ناميبيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وساحل العاج (بمؤشرين 7 و3 على التوالي)، حيث يمثل تعرضها للشركات 100%. وهذا أمر بالغ الأهمية. وهذا يعني أن ارتباطهم بالنظام المحفوف بالمخاطر لم يعد يتم بالدرجة الأولى عبر الائتمان البنكي التقليدي، بل عبر هياكل رأسمالية معقدة: حصص أقلية يملكها التجار في الشركات التابعة المحلية، والمشاريع المشتركة، واتفاقيات التوريد.

في ما يتعلق بتنظيم التدفقات غير المشروعة، يعد هذا الغموض مؤشرا خطيرا. فهو يعقد عملية رصد المخاطر، ويسهل التهرب الضريبي من خلال أسعار التحويل والبنيات المعقدة، ويخفي التدفقات المالية المشبوهة. ويؤكد التقرير نفسه على ضرورة إخضاع «الأساليب القانونية، ولكن غير الشفافة، للتهرب المالي والضريبي لإشراف المنظمات الدولية التي ترصد مخاطر التدفقات المالية غير المشروعة».

كما تظهر دول مثل غانا وزامبيا (المؤشر 3) وضعا مختلطا مشابها لجنوب أفريقيا، حيث تجمع بين المخاطر البنكية ومخاطر الشركات. وبالمقابل، يبدو أن اقتصادات مثل نيجيريا وتنزانيا (المؤشر 1) معرضة للمخاطر فقط من خلال «التعرضات المباشرة المعتمدة على الأبناك» (100%). قد يشير هذا إلى اندماج تقليدي، ولكنه قد يشير أيضا إلى انخفاض مستوى الشفافية بشأن الروابط الرأسمالية الفعلية.

وماذا عن المغرب؟

يظهر المغرب في تحليل الأونكتاد بمؤشر «التعرض للمقايضة» 2، وهو ما يجعله في المرتبة السابعة إفريقيا، متساويا مع موريشيوس. ويعد وضعه لافتا للنظر: إذ إن تعرضه للشبكة المالية لكبار تجار المنتجات الفلاحية العالميين يقتصر كليا على الشركات. وهذا يعني أن هشاشته لا تنبع من قروض بنكية مباشرة، بل من هياكل رأسمالية غير شفافة -كحصص الأقلية، والمشاريع المشتركة، أو اتفاقيات التوريد المهيكلة.

بالنسبة للمملكة، يمثل هذا الاندماج تحديا مزدوجا. فمن جهة، يزيد من خطر العدوى المالية في حال إفلاس أحد كبار التجار، عبر فروعه المحلية. ومن جهة أخرى، يعقد هذا الغموض الرقابة الاحترازية الوطنية، ويثير تساؤلات حول السيادة الاقتصادية، والعدالة الضريبية، والنزاهة المالية، في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى تأمين إمداداته وتطوير صناعته الفلاحية.

يؤدي تضافر الديناميات الموصوفة إلى خلق حالة من الهشاشة النظامية الحادة للاقتصادات الأفريقية، حيث تتشابك متطلبات الأمن الغذائي والهشاشة المالية بشكل خطير. ويؤدي التمويل المفرط الذي وثّقته الأونكتاد، حيث باتت أسعار المواد الغذائية تعكس استراتيجيات مالية بدلا من الأسس الاقتصادية، إلى تقلبات مصطنعة وغير متوقعة في الأسواق الحيوية لبقاء السكان. ويعرض هذا الانفصال بين الأسعار والواقع المادي للعرض والطلب المنتجين الفلاحيين المحليين لدخول غير مستقرة، والدول المستوردة الصافية للأغذية لفواتير استيراد متقلبة، مما يقوض بشكل مباشر الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار والسيادة الغذائية. ويتفاقم هذا الوضع بسبب عدم الاتساق الجوهري الذي أبرزه التقرير: فعلى الرغم من أن اقتصادات الجنوب العالمي تمثل حصة متزايدة من تجارة السلع العالمية، إلا أنها لا تزال هامشية هيكليا في البنية المالية التي تدعمها. ويترجم هذا التهميش إلى ارتفاع تكلفة الحصول على الائتمان ومحدوديته، مما يضع الفاعلين المحليين في موقف منافسة غير عادلة ضد كبار التجار الدوليين الذين يستخدمون الأسواق المالية كأداة استراتيجية لترسيخ قوتهم السوقية واستخلاص القيمة.

ويتخذ خطر العدوى المالية بعدا جهويا مقلقا. فالشبكات المعقدة من المقايضة البنكية والاستثمارات المشتركة، التي تندمج فيها دول مثل جنوب إفريقيا وناميبيا وساحل العاج، قادرة على تحويل أي إخفاق في مؤسسة مالية عالمية إلى صدمة نظامية جهوية. إن انتشار هذه الأزمة، عبر قنوات محددة من العلاقات البنكية المباشرة والتعرضات المؤسسية، لا يهدد الاستقرار المالي لهذه الدول فحسب، بل يهدد أيضا استمرارية التدفقات المادية للسلع التي غالبا ما تضمنها لمنطقتها الفرعية. يكشف هذا الواقع عن قصور التكتلات الإقليمية الأفريقية مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والمجموعة الإنمائية للجنوب الأفريقي والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا. فهياكلها المالية والحكماتية، التي لا تزال قيد الإنشاء ومجزأة، غير قادرة على الإطلاق لرصد الأزمات العابرة للحدود الناجمة عن غموض التمويل المهيكل والتسييد، أو احتواءها، أو حلها. إن غياب البيانات المتسقة والإطار التنظيمي المنسق، الذي سبق أن أُدين عالميا، واضح جلي على المستوى القاري، مما يجعل الدول عاجزة أمام خطر مركزه خارجي، لكن تداعياته ستؤثر على جوهر أمنها الغذائي واستقرارها الاقتصادي.

وهكذا، فإن خلاصة التقرير حاسمة: «إن الخيارات المتعلقة بالهيكل المالي تحدد بشكل مباشر الدول التي يمكنها القيام بالتجارة، وما تتاجر به، وما إذا كانت التجارة تعزز التنمية المستدامة». وبناء على ما سبق، لا يمكن لإفريقيا ببساطة الخضوع لهذا الهيكل.

ينبغي أن يكون الجواب متناسبا مع التحديات: جواب مندمج، وجهوي، وقائم على تنظيم استباقي. ويتطلب ذلك تعزيزا للمراقبة الجهوية الكلية، وتزويد البنوك المركزية ومؤسسات المجتمع بأدوات لرصد التعرضات لكبار التجار وشبكاتهم المعقدة، وتشجيع وتنظيم بورصات المواد الأولية الجهوية لتحسين اكتشاف الأسعار المحلية وتوفير أدوات التغطية للفاعلين الأفريقيين، ومواءمة الأطر التنظيمية المتعلقة بالشفافية الضريبية، ومكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، وقانون المنافسة، لتفكيك المزايا الغامضة التي يتمتع بها المهيمنون، وتطوير آليات تمويل التجارة البينية الإفريقية الأقل اعتمادا على الدوائر المالية المعولمة، استنادا إلى وعود منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

وكما خلص تقرير الأونكتاد إلى أن «الأدوات موجودة، والرهان يكمن في التنسيق والالتزام». بالنسبة لإفريقيا، التي تواجه هذا المشهد المحفوف بالمخاطر حيث يرتبط التمويل والتجارة ارتباطا وثيقا، فقد حان وقت التنسيق الجهوي والتنظيم الجريء. فصلابة أنظمتها الغذائية والمالية تعتمد على ذلك.

تحرير من طرف موديست كوامي
في 14/12/2025 على الساعة 11:15